لم يعد الرقم في لبنان معرّضاً للتزوير والإخفاء فقط، وإنما أصبح الدخول إلى المواقع الرسمية لمعرفة حقيقة رقم ما، كمن يدخل إلى مستشفى المجانين. هنا، لا يمكن أن يكون الكاتب أميناً في نقل الحقيقة، إلا حين يذكر قبل كل رقم عبارة "نحو" أو "حوالي"، فكل الإحصاءات تقريباً هي عبارة عن "تقديرات" لا أكثر.
ما هو حجم الدين العام الفعلي في لبنان؟ أهو 69 مليار دولار كما تقول الأرقام الرسمية؟ أم هو 102 مليار دولار كما يؤكد الخبير الاقتصادي توفيق كسبار؟ أم هو 100 مليار دولار كما يقول رئيس مجلس النواب اللبناني السابق حسين الحسيني؟ فعلياً، لا يمكن احتساب الرقم الدقيق، فالإحصاءات الرسمية تُسقط من المعادلة الرياضية في احتساب الدين الكثير من البنود، خصوصاً ديون الدولة المستحقة للمؤسسات العامة وغير العامة.
طيب، هل من أحد يستطيع تحديد حجم نمو الناتج المحلي في لبنان؟ عبث! فالرقم دائماً يأتي تقديرياً، لا بل إن التوقعات تختلف بين جهة حكومية وأخرى، وبين وزير وآخر، فهناك من يشير إلى أن نسبة النمو هذا العام 0.5%، وهناك من يؤكد أنها صفر في المئة، في حين تقول الأرقام الرسمية إنها ستصل إلى 2.3%.
ينسحب الواقع ذاته على نسب التضخم، وعلى حجم الاستثمارات العربية والأجنبية والمحلية في لبنان، وكذلك على عدد المهاجرين من لبنان الذي تقدّره دراسات بنصف مليون لبناني، ليصل في دراسات أخرى إلى 11 مليوناً. وكذا بالنسبة إلى نسبة الفقر والبطالة وحجم الإنفاق الفعلي من خارج الموازنة التي لم تقر منذ 10 سنوات...
أما الأكثر إثارة للتعاسة فهو عدد سكان لبنان، الذي لا يمكن لأحد أن يعرفه، بعدما نشر آخر تعداد سكاني في العام 1932، فجاءت الدراسات الدولية لتحدده منذ العام 2013 بـ4.2 ملايين نسمة، من دون الاستناد إلى أي مسح فعلي، والسبب: عدم إثارة حساسيات مذهبية، عبر إعلان حجم كل مذهب ديني في لبنان.
اقرأ أيضاً:"مغارة علي بابا" المصرية تخفي الحقائق عن الناس
هذه الفوضى الإحصائية مردّها، بطبيعة الحال، الفساد الضارب في عمق مؤسسات الدولة اللبنانية، حيث لم تجرؤ حكومة واحدة على وضع حد للانفلات الحاصل في عملية إصدار الرقم الرسمي. لا بل تستفيد السلطات المتعاقبة من هذه الفوضى كذلك، لتجيّرها إلى مادة يُستفاد منها في منظومة الصفقات، لتجد في الأروقة الرسمية دراسات تُنفق عليها ملايين الدولارات لإصدار أرقام غير مبنية على أسس إحصائية علمية، وإنما قائمة على أوهام خالصة.
ومن جهة أخرى، تتلطى الزعامات السياسية خلف القوانين السارية لتخفي صفقاتها وفسادها. إذ يصعب على أي باحث لبناني أن يعرف حجم ثروات السياسيين، بحجة السرية المصرفية. وتنتفض أركان السلطة في كل مرة يطرح مشروع الكسب غير المشروع، أو حين المطالبة بتوجيه سؤال: "من أين لك هذا؟". وفي حين يقتنص الباحثون والمواطنون التقارير الدولية التي ترصد ثروات أثرى أثرياء العالم، تختفي عن هذه اللوائح شخصيات سياسية معروفة بالغنى الفاحش من دون تحديد حجم الثروة الفعلي.
فعلياً، ومن خلال تقصّد حجب المعلومات، تتكشّف ملامح السلطة الفاسدة التي تسيطر على هذا البلد. سلطة تهاب الرقم الذي يفضح الخراب الذي أحلّته على المجتمع، ويصيبها الرعب من نشر وقائع قد تكون سبب سقوطها.
طيب، هل من أحد يستطيع تحديد حجم نمو الناتج المحلي في لبنان؟ عبث! فالرقم دائماً يأتي تقديرياً، لا بل إن التوقعات تختلف بين جهة حكومية وأخرى، وبين وزير وآخر، فهناك من يشير إلى أن نسبة النمو هذا العام 0.5%، وهناك من يؤكد أنها صفر في المئة، في حين تقول الأرقام الرسمية إنها ستصل إلى 2.3%.
ينسحب الواقع ذاته على نسب التضخم، وعلى حجم الاستثمارات العربية والأجنبية والمحلية في لبنان، وكذلك على عدد المهاجرين من لبنان الذي تقدّره دراسات بنصف مليون لبناني، ليصل في دراسات أخرى إلى 11 مليوناً. وكذا بالنسبة إلى نسبة الفقر والبطالة وحجم الإنفاق الفعلي من خارج الموازنة التي لم تقر منذ 10 سنوات...
أما الأكثر إثارة للتعاسة فهو عدد سكان لبنان، الذي لا يمكن لأحد أن يعرفه، بعدما نشر آخر تعداد سكاني في العام 1932، فجاءت الدراسات الدولية لتحدده منذ العام 2013 بـ4.2 ملايين نسمة، من دون الاستناد إلى أي مسح فعلي، والسبب: عدم إثارة حساسيات مذهبية، عبر إعلان حجم كل مذهب ديني في لبنان.
اقرأ أيضاً:"مغارة علي بابا" المصرية تخفي الحقائق عن الناس
هذه الفوضى الإحصائية مردّها، بطبيعة الحال، الفساد الضارب في عمق مؤسسات الدولة اللبنانية، حيث لم تجرؤ حكومة واحدة على وضع حد للانفلات الحاصل في عملية إصدار الرقم الرسمي. لا بل تستفيد السلطات المتعاقبة من هذه الفوضى كذلك، لتجيّرها إلى مادة يُستفاد منها في منظومة الصفقات، لتجد في الأروقة الرسمية دراسات تُنفق عليها ملايين الدولارات لإصدار أرقام غير مبنية على أسس إحصائية علمية، وإنما قائمة على أوهام خالصة.
ومن جهة أخرى، تتلطى الزعامات السياسية خلف القوانين السارية لتخفي صفقاتها وفسادها. إذ يصعب على أي باحث لبناني أن يعرف حجم ثروات السياسيين، بحجة السرية المصرفية. وتنتفض أركان السلطة في كل مرة يطرح مشروع الكسب غير المشروع، أو حين المطالبة بتوجيه سؤال: "من أين لك هذا؟". وفي حين يقتنص الباحثون والمواطنون التقارير الدولية التي ترصد ثروات أثرى أثرياء العالم، تختفي عن هذه اللوائح شخصيات سياسية معروفة بالغنى الفاحش من دون تحديد حجم الثروة الفعلي.
فعلياً، ومن خلال تقصّد حجب المعلومات، تتكشّف ملامح السلطة الفاسدة التي تسيطر على هذا البلد. سلطة تهاب الرقم الذي يفضح الخراب الذي أحلّته على المجتمع، ويصيبها الرعب من نشر وقائع قد تكون سبب سقوطها.