التنكيل بالأسرى الفلسطينيين مستمر في سجون الاحتلال

04 مارس 2024
من تحرّك أخير في الضفة الغربية المحتلة دعماً للأسرى في سجون الاحتلال (زين جعفر/فرانس برس)
+ الخط -

نشرت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسير الفلسطيني تقريراً عن الأوضاع في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، استناداً إلى أبرز الزيارات الأخيرة. وتضمّن التقرير قضايا راهنة عديدة تتعلق بظروف احتجاز الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وأبرز مجمل السياسات والانتهاكات والجرائم الناجمة عن الإجراءات غير المسبوقة التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال على الأسرى بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي ما زالت مستمرّة حتّى اليوم.

وبيّن التقرير أنّ من أبرز القضايا التي ركّز عليها الأسرى الفلسطينيون خلال الزيارات الأخيرة، قضية "العدد" أو ما يسمّى "الفحص الأمني" الذي تحوّل إلى أداة لتعذيب الأسرى والتنكيل بهم وإذلالهم. تُضاف إلى ذلك شهادات مقتضبة لمعتقلين، أُوقفوا تحديداً في شهرَي أكتوبر ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيَين، تحدّثوا فيها عن ضرب مبرّح تعرّضوا له خلال عمليات اعتقالهم وفي مراكز التوقيف، إلى جانب سياسة التجويع التي لا تزال تُمارَس في سجون الاحتلال على أقسام الأسرى، والجرائم الطبية المتواصلة في حقّهم.

وتحدّث معتقلون إلى محاميهم، خلال زيارتهم في سجن مجدو، عن أصعب ما يواجهونه بطريقة مضاعفة مع مرور الزمن، إلى جانب جملة من الانتهاكات الأخرى، وهو عدم توفّر ملابس. فمعتقلون كثيرون لم يتمكّنوا من تبديل ملابسهم منذ توقيفهم، وعلى الرغم من البرد القارس، ما زال عدد كبير منهم من دون سترات إضافية تقيهم البرد. كذلك، ظهرت لدى عدد من هؤلاء مشكلات جلدية، وتحديداً فطريات، بسبب عدم توفّر أدوات ومستحضرات النظافة الشخصية والملابس النظيفة.

وأجمع الأسرى الذين تلقّوا زيارات على أنّ سياسة التجويع ما زالت قائمة، وتتفاقم مع ازدياد أعداد المعتقلين الجدد، إذ ثمّة اكتظاظ غير مسبوق في الزنازين. وأضافوا أنّ ثمّة وجبات تتضمّن فقط علبة لبنة واحدة لكلّ زنزانة، علماً أنّ عدد المعتقلين فيها قد يصل إلى 12 معتقلاً.

من جهة أخرى، استناداً إلى مجموعة من شهادات الأسرى في سجن عوفر، فإنّ اعتداءات عدّة سُجّلت في حقّ الأسرى على يد قوات القمع أخيراً. وأشار أحد الأسرى إلى أنّ أسيرَين تعرّضا لتنكيل وإذلال غير مسبوقَين، من خلال وضع رأسَيهما في المرحاض، وذلك بعد ادّعاء السجانين أنّ مواجهة جرت بينهم وبين هذَين الأسيرَين.

وأشار الأسرى إلى إجراء "العدد" أو "الفحص الأمني"، وكيف حوّلته الإدارة إلى أداة لإذلالهم والتنكيل بهم. فبعد السابع من أكتوبر، صار الأسرى مجبرين على اتخاذ وضعية معيّنة تتمثّل بالركوع والإنحناء عند إجراء "العدد". وبيّن الأسرى أنّ عمليات الاعتداء بمعظمها تحصل أثناء إجراء "العدد"، إذ يتعمّد السجانّون إلى استفزازهم، وقد وجدوا فيها فرصة للانتقام منهم.

أمّا في ما يخصّ ظروف اعتقال الأسرى الأشبال (الأحداث) في سجن عوفر، وعددهم نحو 90 حدثاً، فهم يواجهون الظروف نفسها التي يعاني منها الأسرى البالغون. وتمثّل سياسة التجويع بالنسبة إلى الأسرى الأحداث أبرز ما ورد في شهاداتهم أثناء زيارات محاميهم، فإدارة السجون تزوّدهم بطعام سيّئ كمّاً ونوعاً. وشرح هؤلاء أنّ وجبة الفطور تتضمّن شرحات من الخبز محدودة لكلّ أسير، وعلبة لبنة صغيرة يجب أن تكفي خمسة من الأسرى الأحداث. وتتفاقم المشكلة مع زيادة حالات الاعتقال في الفترة الأخيرة.

انتهاكات بالجملة وجرائم طبية في سجون الاحتلال 

في سياق متصل، أفاد أسرى في سجن عوفر بأنّهم ما زالوا يسمعون صراخ معتقلي قطاع غزة في الأقسام القريبة منهم، إذ يتعرّض هؤلاء لعمليات اقتحام متكرّرة ورشّ بالغاز، بالإضافة إلى عمليات تعذيب يؤكدها الصراخ المتواصل.

ووفقاً لتقرير هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، فإنّ إدارة سجون الاحتلال ترفض السماح لأيّ من الأطقم القانونية بالتواصل مع المعتقلين من قطاع غزة منذ بداية الحرب (السابع من أكتوبر) والإبادة الجماعية. كذلك، يرفض الاحتلال، مع استمراره في إخفاء معتقلي غزة قسراً، الكشف عن أيّ معطيات واضحة حول هؤلاء أو أسماء الذين استشهدوا من بينهم.

ونشرت هيئة شؤون الأسرى شهادات مقتضبة لمعتقلين تمكّن محامون من زيارتهم في سجن عوفر. ونقلت عن المعتقل م. ي. الذي أُوقف في نوفمبر الماضي، وحُوّل إلى الاعتقال الإداري مدّة ستة أشهر، أنّ "قوة من جيش الاحتلال اقتحمت منزلي واعتدت عليّ بالضرب المبرح، واستخدمت أعقاب البنادق على كلّ أنحاء جسدي، ما تسبّب في إصابتي بجروح في الرأس. وبعد اعتقالي، نُقلت إلى معسكر بيت إيل ثمّ إلى معتقل عتصيون حيث بقيت رهن الاعتقال مدّة ثلاثة أيام متتالية. وخلال عمليات نقلي، تعمّد الجنود الاعتداء عليّ ببساطيرهم (أحذيتهم العسكرية)، وتركّزت عمليات الضرب على رأسي وظهري. وعند نقلي إلى سجن عوفر، تعرّضت لاعتداء من جديد على يد قوات النحشون، وما زلت أعاني من أوجاع في الرأس حتى اليوم".

أمّا المعتقل ع. ي. الذي أُوقف في شهر أكتوبر الماضي، وحُوّل إلى الاعتقال الإداري مدّة ستة أشهر، فقال: "تعرّضت للضرب المبرح، تحديداً على الأطراف أثناء اعتقالي عند أحد الحواجز العسكرية. وخلال نقلي إلى معتقل عتصيون، تعرّضت للضرب في ساحة المعتقل. وفي غرفة التفتيش، شُتمت وضُربت. وتكرّر الأمر عند نقلي إلى سجن عوفر، كذلك هدّدوني بالقتل، وصوّبوا السلاح في اتّجاهي".

وتواصل إدارة سجون الاحتلال تنفيذ الجرائم الطبية في حقّ الأسرى، وذلك في مختلف السجون. وقد بلغت ذروتها بعد السابع من أكتوبر. وخلال الزيارات الأخيرة، أجمع أسرى في مختلف سجون الاحتلال على أنّهم حُرموا من العلاج اللازم، علماً أنّ الحالات المزمنة هي التي تلقى تجاوباً.

في سجن نفحة، اشتكى الأسرى من وقف كلّ العلاجات الخاصة بالأسنان، وقد أدّى الأمر إلى تفاقم مشكلات كثيرين. صحيح أنّ إدارة السجون كانت تماطل في توفير علاجات الأسنان في السابق، غير أنّها أوقفت ذلك كلياً بعد السابع من أكتوبر. وصار الأمر يتطلّب جهداً قانونياً مضاعفاً مقارنة بالسابق لتوفير هذا النوع من العلاج للأسير.

تجدر الإشارة إلى أنّ أعداد الأسرى المرضى تزايدت بعد السابع من أكتوبر، وذلك نتيجة عمليات التعذيب والاعتداءات التي راح يتعرّض لها الأسرى في سجون الاحتلال.

معتقل عتصيون من سجون الاحتلال الأكثر عنفاً

وفي معتقل عتصيون الذي يُعَدّ تاريخياً أحد أبرز سجون الاحتلال التي تشهد عمليات تنكيل بالأسرى وإذلالهم واحتجازهم في ظروف صعبة جداً، منعت سلطات الاحتلال بعد السابع من أكتوبر الأطقم القانونية من زيارة المعتقلين فيه، قبل أن تستأنف أخيراً بعد محاولات عديدة.

واستناداً إلى الزيارات المحدودة، ثمّة معطيات خطرة. فهو صار فعلياً محطة تعذيب وإذلال للمعتقلين الجدد، بالإضافة إلى أنّ مدّة الاحتجاز فيه صارت طويلة، ولم تعد لأيام عدّة كما كانت في السابق، وذلك نتيجة حملات الاعتقال الكبيرة والمتواصلة في الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب روايات المعتقلين في عتصيون، فإنّ جنود الاحتلال يتعمّدون الصراخ طوال الليل، وشتم المعتقلين ونعتهم بالإرهابيين، إلى جانب الجرائم الطبية التي تُرتكَب فيه. وأفاد أحدهم في شهادته بأنّ معتقلاً لا يتجاوز عمره 17 عاماً أُغمي عليه مرّات عدّة، إذ يعاني من مشكلات صحية. وهو كان قد حمل دواءه معه عند اعتقاله، إلا أنّ الجنود ضربوه وأجبروه على رميه في مستوعب النفايات. وبعدما حرموه من الدواء، لم يقدّموا له العلاج لاحقاً، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم وضعه الصحي.

وعمدت إدارة معتقل عتصيون إلى نصب كاميرات مراقبة في زنازين الأسرى، الأمر الذي يمثّل انتهاكاً صارخاً لخصوصيتهم، ولا سيّما أنّ المراحيض في داخل الزنازين، وهي من دون سقف. كذلك يتعمّد الجنود عند نقل الأسرى إلى المعتقل نزع ملابسهم كاملة في الساحة الخارجية للسجن بحجّة التفتيش.

ولفتت هيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير إلى أنّ عدد المعتقلين في عتصيون وصل إلى 111 معتقلاً، بحسب ما تبيّن للمحامين في الزيارة الأخيرة.

المساهمون