تتكرر حوادث الغرق في المساحات المائية والأنهر في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في محافظتي إدلب وحلب، شماليّ وشمال غربيّ سورية، وتتعدد أسباب ذلك في ظل تجاهل ممارسي السباحة في هذه المساحات إجراءات السلامة، ومعاييرها، استناداً إلى طبيعة الواحات والظروف المرتبطة بطرق عبور المياه والتيارات التي تتحرك فيها.
يعزو المسؤول الإعلامي في الدفاع المدني، أحمد الشيخو، في حديثه لـ"العربي الجديد" حوادث الغرق إلى تعمّد السباحة في مساحات مائية غير مناسبة، مثل البحيرات وواحات المياه ذات الأراضي الطينية التي تنعدم فيها الرؤية، وأخرى ذات منحدرات عميقة أو مياه جارية يحتويها نهرا الفرات والعاصي. ويوضح أنّ فرق الدفاع المدني لبّت 51 نداء استغاثة لحالات غرق في مناطق شمال غرب سورية، إذ انتشلت جثامين 34 شخصاً، وأنقذت 17.
ويحدد الشيخو أماكن عمليات الدفاع المدني في ريف اللاذقية وغرب إدلب ومناطق في حلب، معتبراً أنّ "وسائل الحدّ من الحوادث تشمل تجنب السباحة في الواحات الخطرة، مع ضرورة إبعاد السلطات المحلية السباحين عن هذه الأماكن. ويجب أيضاً توجيه نداء سريع لعناصر الدفاع المدني السوري المختصة، لأنّهم الأكثر قدرة على تنفيذ عمليات الإنقاذ وإنجاحها استناداً إلى تدريباتهم وخبراتهم". ويوصي الشيخو بضرورة الاكتفاء بالسباحة في المساحات الآمنة، مثل المسابح والمياه العذبة، واتخاذ إجراءات وقائية من الغرق، مثل ارتداء سترات نجاة واستخدام الطوافات المائية، وعدم السباحة في حال افتقاد الخبرة أو في غياب الأشخاص الذين يتمتعون بها.
ويؤكد أنّ فرق الدفاع المدني تحاول عبر حملات التوعية التي تنفذها باستخدام وسائل مختلفة، بينها منصات التواصل، الوصول إلى جميع المدنيين وتوعيتهم على مخاطر السباحة في بعض الواحات المائية. وتضع ملصقات ولوحات تعريف بالمواقع الخطرة على السباحة.
في نهاية يوليو/ تموز الماضي، توفي الشاب يوسف الحميد (27 عاماً) حين كان يسبح في بحيرة ميدانكي بريف حلب الشمالي، التي يصنفها جهاز الدفاع المدني بأنّها "غير صالحة للسباحة بسبب قاعها الطيني وانحدارها الشديد، ووجود حفر عميقة محاذية للشاطئ في قعرها". ويحذر أيضاً من "البرودة الشديدة في مياه البحيرة التي تسبب تشنج العضلات، ومن ركوب القوارب الحديدية الموجودة في البحيرة، لأنّها خطيرة جداً وغير آمنة، ولا سيما أنّ معظم من يفعل ذلك هم من الأطفال"، مشدداً على ضرورة التأكد من توافر وسائل الأمان والسلامة عند ركوب القوارب الخشبية (حبال وإطارات).
بلال السليمان (27 عاماً)، المهجّر من ريف حمص الشمالي، والمقيم في مخيم البركة بريف إدلب الشمالي، يقول لـ "العربي الجديد": "أتردد بين فترة وأخرى إلى منطقة عفرين في ريف حلب، وأستغل الوقت للذهاب إلى بحيرة ميدانكي التي أسبح فيها، لكن مع توخي الحذر الشديد دائماً، إذ أبقى ضمن دائرة آمنة خلال السباحة، وأقضي معظم وقتي في الجلوس عند شاطئها، لأنني سمعت قصصاً كثيرة عن غرق شبان خلال محاولة السباحة من طرف إلى آخر ضمن مسافة تتجاوز نصف كيلومتر. وهذا أمر خطير للغاية يحتاج إلى سباحين في غاية الاحتراف".
وفي مايو/ أيار الماضي، غرق الطفل عمر حمادة البالغ 13 عاماً، مع شقيقه ديبو (19 عاماً)، وهما من أبناء مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، وذلك خلال ممارستهما السباحة في بحيرة ميدانكي، حيث تدخل ديبو لمحاولة إنقاذ شقيقه الأصغر من الغرق.
ووثّق جهاز الدفاع المدني عام 2020 غرق أكثر من 45 شخصاً في شمال غرب سورية، بينهم 15 خلال يونيو/ حزيران، فيما أنقذت فرقه 47 شخصاً. وقال الجهاز حينها إنّ "أبرز أسباب الغرق هي السباحة في أماكن محظورة، والمجازفة والمغامرة خلال السباحة، وخصوصاً في الأنهر، والأماكن التي تنمو أعشاب في قعرها.
ووفق منظمة الصحة العالمية، يمثّل الغرق ثالث أهمّ أسباب الوفيات الناجمة عن الإصابات غير المتعمّدة في أنحاء العالم، بنسبة 7 في المائة من مجموعها. وتعرّف المنظمة الغرق بأنّه "حالة من تعطّل التنفس جرّاء التعرض لحالة غمر بسوائل".
ووفقاً للأمم المتحدة، هناك طرق مختلفة للوقاية من الغرق، منها تركيب حواجز للتحكم بالوصول إلى المياه، وإتاحة أماكن مأمونة بعيدة عن المياه مثل دور حضانة للأطفال في سن ما قبل دخول المدرسة، وتعليم السباحة والسلامة المائية ومهارات الإنقاذ الآمنة، وتدريب المارة على مهارات الإنقاذ والإنعاش، إضافة إلى وضع لوائح خاصة بالقوارب والشحن والعبارات، مع الاهتمام بتحسين إدارة مخاطر الفيضانات.