الجفاف يمنع أحد أكبر أنهار المغرب من بلوغ مصبه

15 نوفمبر 2021
يقف المزارعون على ضفة نهر ملوية بالقرب من مدينة السعيدية (فاضل سينا/ فرانس برس)
+ الخط -

جفّت مياه نهر "ملوية"، أحد أكبر أنهار المغرب، إلى حدّ أنه بات عاجزاً عن بلوغ مصبّه في البحر المتوسط "لأول مرة في تاريخه"، وفق الخبير البيئي محمد بنعطا، ما يهدّد الأراضي الزراعية والتنوع البيولوجي في المنطقة.

وتعود أسباب هذه "الظاهرة المأساوية إلى تراجع صبيب النهر بسبب الإفراط في استهلاك مياهه"، كما يوضح الخبير المتقاعد، بينما يلتقط صوراً للمصب القريب من مدينة السعيدية السياحية في شمال شرق المملكة قرب الحدود مع الجزائر.

وقلبت قساوة الجفاف موازين الطبيعة في هذه المنطقة الزراعية، حيث صارت مياه البحر المالحة تغزو مجرى النهر "على مدى 15 كيلومتراً"، ما دفع المزارعين على ضفتيه إلى التخلي عن زراعة أراضيهم بسبب ملوحة المياه وتأثيرها بالتربة.

في إحدى تلك المزارع على الضفة اليسرى للنهر، تبدو ثمار البطيخ صفراء باهتة ومشوّهة الشكل بسيقان جافة "تعافها حتى الخنازير"، كما يقول صاحب مزرعة في المنطقة أحمد حديوي متحسراً.

صرف هذا المزارع (46 عاماً) نحو 33 ألف دولار هذا العام على زراعة حقوله، وعلى مضختي مياه لري البطيخ، "لكن كل شيء تبخر بسبب شحّ السماء، وخصوصاً ملوحة مياه النهر". وتصل الملوحة حتى سبعة غرامات للتر الواحد، بينما يفترض ألا تتعدى ملوحة المياه العذبة 0,5 غرام للتر الواحد.

الصورة
الخبير البيئي بنعطا يتحدث عن تهديد الأراضي الزراعية (فاضل سينا/ فرانس برس)

ويعاني المغرب، الذي تمثل الزراعة واحداً من القطاعات الأساسية في اقتصاده، من توالي مواسم الجفاف في السنوات الأخيرة. ويتوقع أن يستفحل الأمر في أفق عام 2050 بسبب تراجع الأمطار (-11 بالمائة)، وارتفاع درجات الحرارة (+1,3 درجات)، بحسب تقرير لوزارة الزراعة.

ضربة قاضية

كذلك، يئس ابن عم حديوي من جني ثمار الخرشف التي زرعها في حقل مجاور فقدت أعشابه خضرتها، و"لم يذق حلاوة مياه الري منذ شهرين بسبب ندرة المياه، وتجنّب استعمال مياه النهر التي تهلك ملوحتها التربة لسنوات"، كما يقول صاحبه مصطفى.

وتخلى مصطفى عن مهنة التدريس ليعمل في الزراعة، قبل أن يضطر اليوم إلى التخلي عن ثلثي مزرعته البالغة مساحتها 57 هكتاراً بسبب الجفاف.

الصورة
تضرر المزارعون بسبب شحّ المياه والملوحة (فاضل سينا/فرانس برس)

وفضلاً عن قساوة الطبيعة، يوجّه حديوي وجلّ مزارعي المنطقة، الذين تحدثوا لوكالة "فرانس برس"، أصابع الاتهام أيضاً إلى "سوء تدبير" مياه النهر، والإفراط في استغلالها من خلال محطتين للضخ وثلاثة سدود في المنطقة.

ورغم أن محطة الضخ الثانية لم يبدأ العمل بها إلا قبل ستة أشهر، يقول حديوي: "إنها كانت بمثابة الضربة القاضية بالنسبة إلى مزارعي حوض ملوية السفلى".

وتعطى الأولوية في الاستفادة من مياه الري لمزارع الأشجار المثمرة البعيدة عن مصب النهر، ما يمثل في نظر المزارع عبد الرحيم زخنيني (61 عاماً) "قسمة غير متكافئة"، وقد اضطر هو الآخر إلى التوقف عن زراعة ضيعته العائلية الممتدة على 200 هكتار.

لكن المدير الجهوي لوزارة الزراعة، محمد بوسفو، يوضح أن إعطاء الأولوية لسقي الأشجار "راجع إلى أننا نعيش ظروفاً استثنائية، فإحياء شجرة ميتة أصعب من تعويض حقل خضروات".

الصورة
جفّت مياه نهر ملوية لأول مرة في تاريخه (فاضل سينا/ فرانس برس)

ويضيف مشدداً على أن السبب الرئيسي لندرة مياه النهر هو الجفاف والملوحة، "أما محطتا ضخ المياه، فليس لهما تأثير كبير في صبيبه، وقد أجريت دراسات قبل إنشائهما لتفادي أي اختلال في توازن النهر".

من سيئ إلى أسوأ 

وتشير توقعات وزارة الزراعة إلى أن الجفاف سيؤدي إلى تراجع مخزون مياه الري في أفق عام 2050، "إلى مستوى قد يصل حتى 25 بالمائة" على الصعيد الوطني.

ويتخوف المزارعون في منطقة ملوية من تأثير هذه التغيرات البيئية بأوضاعهم المعيشية. ويشعر زخنيني بفقدان الأمل في المستقبل، قائلاً: "ما يحزنني أكثر، أن أبنائي سيضطرون إلى العمل بعيداً في مزارع أخرى، رغم أننا نملك أرضنا".

وليس الوضع أفضل حالاً في الضفة اليمنى لنهر ملوية الممتد على نحو 500 كيلومتر انطلاقاً من جبال الأطلس المتوسط. ويقول المزارع سمير شودنا: "نحرث هذه الأرض أباً عن جد، لكن الوضع اليوم يتحول من سيّئ إلى أسوأ".

ويضيف المزارع الشاب: "لا يفكر شباب المنطقة حالياً إلا في الهجرة".

على صعيد آخر، ينبّه الناشط في مجال الدفاع عن البيئة محمد بنعطا إلى كارثة بيئية تهدّد المحمية الطبيعية التي يحتضنها مصب النهر، وهي الأهم في المنطقة الشرقية، محذراً من أن "الحيوانات البرية والنباتات لن تخرج منها سالمة".

(فرانس برس)