التنمر قهر إضافي يعيشه الأطفال المعوقون في مخيمات إدلب

16 اغسطس 2023
أطفال الاحتياجات الخاصة بلا فرصة للترفيه أو الرعاية (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

لم تعد الطفلة سلام القش (8 سنوات) ترغب في الخروج للعب مع بقية الأطفال، بعدما تعرّضت لتنمر من أولاد في مخيم النزوح الذي تعيش فيه مع أهلها الذين نزحوا من قرية التح جنوبي إدلب، فضلاً عن أنها تتعرض لمخاطر العيش وسط تلوّث دائم ينتج من الصرف الصحي المكشوف والبنى التحتية المهملة، إلى جانب نقص الغذاء والدواء، وعدم وجود مدارس متخصصة.
تقول سناء، والدة الطفلة سلام، لـ"العربي الجديد": "ابنتي مصابة بمتلازمة دوان، لكنها شديدة الذكاء وحساسة المشاعر ما يجعلها منزوية دائماً. وهي تفتقد الكثير من الدعم النفسي وسط مجتمع متنمر يسخر من المعوقين والضعفاء. حاولت مرات إرسال ابنتي إلى مدرسة المخيم، لكنها كانت تعود إلى المنزل بعد بضع ساعات نتيجة تعرّضها إلى شتم وضرب وإهانات من باقي الأطفال".
وتشير الأم إلى حجم الألم الذي تشعر به حين ترى الحزن في عيني طفلتها من دون أن تستطيع مساعدتها، إذ لا توجد مراكز متخصصة بهذه الحالات في مخيم دير حسان، ولا تستطيع أن تفرض على بنات المخيم اللعب مع ابنتها. وهكذا لا تجد سلام أي فرصة للترفيه أو التعليم أو الحصول على رعاية صحية.
ويحصي تقرير لفريق "منسقو استجابة سورية" وجود أكثر من 198 ألف معوق في مناطق الشمال الغربي، ويتحدث عن "تكبد هؤلاء، خصوصاً الأطفال، حياة قاسية بعدما تراكمت عليهم أوجاع الإعاقة ومرارة النزوح، في ظل غياب جهات تُعنى بشؤونهم وتهتم بهم، ما حوّلهم إلى ضحايا حرب لم ترحمهم".
وتعرّف منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" التنمر بأنه نمط سلوكي يتكرر بهدف إلحاق أذى جسدي أو بالكلام أو بالسلوك المؤذي.
تواجه زهراء الحسين (34 سنة) تحديات وصعوبات كبيرة في الاعتناء بطفليها المصابين بالتوحّد داخل مخيم تقيم فيه مع أسرتها شمالي إدلب، بسبب التهميش والإقصاء الذي ينعكس سلباً على كل نواحي حياتهما. تقول لـ"العربي الجديد": "لا يفوّت أطفال المخيم فرصة الضحك على طفليّ، والسخرية منهما ورميهما بحجارة كلما أخرجتهما إلى باب الخيمة وأجلستهما أمامها لبعض الوقت مساءً كي يحصلا على شيء من التسلية والهواء البارد خارج لهيب الخيمة، فيواجها بالتالي لهيب قهر من نوع آخر. حاولت ردع الأطفال المتنمرين، وتحدثت إلى أهاليهم، لكن الوضع لم يتحسن".

ينعكس التهميش سلباً على كل نواحي حياة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة (العربي الجديد)
ينعكس التهميش سلباً على كل نواحي حياة الأطفال (العربي الجديد)

تشكو النازحة لينا العلي (29 سنة) حالة ابنتها المصابة بضمور في الدماغ، والتي لا تجد أي اهتمام أو رعاية من أي جهة، خاصة أنها تواجه الرفض المجتمعي والتنمر وقلة الخدمات المقدمة لها. وتخبر "العربي الجديد"، أن ابنتها البالغة 10 سنوات تعاني من صعوبات في التنقل في المخيم الذي يقيمون فيه شمالي إدلب، وهو ذات طرقات وعرة ومليئة بالنفايات، وتسوء حالتها الصحية خلال أيام الحرّ بسبب السكن في خيمة بلا مياه كافية ووسائل تبريد، وأيضاً بسبب وجود مراكز صحية تقدم خدمات طبية مجانية بعيداً عن المخيم.
وترى المرشدة النفسية كريمة القاسم، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة التنمر على الأطفال بلغت مستويات خطرة، خاصة تلك التي يتعرض لها الأطفال الأشد ضعفاً، والذين يكونون غالباً نازحين أو من عائلات فقيرة أو من ذوي الاحتياجات الخاصة". وتؤكد أن "الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون من تهميش وحرمان في المخيمات، ويفتقرون إلى أبسط حقوقهم في التعليم والاندماج، وتضيع طفولتهم بالتالي في غياهب المخيمات والإعاقة والرفض المجتمعي".

وتحذّر القاسم من عواقب التنمر الذي يترك آثاراً ضارّة وطويلة الأمد لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مثل المشاكل البدنية والعاطفية وأخرى في الصحة العقلية، وبينها الاكتئاب والقلق والعصبية والصداع والمعاناة من كوابيس وقلة النوم. وتشير إلى أن "الأطفال المعوقين أكثر عرضة للتنمر مقارنة بأقرانهم العاديين، ويتضمن سلوكه الترهيب والإساءة اللفظية وإطلاق تسميات مهينة أو تهديد أو اعتداء". وتدعو إلى متابعة أحوال الأطفال المعوقين وسماع مشاكلهم، وتقديم دعم نفسي واجتماعي لهم، وتنظيم جلسات تهدف إلى توعية الأهالي في شأن التنمر ضد كل فئات المجتمع، وتحديداً ذوي الاحتياجات الخاصة، وآثاره وضرورة محاربته والحد منه.
وتقترح كريمة افتتاح مراكز في مخيمات إدلب تضم فرق طوارئ وأطباء متخصصين ومعالجين نفسيين، ووضع برامج متخصصة بهذه الفئات، وأنشطة حول تأهيل الأطفال وتعليمهم لغة التخاطب بحسب نوع إعاقته، وتنظيم أنشطة ترفيهية للدعم النفسي، وجلسات تأهيل تجمع الأطفال مع مقدمي الرعاية وأولياء الأمور.

المساهمون