الحراك الشبابي الفلسطيني في يافا يتحدى هيمنة الاحتلال

08 سبتمبر 2021
يقاوم أهالي يافا إجراءات التهويد المتواصلة (نير كيدار/ الأناضول)
+ الخط -

تعيش مدينة يافا الساحليّة وضعاً استعماريّاً مستمرّاً منذ احتلال البريطانيّين لها قبل مائة عام، ثم الاحتلال الإسرائيلي، مما يؤثر على واقع أهلها في مختلف المجالات اجتماعياً وسياسيّاً واقتصادياً وثقافيّاً.

قبل النكبة في 1948، كانت يافا تمثّل الحيّز الثقافيّ والتجاريّ والرياضيّ الأهمّ في فلسطين، واشتهرت مسارحها ودور السينما فيها، واتّخذها الفنّانون والأدباء العرب محطّة لتجولهم وعروضهم ومحاضراتهم، كما كانت مركزاً للحركة الوطنيّة ونضالها، وقاومت خلال معارك النكبة حتّى آخر رمق قبل أن تحتلّها المجموعات المسلّحة الصهيونية، الّتي كانت متفوّقة بالعدد والعتاد، ليتم تهويد المدينة عمرانيّاً وسياحيّاً وتجاريّاً، وتتحكّم إسرائيل بتفاصيل حياة الفلسطينيّين فيها من خلال الهيمنة على المؤسّسات والمدارس وكل أنشطة الحياة.

واجه أهالي يافا الفلسطينيّون ولا يزالون يواجهون الواقع المفروض عليهم، والّذي يسعى إلى تشويه هويّتهم، وإغراقهم بالهموم اليوميّة، وإعاقة ارتباطهم بالقضايا الجماعيّة الّتي تخصّ شعبهم، وخصوصاً الشباب الّذين يرفض كثيرٌ منهم "السباحة مع التيّار"، ويقاومون من خلال مؤسّسات ناشطة في المدينة، مثل "مسرح السرايا العربي" في يافا القديمة، و"حركة الشبيبة اليافيّة"، وعدد منهم أصبحوا أعضاء في الهيئات الإداريّة لتلك المؤسسات إلى جانب الأعضاء والناشطين الكبار الّذين سلكوا ذات الطريق قبلهم بسنوات.
تأسّس "مسرح السرايا العربيّ" عام 1998، بمبادرة من فنّانين فلسطينيّين من يافا وخارجها، وحينها لم يكن يملك مقراً، وكان الممثّلون يتنقّلون من بيت إلى بيت، وبعد أن ثبّت مكانه في الساحة الفنّيّة، بادر المسرح خلال السنوات الأخيرة إلى إدخال صبغة ثقافيّة جديدة، تشمل العمل المسرحيّ المتنوّع، ليتزايد الإقبال على الأمسيات الفنّيّة والموسيقيّة الّتي ينظمها، وعلى المسرحيّات المتعدّدة التي تعرض خلال أيّام السنة، والموجهة إلى جميع الشرائح العمريّة، فضلاً عن تنظيم أمسيات شعريّة، وحفلات توقيع كتب لشعراء وكتّاب فلسطينيّين من يافا وخارجها، واستضافة المصوّرين والرسّامين والعازفين والمطربين الفلسطينيين.
ويواجه المسرح وغيره من المؤسسات الفلسطينية تحدّيات عدة يفرضها الاحتلال الإسرائيليّ الذي يرسخ يهوديّة الدولة، ومفهوم الاستعلاء الصهيونيّ في جميع مجالات الحياة، إذ يخضع الفلسطينيّون للرقابة على الإنتاج المسرحي المناهض للصهيونيّة، وتتم ملاحقة المؤسّسات التّي تعمد إلى ذلك، فضلاً عن الدعم الماليّ المحدود، مقارنةً بالمسارح العبريّة.


وقالت المديرة الشريكة للهيئة الإداريّة لمسرح السرايا العربي، فاطمة حليوى: "الثقافة من أساسيات الوجود، وشعب بعيد عن الثقافة هو شعب ضعيف. رؤية مسرحنا أن نكون مركزاً للثقافة، فمدينة يافا كانت تستقطب قبل النكبة جميع الفنّانين الفلسطينيين والعرب، ومسرح السرايا هو المنصة التي نستطيع من خلالها أن نعبّر عن مشاكلنا وآرائنا وطموحاتنا وفنوننا وثقافتنا وتاريخنا، ونشدد على استمراريّة العمل المسرحي بالتوازي مع الأعمال الثقافيّة الفلسطينيّة التي تشمل الموسيقى والرسم والشعر وغيرها".

أما "حركة الشبيبة اليافية"، فتأسست في إبريل/ نيسان 2010، بمبادرة من شباب وصبايا، بهدف بناء حركة وطنيّة غير حزبيّة، وغير طائفيّة، تحمل أملاً جديداً للأجيال الّتي تطمح إلى إصلاح الوضع العامّ في المدينة المنكوبة، وبعد بضعة أشهر أصبح عدد أعضائها يقارب الخمسين، إذ استقطبت الطلّاب الجامعيّين، وتتبلور أهداف الحركة في تعزيز الهويّة العربيّة الفلسطينيّة، وتعزيز اللغة العربيّة في مواجهة حيّز مختلط تسيطر عليه اللغة العبريّة، وتنمية روح التطوّع في بلد بحاجة ماسّة إلى مشاريع عدّة، والعمل على تطبيق المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع العربي، والعمل على التوجيه المهنيّ والدراسيّ.
وعملت الحركة لسنوات على تطبيق هذه الأهداف، واستطاعت أن تحقّق أغلبها، وبادر نشطاء الحركة قبل سنة إلى مشروع "البودكاست"، والذي نال نجاحاً غير متوقّع، إذ نُظِّمَت برامج متعدّدة تتحدّث عن مواضيع مختلفة، وحظي بأعداد كبيرة من المتابعين، وأصبح بودكاست حركة الشبيبة اليافيّة منتشراً في مواقع التواصل المختلفة.

المساهمون