كما هي الحال في كلّ عام، عادت أوروبا إلى التوقيت الصيفي في نهاية شهر مارس/ آذار الماضي، وسط انتقادات كثيرة تتكرر سنوياً. وكان البرلمان الأوروبي قد وافق على إنهاء العمل بالتوقيت الموسمي في عام 2021، غير أنّ المشروع عُلّق. لماذ يصعب إلغاء هذا النظام؟ وهل من الممكن التخلص التدريجي منه بدءاً من العام المقبل؟
"تقريب أوروبا من مواطنيها"، هذه هي الفكرة المهيمنة التي تمثّل أولوية بالنسبة إلى قادة الاتحاد الأوروبي. لكنّ الهدف لا يتحقق دائماً، نظراً إلى عدم قدرة هؤلاء على تحقيق مطالب وانتظارات المواطنين الأوروبيين. ففي كل الدول الأعضاء تقريباً، يؤيد المواطنون إلغاء التوقيت الصيفي نصف السنوي، وهذا ما ظهر من خلال استطلاع للرأي عبر الإنترنت أعدّته المفوضية الأوروبية في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب من عام 2018. وقد حصل هذا الاستطلاع على أكثر من 4.6 ملايين ردّ، تبيّن من خلالها أنّ 84 في المائة من الأوروبيين يريدون التخلي عن النظام الحالي. وهو ما دفع رئيس المفوضية آنذاك جان كلود يونكر إلى التصريح بأنّ "المواطنين يريدون ذلك، وسوف نقوم به".
وفي مارس من عام 2019 ، وافق البرلمان الأوروبي بغالبيته على إنهاء التوقيت الموسمي بدءاً من عام 2021. لكنّ ذلك لم يُعتمد بعد من قبل الدول الأعضاء، علماً أنّ المناقشات في المجلس الأوروبي استمرّت حتى ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، من دون جدوى. ونتيجة ذلك، ما زالت قاعدة تغيير الوقت موسمياً، التي تعود إلى أكثر من أربعين عاماً، سارية المفعول. وهكذا، مرّة أخرى، في نهاية الأسبوع الأخير من شهر مارس الماضي، تمّ التحوّل إلى التوقيت الصيفي، وبالتالي فقدان ساعة من النوم ليل السبت27 - الأحد 28 مارس. أمّا في يوم الأحد الأخير من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، فيعود التوقيت الشتوي.
وكان العمل بالتوقيت الصيفي في أوروبا قد بدأ بعد "صدمة النفط" في عامَي 1973 و1974. وكانت الفكرة تقليل وقت الإضاءة الصناعية في المساء لتوفير الطاقة. كخطوة أولى، حدّدت كلّ دولة تاريخها الخاص للانتقال إلى التوقيت الصيفي، وهو ما صعّب التنقّل في بلدان الاتحاد الأوروبي على الأشخاص وكذلك الأمر بالنسبة إلى السلع والخدمات. لذا سُجّلت مطالبة بالمواءمة، ومنذ عام 2002 كفل قانون أوروبي تناسق التوقيت على مستوى الاتحاد.
تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من 140 دولة حول العالم اعتمدت التوقيت الصيفي نصف السنوي في وقت من الأوقات، لكنّ نحو 60 منها فقط ما زالت تعمل به حتى يومنا هذا. فالدول المجاورة للاتحاد وشركاؤه التجاريون توقّفوا عن العمل به، لا سيّما الصين في عام 1992 وروسيا في عام 2011 وتركيا في عام 2016 والبرازيل في عام 2019. وفي أوروبا، يتزايد النقاش حول النظام وفائدته المثيرة للجدال. وتقول عضو البرلمان الأوروبي من مجموعة الخضر كريمة ديلي التي أعدّت قرار إلغاء تغيير التوقيت الصيفي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحفاظ على الطاقة صار هامشياً، لا سيّما مع تعميم الإضاءة ذات الاستهلاك المنخفض. كذلك تظهر تقارير طبية تأثير تغيير التوقيت على الإيقاعات البيولوجية، ما يؤدّي إلى اضطرابات في النوم واللجوء إلى العقاقير المنوّمة". وتتابع ديلي أنّه "بالإضافة إلى التأثير على الصحة والاقتصاد والسلامة على الطرقات، فإنّ ثمّة حجة ديمقراطية وهي أنّ الأوروبيّين لا يريدون هذا النظام بعد الآن بحسب استطلاع للرأي أعدته المفوضية. وقد تمّ تداول الالتماسات التي تذهب في الاتجاه نفسه في بلدان عديدة".
ومشروع القانون الذي ينصّ على إلغاء التوقيت الموسمي في عام 2021 والذي أعدّته المفوضية الأوروبية واعتمده أعضاء البرلمان الأوروبي، قُدّم إلى المجلس الأوروبي للمصادقة عليه. لكنّ ديلي تلفت إلى أنّ "كلّ شيء مسدود عند هذا المستوى"، مضيفة أنّ "النصّ ما زال غير مطروح على جدول الأعمال". وتؤكّد أنّه "كان يتوجّب على كل دولة عضو أن تختار، بحلول إبريل/ نيسان 2020 على أبعد تقدير، التوقيت الدائم الذي ترغب في اعتماده. لكنّ هذا الموعد النهائي تأجّل بسبب أزمة كورونا. واليوم، صارت الأولويات مرتبطة بملفات أخرى كحملات التحصين والاقتصاد إلى جانب التحدّي المناخي".
يُذكر أنّ للدول حريّة تقرير ما إذا كانت ترغب في الالتزام بالتوقيت الشتوي أو التوقيت الصيفي. ومع ذلك، توصي المفوضية الأوروبية بأن تتشاور معاً لتجنّب اختلاف الوقت في داخل الاتحاد الأوروبي الذي يتوزّع على ثلاث مناطق زمنية. فمن دون التنسيق، سوف تحدث اضطرابات في النقل وأنظمة المعلومات وسوف يستوجب ذلك تكاليف إضافية للتجارة عبر الحدود. والقلق بالنسبة إلى المسؤولين الأوروبيين هو أن تتّخذ الدول الأعضاء قرارها من دون استشارة دول الجوار، الأمر الذي قد يؤدّي إلى الفوضى. وتذكر ديلي أنّ "ألمانيا صوتت لمصلحة التوقيت الصيفي الدائم، فيما صوّت جيرانها في الدنمارك وهولندا وجمهورية التشيك لمصلحة التوقيت الشتوي".
يضاف إلى هذا النقص في التنسيق ثقل التاريخ. إذ ترفض إستونيا الانضمام إلى نفس الفترة الزمنية مثل روسيا (توقيت غرينتش + 2). ولم تعد مدريد تريد أن تعيش على إيقاع برلين، الإرث الذي يعود إلى مرحلة فرانكو في سنوات 1940. فمدريد تفكر في العودة إلى توقيت غرينتش، المنطقة الزمنية لجارتها البرتغال. أما الفنلنديون، الذين يريدون التوقيت الشتوي على مدار السنة، فسيغادرون المنطقة الزمنية لدول البلطيق ويلتقون في نفس الوقت مع جيرانهم السويديين الذين يفضلون التوقيت الصيفي.
وفي انتظار عودة الملف إلى الواجهة، ربّما في عام 2022، تذكّر ديلي أنّ "الخدمة القانونية للمجلس الأوروبي كانت قد أكّدت أنّ اقتراح المفوضية لا يرتكز على دلائل كافية، إذ يفتقر إلى دراسات حول عواقب تغيير الوقت. بالتالي فإنّ النصّ في طريق مسدود". تضيف ديلي أنّه "في حال توافقت الدول الأعضاء على تنسيق توقيتها، فسوف يتعيّن منح 18 شهراً لكلّ القطاعات في كلّ دولة على حدة من أجل تنظيم نفسها، لا سيّما الإدارات المشغّلة للخطوط الجوية والسكك الحديدية"، وهو ما يعني أنّ بدء العمل بالتوقيت الجديد، في حال اعتماده، لن يدخل حيّز التنفيذ قبل عام 2024.