الثانوية العامة كابوس سنوي في مصر... هل تستحق المعاناة؟

11 اغسطس 2024
تفاقمت معاناة طلاب الثانوية العامة مع تكرار انقطاع الكهرباء (حازم جودة/فرانس برس)
+ الخط -

رغم خروج مصر من التصنيف العالمي لجودة التعليم طبقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لعام 2023، والذي تصدره كل ثلاث سنوات، إلا أن معظم الأسر المصرية لازالت تنظر إلى شهادة الثانوية العامة باعتبارها مرحلة العبور بأبنائها إلى مستقبل أفضل، كونها تحدد التخصص الجامعي الذي يمكن أن يدرسه الطالب، إضافة إلى حلم الالتحاق بإحدى كليات القمة "الطب والهندسة" الذي يراود الكثير من الأسر والطلبة.
وفي سبيل تحقيق تلك الأحلام، تنفق الأسر الملايين سنوياً على الدروس الخصوصية، في ظل تراجع دور المدرسة، وتغيُّب طلبة الثانوية العامة عن الحضور طوال العام الدراسي، إذ يعتبرون الذهاب إلى المدرسة مضيعة للوقت، إلى جانب العجز القائم في معلمي بعض المواد بسبب توقف تعيين المعلمين، والمناهج التي تعتمد على الحفظ والتلقين.
تصف بهية عزت، التي اجتاز ابنها الثانوية العامة، الأمر بأنه "مهمة في غاية الصعوبة"، إذ تبدأ الأسر عقب انتهاء امتحانات الصف الثاني الثانوي في حجز مكان لدى المدرسين الخصوصيين، وترى أن "التابلت" وسيلة فاشلة في ظل سوء شبكة الإنترنت، كما تشتكي تكرارَ تسريب الامتحانات سنوياً، ووقائع الغش، وكلها أمور تخلف ضغطاً عصبياً كبيراً على الطالب وأسرته.

تنفق الأسر المصرية الملايين سنوياً لتوفير الدروس الخصوصية

تضيف عزت: "نعمل سنوياً على توفير كلفة الدروس الخصوصية منذ كان ابني في المرحلة الإعدادية، لكن الكلفة في الثانوية العامة مضاعفة، ورغم ذلك كله لا يمكن ضمان النتيجة، حتى بعد النجاح لا يمكن الشعور بالتفاؤل حتى ولو التحق ابني بالكلية التي يرغب فيها بسبب النظام الجديد الذي تتبعه العديد من الجامعات المصرية، وهو التعليم بالساعات المعتمدة، أو المصروفات المبالغ فيها للجامعات الأهلية والخاصة. يجري تغيير النظام التعليمي كل سنة تقريباً، ورغم ذلك فإن كل تلك الأنظمة الجديدة فاشلة".
و"الساعات المعتمدة" نظام يعتمد على عدد الساعات في المقررات التي يختارها الطالب، إضافة إلى المقررات الأساسية، ويُسمح فيه للطالب بإعادة الامتحان حال الرسوب مقابل مبالغ إضافية، ويترك النظام لكل جامعة تحديد السعر بنفسها، وبالتالي تختلف أسعار الساعات المعتمدة من جامعة إلى أخرى، لكن نتائج هذا النظام تصب في صالح الطلاب الأغنياء وحدهم، والذين يوليهم الأساتذة اهتماماً خاصاً، في حين يهملون الطلبة الآخرين، من دون التفات إلى العدالة أو تكافؤ للفرص.
ويؤكد المحاسب صلاح سعد أن "المنظومة فاشلة منذ عقود، ومن قبل طارق شوقي، وزير التعليم السابق. نظام التابلت يشكل ضغطاً على الطلاب بسبب ضعف شبكة الإنترنت، واستغلال شركات الاتصالات، والامتحانات جاءت من خارج المنهج المعتمد، وكلها تعتمد على الحفظ من دون فهم أو تجارب عملية، فمعامل غالبية المدارس خارج الخدمة، إن وجدت".

الالتحاق بالكلية المرغوبة ليس متاحا لغالبية الطلاب (محمد حسام/الأناضول)
الالتحاق بالكلية المرغوبة ليس متاحاً لغالبية الطلاب (محمد حسام/الأناضول)

بدورها، تقول  مرفت العقاد: "حسبي الله في الثانوية العامة ومن اخترعها. إنها وسيلة للإصابة بالضغط والشعور بالتوتر. مستوى ابنتي متوسط، وفكرت أن ألحقها بالتعليم التجاري أو الصناعي، لكنني تراجعت، فماذا ستفعل بعد التخرج؟ لا يوجد عمل لأصحاب الدبلومات، والمصانع تغلق الواحد تلو الآخر، وبدخولها الثانوية العامة ثم الجامعة، ربما يحالفها الحظ في وضع وظيفي أفضل، وكل ما أتمناه أن تلتحق بأي كلية".
لعلمها بقدرات ابنها، قررت أميرة عامر أن تلحقه بمدرسة التكنولوجيا بنظام الخمس سنوات بعد المرحلة الإعدادية، والتي تؤهله للالتحاق بإحدى كليات الهندسة بسهولة أكبر، وتقول إنها تقبل طلبة الإعدادية الحاصلين على 90% على الأقل، لكن المناهج وأسلوب الدراسة يناسبان ابنها كثيراً، ويؤهلانه لكلية الهندسة.
أما مدرس العلوم، علي عز الدين، فإنه يصف الثانوية العامة بأنها "صنم يعبده الأهالي"، وأنهم يعرضون أبناءهم لضغوط نفسية كبيرة خلالها، والنتيجة ما نراه خارج اللجان بعد كل امتحان من صراخ ولطم من الطلبة وأسرهم، وهو يرى أن "نظام التابلت فاشل، فهو لا يصلح في دولة تعاني انقطاع الكهرباء وضعف الإنترنت، وأحد أسباب الضغط العصبي المستمر منذ عقود هو نظام (التنسيق) الظالم، والذي أضيفت إليه الجامعات الأهلية التي تستنزف الأسر بلا طائل".

تسريب الامتحانات ووقائع الغش متكررة داخل لجان الثانوية العامة

ويقول الطالب عبدالرحمن عادل: "المنظومة فاشلة لأسباب عدة منها تسريب الامتحانات، والغش داخل اللجان، فالبعض يُسمح لهم بالغش، ما يضيع جهود الآخرين في المذاكرة، وجهود أهلهم الذين يكافحون للوفاء بمتطلبات المعيشة. حاولت قدر طاقتي الاعتماد على نفسي، وتقليل المواد التي احتاج فيها إلى دروس خصوصية، لكني صدمت من افتقاد العدالة، ومن الأسئلة التعجيزية رغم أن التعليمات الرسمية تقول 30% للطالب العادي، 30% للطالب المتوسط، و40% للطالب المتفوق".
يتفق معه الطالب علي فاروق، مؤكداً أن "المنظومة التعليمية سيئة وبلا هدف. لا أحب مواد الأحياء والفلسفة، فلماذا يجب علي دراستهما؟ المحصلة واحدة، خاصة أن أخي خريج هندسة، وهو بلا عمل حالياً، لكن المجتمع لا يعترف إلا بحاملي الشهادات العليا. ينبغي تغيير المنظومة بالكامل، التابلت والمناهج والامتحانات، وأن يدرس الطالب المواد التي تؤهله إلى الكلية التي يرغب فيها".

بدورها، لا تعترض سلمى محمد على المناهج التي تستطيع فهمها بسهولة، لكنها تعترض على أسئلة الامتحانات، وتؤكد أنها عادة تعجيزية، أو من خارج المنهج. تقول: "إذا كان المدرسون يختلفون فيما بينهم بخصوص الإجابة الصحيحة، فماذا نفعل نحن الطلبة؟ وتشرح مثالاً عن حساب الدرجات؛ والتي كانت تحسب حسب الخطوات التي تدل على فهم الطالب وليس الناتج النهائي، أما الآن فلو قام الطالب بغش الناتج النهائي سيحصل على الدرجة كاملة. الدروس الخصوصية أصبحت هدفاً لبعض المدرسين للحصول على المال، ونظام "السنتر" لا يتيح التواصل المباشر مع المدرس نظراً لكثافة أعداد الطلبة، والدرس المنزلي يحتاج ثروة، إضافة إلى أسعار الكتب الخارجية المبالغ فيها".

من جانبه، يرى أستاذ الرياضيات في جامعة قناة السويس، رضا أبو علوان، أن "هناك عدالة في التدريس والتقييم، لكن العيب الأكبر هو عدم وجود مسارات مؤهلة للكليات حسب رغبة الطالب، فهناك ثلاثة مسارات عامة غير متكافئة هي العلوم، والرياضيات، والأدبي، وبالتالي لا توجد مقررات تأهيلية للالتحاق ببرامج جامعية متخصصة، حتى في الكليات العسكرية وكلية الشرطة، لابد أن يجتاز الطالب اختبارات الثانوية العامة ذاتها، ولا توجد مقاييس للتفكير العلمي والابتكاري، أو قياس نواتج تعلم ترتبط بحل المشكلات وقدرات الاستقصاء. أتمنى أن تواكب مناهجنا التطورات الحديثة في العالم، وأن يرتبط المنهج بالتفكير الناقد والابتكاري، فهي مهارات القرن الحادي والعشرين".
يتفهم أبو علوان شكاوى الطلبة من أن الأسئلة تكون أحياناً من خارج المنهج، لكنه يلقي اللوم على طرق التدريس التي تكتفي بالمنهج المعتمد وحده، بالمخالفة لمفهوم المنهج الشامل الذي يمتد إلى قدرات التفكير، وهو أمر يغفله المعلمون، أو لا يتم تدريبهم عليه، وبالتالي يغيب عن الطلاب، ثم يتوقع أولياء الأمور الاختبار بطريقة معينة وفقاً للخبرات المتراكمة، فتفاجئهم أسئلة جديدة، يعتبرونها صعبة لعدم تدرُّب أولادهم عليها، وهذه إحدى مشاكل تعليم "السنتر" الذي يقدم المناهج بأسلوب التلقين والحفظ.

المساهمون