تتفرد العديد من المدن التونسية بحرفة نقش وزخرفة الخزف والسيراميك، خصوصاً مدينة نابل (شمال) وجربة (جنوب) ومدينة المكنين على الساحل، وقد تتشابه طرق الحرفيين في التصنيع والزينة، لكنهم يختلفون في التفاصيل، خصوصاً في الرسوم والألوان المعتمدة.
وقبل ظهور آلات الصناعة والطباعة، كان كل شيء ينفذ بالأيدي، وقد حافظ عدد من الحرفيين على الطريقة التقليدية في صنع وتزيين الفخار، والرسم على السيراميك. من هؤلاء نجلاء الجبالي عطية، وهي أحد أشهر الحرفيين في مدينة نابل.
احترفت نجلاء صناعة الفخار والرسم على السيراميك منذ كان عمرها 14 سنة، وقد تعلمت الحرفة من أهلها، فالمهنة متوارثة، وتعتبر من الحرف الأبرز في مدينتها، والتي تعد المزود الأول للفخار في تونس منذ القرن السادس عشر.
تقول الجبالي لـ"العربي الجديد"، إنّها تعمل في ورشة صغيرة بوسط المدينة، وتصنع فيها السيراميك الذي يزين الجدران والأرضيات، محافظة على الطريقة القديمة التي تعتمد على صنع كل شيء في قوالب من الجبس يدوياً، والرسم على قطع السيراميك باليد. مضيفة: "أبيع منتجاتي في السوق المحلية، كما أصدرها إلى الجزائر، وإلى إيطاليا، وأحياناً أتلقى طلبات لا أستطيع تأمينها بسبب نقص اليد العاملة المتخصصة، فضلاً عن مشكلات توفر المواد الأولية".
تتابع: "أحصل على الطين من مصانع عجن الطين، والتي تحصل بدورها عليه من جبال طبرقة. بات من الصعب إيجاد طين ذي جودة عالية بكميات كافية، إضافة إلى صعوبة الحصول على مواد التزيين، وهي مستوردة في الغالب، وهي مواد مخصصة للرسم على السيراميك والفخار، وتختلف الرسوم بالطبع، فمن بينها ما يشبه الرسوم الأندلسية، وأخرى تشبه الرسوم والزخارف العربية، أو العثمانية".
ويؤكد مؤرخون أن صنع الفخار في مدينة نابل، والتي كانت تسمى "نيابوليس"، وتعني المدينة الجديدة، هو حرفة تعود إلى قرون مضت، وأنه انتشر في العصر الأندلسي، ثم ازدهر مع وصول الفارين من الأندلس إلى المدينة، وقد تم العثور على حفريات في نابل، ودار شعبان، والحمامات، تضم أواني مختلفة من الفخار.
ويشتهر خزف نابل بخصوصيته، إذ تنفرد المدينة بنوع من الخزف المطلي بأوكسيد الرصاص، وألوانه المميزة الصفراء والخضراء، إضافة إلى الزركشة البيضاء والزرقاء، ويرجع استعمال أوكسيد الرصاص إلى بداية القرن السادس عشر حين جلبه الأندلسيون إلى المدينة، وفي بداية القرن العشرين، انتشر صنف جديد من الخزف يتميز بتعدد الألوان والرسوم.
تقول الجبالي: "هناك إقبال من السوق الإيطالي على السيراميك المصنوع بالطريقة التقليدية في نابل، وتزين العديد من الجدران في صقلية بالسيراميك المستورد من تونس، ونحن ننتجه برسوم يدوية فريدة، ونستعمل ألواناً نصنعها بأنفسنا من مواد طبيعية، فيما نستورد ألوان أخرى مخصصة للخزف والفخار، وبتنا نستعمل الألوان في عملنا حسب الطلب. نزخرف قطع السيراميك، وأحواض الغسيل، وبلاط الأرضيات، ويختلف الوقت الذي يستغرقه الصنع والرسم من قطعة إلى أخرى حسب الحجم، وحسب تفاصيل الرسم".
ويعمل في الورشة أربعة من الحرفيين، وتؤكد نجلاء وجود أزمة بسبب هجرة اليد العاملة المتخصصة بسبب انعدام أي دعم للحرفيين الراغبين في تأسيس مشاريع صغيرة، وتشير إلى أن "الصناعة تمر بعدة مراحل دقيقة، تبدأ باستخراج الطين من المحاجر في طبرقة وبعض الجهات الأخرى في تونس، وتخزينه رطباً، ثم تنظيفه من الحجارة، وخلطه بالمواد الطبيعية التي تحافظ على تماسكه بعد أن يبلل من جديد ليعجن، ويتمكن الحرفيون من تحويله إلى الأشكال المطلوبة بواسطة قوالب مختلفة الحجم، ثم وضعها لتجف بعيداً عن أشعة الشمس حتى لا تتشقق، وبعيدا عن تيارات الهواء. كل مرحلة يجب أن تكون دقيقة للحصول على منتج صالح للاستعمال".
وتضيف أنه "يتم طهو تلك القطع في أفران تقليدية أيضاً، ومن ثم يتم الرسم عليها بالقلم الرصاص، وفي المرحلة الأخيرة يجري تلوينها وزركشتها بالألوان. لا يوجد الكثير ممن يتقنون الرسم على الفخار، لذا لا نستطيع تأمين طلبيات كبيرة، خاصة أن الرسم باليد يستغرق وقتاً طويلاً، ويتطلب دقة ومهارة. الخزف الذي أنتجه يتحمل كل الظروف الطبيعية، سواء البرد أو درجات الحرارة المرتفعة، ويستعمل في تزيين المنازل في عدة دول تتباين فيها ظروف الطقس، كما أننا ننتج السيراميك المزركش برسوم تتماشى مع الثقافات المختلفة للزبائن، في الجزائر أو إيطاليا أو الكويت وغيرها من الدول التي نصدر إليها".