الثانوية العامة في فلسطين... تلاميذ في مواجهة كورونا والاحتلال

14 يونيو 2021
تأرجح الدوام ما بين حضوري وعن بُعد (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -

 

التلاميذ الفلسطينيون في الضفة الغربية تضرّروا، كما سواهم في العالم، بسبب جائحة كورونا، فيما تُضاف انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي إلى كلّ ما فرضته الأزمة الصحية، لا سيّما على تلاميذ الثانوية العامة.

مع اقتراب امتحانات الثانوية العامة في فلسطين المقرّرة في 24 يونيو/ حزيران الجاري، ما زالت تداعيات العدوان الإسرائيلي الأخير وانتهاكات المستوطنين، وكذلك تداعيات أزمة كورونا، تلقي بثقلها على التلاميذ المعنيّين بهذا الاستحقاق. وفيما يعبّر تلاميذ عن إصرارهم على النجاح، على الرغم من كلّ شيء، فإنّ آخرين يقرّون بالمخاوف التي تنتابهم.

محمود أبو عطوان، تلميذ من مدينة دورا، جنوبيّ الخليل، في جنوب الضفة الغربية، هو شقيق الأسير الغضنفر أبو عطوان (28 عاماً) المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي. يقول لـ"العربي الجديد: "لن أقدّم امتحان الثانوية العامة إذا استمر أخي الأسير في إضرابه عن الطعام. حتى الآن، لم أستطع فتح كتاب واحد". يُذكر أنّ الأسير مضرب عن الطعام منذ أكثر من 30 يوماً على التوالي للمطالبة بإنهاء اعتقاله الإداري، وقد تدهور وضعه الصحي أخيراً. وعوضاً عن تخصيصه الوقت للدراسة، كما يفعل زملاؤه، خصّص محمود جُلّ وقته لدعم عائلته، فيما يلازم خيمة التضامن المقامة وسط المدينة دورا حتى ساعة متأخرة من كلّ مساء. ويؤكد محمود: "حاولت الدراسة، لكنّني لم أستطع. قلبي وفكري مع أخي. ثمّ كيف أدرس عندما أرى أمي تبكي عليه وألاحظ حال إخوتي الخمسة"، متسائلاً: "ألا يكفي أخي سنوات سجنه الطويلة؟".

وليس التلاميذ الفلسطينيون ممن لديهم أشقاء في سجون الاحتلال وحدهم من تأثرت دراستهم سلباً. فالعدوان على قطاع غزة قضى على إرادة واندفاع بعض من التلاميذ. فكثيرون منهم قضوا وقتهم وهم يتابعون الأخبار والمستجدات في القطاع كما في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948. سارة سلامة واحدة من هؤلاء التلاميذ، وهي من الخليل. تقول لـ"العربي الجديد": "خسرت جزءاً من الوقت في أثناء الإجازة المخصصة للمراجعة قبل الامتحان، لأنّني ركّزت على متابعة الأخبار، ولم أكن في حال نفسية جيدة. فأنا وصديقاتي في المدرسة تأثّرنا جداً في أثناء العدوان الأخير على غزة. لكنّنا في نهاية الأمر قرّرنا مراجعة دروسنا، لأنّ العلم سلاح التلميذ الفلسطيني، بحسب ما نرى".

الصورة
تلاميذ فلسطينيون في الضفة الغربية (حازم بدر/ فرانس برس)
(حازم بدر/ فرانس برس)

من جهته، يقول التلميذ أسامة عدوان من طولكرم شماليّ الضفة الغربية لـ"العربي الجديد": "كنّا نظنّ أنّ مرحلة الثانوية العامة تشبه غيرها من المراحل الدراسية، لكنّنا وجدنا أنّها تتطلّب منّا مزيداً من الاجتهاد والمثابرة. ثمّ رأينا أنفسنا تحت ضغط نفسي أكبر نتيجة أزمة كورونا، فهذه السنة الدراسية أتت استثنائية. صحيح أنّنا شعرنا بالتضامن مع تلاميذ العام الماضي الذين عانوا من الأزمة، غير أنّ حظّنا كان أشدّ سوءاً من هؤلاء". ويوضح أسامة أنّ "الإغلاق الشامل واختلافه بين محافظة وأُخرى أثّرا بوصول التلاميذ إلى مدارسهم ومراكز التعليم البعيدة عن أماكن سكنهم، في ظلّ تعطيل وسائل النقل والمواصلات. كذلك، لم تعمل وزارة التربية والتعليم الفلسطينية على إيجاد خيار استثنائي للتلاميذ عموماً، ولا سيما من تقع مدارسهم في مناطق موبوءة، أو الذين تحوّلت مدارسهم نفسها إلى بؤر انتشار لفيروس كورونا الجديد".

ويتقدّم التلاميذ الفلسطينيون إلى امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) للعام الثاني على التوالي، في ظروف استثنائية وصعبة تمرّ بها العملية التعليمية بفعل وباء كورونا وما فرضه من إجراءات وقائية قائمة على التباعد الاجتماعي (الجسدي) وإغلاق المدارس الموبوءة وحجر التلاميذ والمدرّسين المصابين والمخالطين. ويزيد هذا من التوتّر النفسي الذي يرافق أساساً التلاميذ وذويهم في هذه المرحلة الحاسمة.

يقول وكيل وزارة التربية والتعليم لشؤون التخطيط والتطوير والمدير العام للامتحانات، محمد عواد، لـ"العربي الجديد" إنّ "الإغلاق الشامل الذي فرضته الحكومة الفلسطينية على مراحل منذ بداية السنة الدراسية في أغسطس/ آب الماضي، استثنى مرحلة الثانوية العامة التي بقي التعليم فيها حضورياً مع مراعاة التدابير الوقائية، فيما كان التعليم عن بُعد لبقيّة المراحل. وفي بعض الأيام، جرت مداورة ما بين التعليم الحضوري والتعليم عن بُعد للثانوية العام، وفي بعض الأشهر للمراحل الأخرى".

وعلى الرغم من أنّ وزارة التربية والتعليم عمدت إلى تعديل أسئلة امتحانات الثانوية العامة مراعاة لظروف التلاميذ، فإنّ نظام الرُزم التعليمية الذي اعتمدته شتّت تركيز بعضهم. ويشرح عواد أنّ "الوزارة عدّلت طبيعة الامتحانات لتلاميذ الثانوية العامة بهدف تسهيل الأمور عليهم، فأُدخلت الأسئلة الاختيارية في الامتحانات، واعتمدت الوزارة نظام الرُزم التعليمية لسبعة مباحث (عناوين المواد والدروس المطلوبة من الكتاب الأصلي للمادة الدراسية)، كذلك حُذف ثُلث المادة من المنهاج الدراسي للمواد الأخرى التي لم تشملها الرُزم، وذلك لتطويق التباين ما بين التعليم الحضوري والتعليم عن بُعد".

أمّا التلميذة مرح حمد، من رام الله، وسط الضفة الغربية، فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "نظام الرُزم أربكنا كتلاميذ كما أربك المدرّسين. فالوزارة لم توضح في البداية إذا كان هذا النظام نهائياً في الامتحان الرسمي المعتمد. وقد راودتنا كذلك المخاوف كتلاميذ في مرّات عدّة كانت الحكومة تعلن فيها الإغلاق الشامل، مع تأرجح القرارات في ما يتعلّق بالتعليم الحضوري، بالإضافة إلى القلق من الإصابة بالفيروس ونقله إلى عائلاتنا".

في هذا الإطار، يشير المدرّس عامر رضوان من طولكرم لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هذه السنة الدراسية هي الأطول في تاريخ العملية التعليمية الفلسطينية، إذ بدأت في أغسطس/ آب 2020، وتنتهي في منتصف يونيو/ حزيران الجاري، بالتزامن مع غياب عطلة كافية للتلاميذ بين الفصلين. فهي لم تتجاوز الأسبوع الواحد. يُضاف إلى ذلك أنّ السنة الدراسية بالنسبة إلى تلاميذ الثانوية العامة، شهدت عُطلاً عديدة على الرغم من استثنائهم منها في بعض الأيام. فلم يلتزم التلاميذ حضور الحصص الإلكترونية، ما أدّى إلى فجوة في الشرح بين التعليم الحضوري والتعليم عن بُعد. وقد سبّبَ نظام الرزم المزيد من الإرباك". والتوتر، إلى جانب ما خلّفته أزمة كورونا".

الصورة
تلميذات فلسطينيات في الضفة الغربية 2 (حازم بدر/ فرانس برس)
(حازم بدر/ فرانس برس)

لم تنقل مرح كوفيد-19 إلى عائلتها، لكنّها نقلت إليهم إحساسها بالخوف والتوتّر من تراجع تحصيلها العلمي على خلفية المتغيّرات التي فرضتها الأزمة الصحية. وتقول والدتها فدوى حمد لـ"العربي الجديد": "لقد تخوّفنا منذ بداية السنة الدراسية من عدم اكتمال العملية التعليمية للمرحلة الثانوية، لكنّنا نحمد الله أنّ ذلك لم يحصل. ومع تأرجح الدوام ما بين حضوري وعن بُعد، فضّلنا الحضوري على الرغم من مخاوفنا إزاء احتمال إصابة مرح. وقد وصلنا إلى ذلك عندما أصيبت إحدى زميلاتها بكوفيد-19، فاضطررنا إلى حجرها وإجراء الفحص الطبي اللازم لها". تضيف الوالدة أنّ "من الطبيعي في ظلّ هذه الظروف أن نخشى على ابنتنا المتفوّقة من تراجع تحصيلها العلمي، فما بالكم بعائلات التلاميذ الذين يُصنّف مستواهم متوسطاً أو ضعيفاً ويخشون الرسوب؟".

في سياق متصل، أرادت التلميذة آية سلطان، من الخليل، المثابرة أكثر، متحدية فيروس كورونا الجديد، ومتجاهلة تداعياته، ولا سيّما ارتفاع نسبة الإصابات والوفيات الذي فاقم الفزع لدى التلاميذ وذويهم. وتقول آية لـ"العربي الجديد": "لم أكن أنتظر أخبار إغلاق المدارس أو فتحها، وواظبت على الدراسة من دون قلق"، مشيرة إلى أنّ "عائلتي تثق بي وبجهدي الدراسي منذ صغري".

من جهة أخرى، خاض مدرّسون فلسطينيون في بدايات السنة الدراسية الجارية، تحديداً في سبتمبر/ أيلول الماضي، إضراباً جزئياً احتجاجاً على عدم حصولهم على رواتب كاملة وتحفيزات وظيفية. ويقول رضوان إنّه "على الرغم من أنّ ذلك استثنى الثانوية العامة، حرصاً على التلاميذ. فقد أتى الإضراب إلى جانب ظروف أخرى لتزداد السنة الدراسية تشنجاً". ويؤكد رضوان أنّ "المدرّسين اضطروا إلى البحث عن عمل إضافي لتوفير لقمة العيش لعائلاتهم، فيما سبّب التأرجح ما بين التعليم الحضوري والتعليم عن بُعد إرباكاً للمدرّس وللتلميذ على حدّ سواء منذ بداية السنة الدراسية، أضف إلى ذلك ضعف خبرة المدرّسين في التعليم عن بُعد". يُذكر أنّ المدرّسين لا يخفون خشيتهم من نجاح التلاميذ الفلسطينيين الذين يتجاوز عددهم 47 ألفاً في الضفة الغربية، من دون اكتسابهم المعارف المطلوبة، إذ إنّ تلاميذ الثانوية العامة ينهون مرحلة حاسمة وينتقلون مباشرة إلى التعليم الجامعي.

المساهمون