فوجئ سكان قرى جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد بقرار قائد الجيش المصري في المدينة حظر تشغيل معامل الطوب التي باشرت عملها قبل أيام لتوفير مواد بناء المنازل للمواطنين العائدين، بعد تهجير دام سنوات، وكذلك لبناء صفوف مدرسية لطلاب المنطقة، فطالبوا بعقد اجتماع بين شيوخ القبائل وقادة المجموعات العسكرية التي تحارب إلى جانب الجيش المصري، بغية المساعدة في عودتهم إلى قراهم المهجرة، وإعمارها من جديد، وهو ما يبدو أنه حلم صعب المنال، في ظل تحكم الجيش المصري بكل حركة في شمال سيناء المصنّفة بأنها منطقة عسكرية مغلقة.
يخبر أحد سكان جنوب رفح "العربي الجديد"، أنه قرر البدء في بناء منزل جديد بعدما هدم الجيش المصري منزله السابق خلال إحدى حملاته العسكرية ضد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، لكنه صدم بقرار الجيش منع مصانع الطوب من تسليم مواد بناء للمواطنين من أجل إعمار منازلهم المهدمة أو ترميمها، وذلك من دون مبرر. وأشار إلى عدم وجود قرار بإعادة إعمار المناطق المهدمة والمهجرة، رغم أن الجيش يسهل رجوع المواطنين إلى قراهم، ما يشير إلى تناقض واضح يصعّب بدء العائدين في بناء منازل بمواصفات متواضعة، أو غرف صغيرة تؤوي عائلاتهم خلال فصل الشتاء الذي بات على الأبواب.
ويوضح المواطن أن أحد مالكي معمل الطوب أبلغه بعدم قدرته على توفير ما طلبه منه، وهو حال عشرات من المواطنين الذين قرروا بناء منازل في أراضيهم لتعويض تلك التي هدمتها آلة الحرب. ويشير إلى أنه ينتظر توضيحات من المسؤولين عن المجموعات القبلية التي تعمل مع الجيش المصري، والتي تحظى بدعم كل أبناء القبائل، وتنفيذ الوعود التي قدمت بإعادة الأهالي ودعم مشاريع التعمير في قراهم التي خرجوا منها قبل سنوات، وكذلك مواصلة أعمال مد خطوط الكهرباء والمياه إلى مناطق جنوبي رفح والشيخ زويد، في وقت تزداد المخاوف من توقفها في حال لم ترغب قوات الجيش بإعادة الحياة إلى المناطق التي شهدت التهجير.
وحاول الأهالي فور عودتهم إلى قراهم توفير مساكن بدائية، لكن اقتراب فصل الشتاء وبرودة الأجواء ليلاً دفعاهم إلى التفكير في بناء منازل جديدة باستخدام أموالهم الخاصة، في وقت تجاهلت الحكومة صرف تعويضات لهم عن هدم الجيش نفسه هذه المنازل، قبل أن يقرر منع مصانع الطوب من خدمة طلبات المواطنين، ما سيجعلهم يبقون في العراء مع عائلاتهم خلال فصل الشتاء، أو يجبرهم على العودة إلى منازل المهْجر مرة أخرى، ما يزيد معاناتهم، ويفقدهم بالتالي الأمل بتنفيذ عودة حقيقية إلى قراهم وديارهم.
ويقول أحد العاملين في مجلس بلدية مدينة رفح لـ"العربي الجديد": "تريد قيادة الجيش المصري، بصفتها صاحبة القرار الأول والأخير بالموافقة على أي نشاط على أرض سيناء، تجنب العشوائية في إعادة إعمار شمالي سيناء، وتنتظر تحديداً التوجيهات الحكومية التي ستصدرها وزارة الدفاع لتحديد المساحة الجغرافية المسموح بالبناء فيها، بالنظر إلى بعدها عن الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948، وكذلك الحدود مع قطاع غزة، والمساحة التي تفصل بين منطقة البناء والطريق الدولي، وكذلك الطريق الجديد الذي جرى تشييده خلال الأشهر الماضية. ويعني ذلك أن القرار الصادر عن قائد الجيش المصري في مدينة رفح لم يكن ارتجالياً، وطبّق تعليمات أصدرتها وزارة الدفاع".
يضيف: "لا يقبل الوضع في شمال سيناء أي اجتهاد من المواطنين أو المؤسسات الحكومية العادية، ويتطلب مرجعية الجيش المصري أولاً وأخيراً، بصفته المسؤول الأول عن الوضع في المحافظة، علماً أنه من المعروف أن سكان رفح والشيخ زويد يرفضون هذه السياسة، وتمّ استبعادهم عن صنع القرار بعدما كانوا شاركوا في طرد تنظيم داعش الإرهابي من جنوبي مدينتي رفح والشيخ زويد خلال فترة قصيرة". ويدعو المواطنين إلى تفهم القرار العسكري الذي يؤكد أنه "سيصب في نهاية المطاف في صالحهم باعتبار أن الدولة تحرص على إعادتهم إلى قراهم من أجل تعمير الأرض والإنسان، ومعالجة آثار الحرب على الإرهاب المستمرة منذ عام 2013".
يشار إلى أن قوات الجيش المصري والمجموعات القبلية المساندة له في محافظة شمال سيناء طالبت المواطنين وشجعتهم على العودة إلى قراهم التي هجروا منها قبل سنوات، بعدما تحسن الوضع الأمني في مدن رفح والشيخ زويد والعريش، إثر طرد تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم داعش الإرهابي منها، في أكبر حملة عسكرية مشتركة بين الجيش والمجموعات القبلية، وأثمرت عن إعلان مناطق جنوب رفح والشيخ زويد خالية من الإرهاب بعد سنوات من تمركز تنظيم داعش الإرهابي فيها بعد تهجير سكانها على يد الجيش.