في حين ما زال السوريون الذين يستفيدون من الحماية المؤقتة في تركيا يعانون من خطاب الكراهية الذي يستهدفهم والتمييز الممارس في حقّهم، فإنّ هؤلاء الحائزين على الجنسية الاستثنائية يخشون اليوم من سحبها منهم بالتزامن مع إزالة عدد من ملفات التجنيس.
يعيش سوريون كثر سبق أن حصلوا على الجنسية التركية قلقاً بعد توعّد أحزاب تركية معارضة بإعادة النظر بملفاتهم السابقة واحتمال سحب الجنسية منهم، في حال وصلت المعارضة إلى السلطة في انتخابات العام المقبل. وهذا ما هدّد به بالفعل رئيس حزب "النصر" المعارض في تركيا أوميت أوزداغ مراراً. ولا يُحصَر القلق باللاجئين الحاصلين على الجنسية الاستثنائية الذين شدّد أوزداغ على بطلان منحهم الجنسية "قانونياً" لأنّهم تحت بند الحماية المؤقتة، بل طاولت المخاوف المستثمرين السوريين الذين حصلوا على الجنسية من جرّاء إيداع مبالغ مالية في المصارف أو من خلال شراء عقارات، خصوصاً بعد مطالبة نقابة المحامين في إسطنبول أخيراً المحكمة الإدارية العليا بوقف العمل بقرار منح الجنسية التركية في مقابل الاستثمار المالي في العقارات أو الحسابات المصرفية. وبرّرت النقابة دعواها بأنّ "مفهوم المواطنة الذي يُعبّر عن الروابط القانونية والسياسية، يجب ألا يُجرّد من جوهره ويصير في مقابل المال"، متحدّثة عن عدم توفّر "تنظيم أو شروط محددة تتعلق بمنح الجنسية في مقابل الاستثمار المالي، بخلاف بقية اللوائح والشروط المتعلقة بالحصول على الجنسية التركية".
ولا يخفي السوري التركي عدنان حسن المقيم في القسم الآسيوي من إسطنبول، قلقه المستمرّ من جرّاء "ارتفاع نبرة المعارضة وتركيزها على سحب الجنسية الاستثنائية من السوريين، بعد لجوئها إلى الكراهية والتمييز وكل ذلك بهدف كسب الشارع في الانتخابات. وما قاله أكثر من مسؤول في المعارضة بات يثير الشكّ لدينا، على الرغم من كلّ التطمينات وسؤالنا أكثر من محام ومصدر قانوني".
وتتزايد مخاوف حسن لأنّ حياته كلها بحسب ما يقول "برمجتها وفق الحالة الجديدة، سواء أكان العمل أم تعليم الأولاد. نحن لم نسعَ إلى الهجرة إلى أوروبا، وحلمنا بالجنسية (التركية) وأخذتها أنا وأسرتي"، سائلاً "بعد ست سنوات من إقامتي في إسطنبول وحصولي على إذن العمل، ما الذي قد يحدث في حال سحب الجنسية؟". يضيف حسن: "أعلم أنّها مجرّد تهديدات، لكنّ ثمّة من يقول لنا إنّه في إمكان المعارضة أن تسحب الجنسية منّا بذرائع كثيرة في حال كانت الغلبة لها في البرلمان واستلمت رئاسة الدولة. فلنفترض أنّهم اتّهمونا بالتعامل مع دولة خارجية أو بصلة بمنظمة محظورة، من يشفع لنا؟ وكيف ندافع عن أنفسنا ونثبت العكس؟ القلم سوف يكون بيدهم والسلطة معهم. لا ننكر أنّ تركيا دولة قانون، لكنّ القانون يصوغه أو يفسّره من يمسك بالسلطة من أجل تحقيق مصالحه". ويتابع حسن أنّ "كل هذا يأتي إلى جانب ما تردّده المعارضة بأنّ للبرلمان الحقّ في سحب الجنسية من اللاجئين إذ هي غير قانونية، وإن كان التصويت بالأغلبية يعني أنّه في الإمكان تجريدنا من الجنسية التركية".
ويسأل حسن: "إلى أين يمكننا الذهاب؟ في حال سُحبت منّا الجنسية بالفعل، لنفرض ذلك من قبيل الحرص والاستعداد للأسوأ، هل في إمكانهم إلزامنا بالعودة إلى مناطق سيطرة النظام؟"، لافتاً إلى أنّ "لأحزاب المعارضة جميعها علاقة، بشكل أو بآخر، بالنظام السوري، وتتوعّد بإعادة اللاجئين وباستعادة العلاقات بين الطرفَين". بالنسبة إليه "الأمر مخيف فعلاً، وإن كانت أجوبة القانونيين (حول هذه المسألة) تدحض وعيد المعارضة"، ويشير إلى "سحب ملفات آلاف السوريين وهم في المراحل الأخيرة الخاصة بآلية الحصول على الجنسية، وذلك على الرغم من عدم توفّر أسباب تستدعي ذلك بحسب ما أفاد عدد من الذين تعرّضوا لذلك".
سحب الجنسية
ووسط الأخذ والردّ المتعلّق بملف التجنيس، نفى مساعد وزير الداخلية والمتحدث باسم الوزارة إسماعيل تشاتاكالي الأخبار المتداولة حول تعليق الملفات الخاصة بـ15 ألف أجنبي، وأوضح في تصريحات أنّ "إلغاء طلبات التجنيس يأتي بشكل فردي، ولا إلغاء جماعياً". في المقابل قال نائب مدير الاندماج والتواصل في مديرية دائرة الهجرة التركية جوكشة أوك في حديث صحافي إنّ ملفات نحو 15 ألف أجنبي أُزيلت من طلبات التجنيس، لكنّ تلك الملفات المزالة لا تعود كلها إلى سوريين، "على الرغم من أنّهم يحلّون في المرتبة الأولى". أضاف أوك أنّ في ولاية غازي عينتاب فقط، أُزيلت ملفات ألف و400 شخص، والطلبات المتبقية الأخرى هي في ولايات إسطنبول وأنقرة وإزمير وهاتاي وكلّس وشانلي أورفة وأضنة ومرسين.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس تجمع المحامين في تركيا غزوان قرنفل لـ"العربي الجديد" إنّ "منح الجنسية لغير مواطني الدولة هو حقّ سيادي ووجه من أوجه سيادة الدولة. كذلك فإنّ الدولة هي التي تختار بعض الناس، فتدعوهم إلى تقديم أوراقهم ووثائق ثبوتية محدّدة، وبعد ذلك إمّا تمنح الجنسية وإمّا لا، فهي غير ملزمة بالأمر، وثمّة دراسات وتقييم وأسباب كثيرة تحكم ذلك".
وعن هواجس السوريين المتعلقة بسحب جنسيتهم التركية في حال تسلّمت المعارضة السلطة، يؤكد قرنفل ما قاله تشاتاكالي حول أنّ "عملية سحب الجنسية هي عملية فردية وليست جماعية، ومن غير الممكن القول إنّ الجنسية أسقطت عن كلّ السوريين لمجرّد أنّهم سوريون. فهذا الإجراء غير دستوري ولا يمكن لأيّ حزب يحكم أن يقوم به". لكنّ قرنفل يشير إلى "أسباب قانونية تتيح للسلطة التركية إسقاط الجنسية سواء عن السوري الحاصل على الجنسية التركية أو حتى عن المواطن التركي بالمولد. ومن حاز على الجنسية، سواء أكان سورياً أم فرنسياً أم أفغانياً بالمولد، فإنّ القانون يحميه بمجرّد أنّه بات مواطناً تركياً". وعن تلك الأسباب، يقول قرنفل إنّها "تتلخص بالعمل لدولة أجنبية أو لمصلحة استخباراتها ويؤدّي خدمة تتناقض مع مصلحة الدولة التركية، أو العمل وخدمة دولة هي في حالة حرب مع تركيا، أو حتى أداء الخدمة العسكرية بشكل طوعي في دولة أجنبية من دون الحصول على إذن من الحكومة التركية. كذلك يُصار إلى سحب الجنسية في حالة اغتيال رئيس الجمهورية".
وعند سؤاله عن الجنسية الاستثنائية وعن النصوص القانونية الخاصة بها المتعلقة بالإسقاط أو السحب، يجيب قرنفل أنّ "ثمّة سببَين يخصّان الحاصلين على الجنسية الاستثنائية؛ الأوّل أن يكون قد حصل على الجنسية الاستثنائية بموجب وثائق مزوّرة، والثاني أن يكون عضواً في جماعة مصنّفة عند الدولة التركية كجماعة إرهابية، وعدا ذلك لا سبب أو نصّا يمكّن تركيا من سحب الجنسية من السوريين". ويشدّد قرنفل على أنّه "لا داعي للقلق من قبل الحاصلين على الجنسية التركية بطريقة استثنائية، إذ إنّهم حاصلون على المواطنة وفي إمكانهم ممارسة مواطنتهم بشكل كامل وغير منقوص أو مشروط".
في المقابل، يقول مدير الهجرة ومركز الدعم المعنوي في نيزب بريف غازي عنتاب التركية جلال ديمير لـ"العربي الجديد" إنّ "مخاوف السوريين الحاصلين على الجنسية مبرّرة ومشروعة، علما أنّ سحب الجنسية منهم أمر مستحيل مهما كان شكل الحكم أو من يحكم. فهم مواطنون أتراك بعد قرار سيادي من الدولة التركية، وفي حال سحب الجنسية عن أيّ منهم أو عن أيّ تركي آخر، فإنّ ذلك يأتي مرتكزاً على مخالفة الدستور أو تهديد أمن تركيا أو نصوص أخرى متعلقة بالخيانة وما شابه".
أرقام ومبالغات
ويحكي ديمير عن "فارق ما بين سحب الجنسية والتخلي عنها، إذ يسمح قانون المواطنة التركي رقم 5901 بالتخلي عن الجنسية التركية من أجل الحصول على جنسية دولة أخرى بناءً على طلب المواطن وبموافقة وزارة الداخلية. لكنّ ذلك يشترط أن يكون الشخص راشداً وقادراً على التمييز، وثمّة مؤشّرات موثوقة حول حصوله على جنسية دولة أخرى، وألا يكون مطلوباً بسبب أيّ جريمة أو خدمة عسكرية، وألا تكون عليه أيّ قيود مالية أو جزائية".
وفي ما يتعلق بأعداد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية ووزنهم في صناديق الانتخابات، بعد التصريحات الأخيرة لرئيس حزب "النصر" أوميت أوزداغ التي قال فيها إنّ ما بين 180 و200 شخص يحصلون يومياً على الجنسية التركية في كلّ أنحاء البلاد، يوضح ديمير أنّه "وفقاً لاحصاءات وزارة الداخلية وليس تقديراً، فإنّ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية بعد استيفائهم المعايير المطلوبة بلغ 200 ألف و950 شخصاً، من بينهم 113 ألفاً و654 بالغاً، 60 ألفاً و930 من الذكور و52 ألفاً و724 من الإناث، فيما وصل عدد الأطفال إلى 87 ألفاً و296. يُضاف إلى ذلك نحو 26 ألف مستثمر أجنبي، ليس من السوريين فقط، حصلوا كذلك على الجنسية، بعد شراء عقارات أو المساهمة في استثمارات أو إيداع مبالغ مالية بالدولار الأميركي في المصارف التركية شريطة ألا تُسحَب إلا بعد ثلاث سنوات".
ويستهجن ديمير "النكات التي سمعناها بخصوص منح الجنسية للسوريين، أن الحكومة تمنح الجنسية بشكل سري أو من خلال حافلات متنقلة لكسب الوقت والأصوات قبل الانتخابات. فتصوروا إلى أين وصلت الأكاذيب والهواجس".
جدال مستمر
وكانت المديرية العامة لشؤون النفوس والمواطنة التركية قد نفت الادعاءات المتداولة حول منحها الجنسية التركية للأجانب وفق قوانين ومراسيم سرية، وأوضحت في بيان أخير أنّ النواب يستهدفون المؤسسات والمنشآت الحكومية بشكل مستمر بتوجيه تهم وبيانات كاذبة حول آلية عملها. وتشير المديرية إلى أنّ هذه الاستهدافات تشغل المؤسسات عن عملها وأجندتها المهمة، وتدفعها إلى العمل على محاولة توضيح ما يُتداوَل من أكاذيب وادعاءات.
وجاء في بيان المديرية أنّ "إجراءات الحصول على الجنسية التركية تتمّ وفق قانون منح الجنسية ذي الرقم 5901، الصادر في 29 من أيار/ مايو 2009، بالإضافة إلى اعتماد أحكام تنفيذ القانون والإجراءات الواضحة والصريحة جداً في المراسيم". أضافت المديرية في بيانها أنّ ما يقال عن قوانين سرية تعتمدها في معاملات منح الجنسية للأجانب "كذبة كبيرة"، كذلك فإنّ ما يُقال عن عدم نشر أسماء الذين حصلوا على الجنسية التركية في الجريدة الرسمية "ادّعاءات باطلة" لا تمتّ إلى الواقع بأيّ صلة، مشيرة إلى تطبيقها القانون ذي الصلة الصادر في عام 2009 الذي يعتمد الطريقة نفسها اليوم التي كان يعتمدها حين دخوله حيّز التنفيذ. كذلك فإنّ أرقام المجنّسين المتناقلة بين الأفراد والتي تنشرها بعض الجهات "وهمية"، وكلّ المعاملات والوثائق المتعلقة بالجنسية موجودة في السجلات الرسمية.
وكان أوزداغ قد أدلى ببيان صحافي بالقرب من المديرية العامة لشؤون النفوس والمواطنة، انتقد فيه عدول المديرية عن نشر أسماء الذين حصلوا على الجنسية في الجريدة الرسمية، وادّعى أنّها تخفي العدد الحقيقي لهؤلاء عن الشعب التركي. لكنّ رد وزير الداخلية سليمان صويلو أتى ليشرح أنّ الأجانب الذين حصلوا على الجنسية التركية غير قادرين على التأثير في التركيبة السكانية في تركيا، وأنّ المعلومات المنتشرة حول عدد الحاصلين على الجنسية وطريقة منحها هي معلومات ملفّقة وأكاذيب لا تمتّ إلى الواقع بصلة.