التلوث يفاقم خطورة كورونا... لكنّ الجائحة جعلت معدلاته تنخفض

21 نوفمبر 2020
تراجع ثاني أوكسيد النيتروجين في الهواء أسهم في إنقاذ الأرواح (سباستيان غولناو/فرانس برس)
+ الخط -

قد يكون انقشاع التلوث من سماء كبريات المدن في العالم، إحدى إيجابيات تدابير الحجر المرتبطة بجائحة كورونا، علماً أنّ الخبراء يعتقدون أنّ تلوث الهواء يفاقم على الأرجح خطورة الإصابات بفيروس كورونا، الذي يصيب الجهاز التنفسي.

وأظهرت دراسات عدّة انخفاضاً مذهلاً في بعض الأحيان في تركيز بعض ملوثات الهواء في الولايات المتحدة والصين وأوروبا، بفعل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن إجراءات احتواء تفشي فيروس كورونا التي عمّت كل أنحاء العالم، وما تضمنته هذه الإجراءات من قيود على التنقلات والحركة المرورية. وكان التأثير واضحاً بشكل خاص في ما يتعلق بثاني أوكسيد النيتروجين والجسيمات. فعلى سبيل المثال، خلال تطبيق تدابير الإقفال في فصل الربيع، شهدت إسبانيا انخفاضاً بنسبة 61% في ثاني أوكسيد النيتروجين في الهواء، وبلغ هذا الانخفاض 52% في فرنسا، و48% في إيطاليا، وفقاً لوكالة البيئة الأوروبية.

ولاحظ بعض الخبراء أنّ هذا التراجع، حتى لو كان ظرفياً ومؤقتاً، أسهم من دون شك في إنقاذ عدد من الأرواح، إذ إنّ تلوث الهواء مسؤول عن سبعة ملايين حالة وفاة مبكّرة سنوياً، في كلّ أنحاء العالم.

وقالت خبيرة جودة الهواء في جامعة نوتردام في إنديانا، باولا كريبا، في تصريح لوكالة "فرانس برس": "نعتقد أنّ 2190 وفاة مرتبطة بتلوث الهواء جرى تجنبها في أوروبا خلال الحجر الذي طُبِّق في الربيع، في مقابل تفادي 24200 وفاة في الصين، في ما يتعلّق بالآثار على المدى القصير (وخصوصاً تلك الحادة المرتبطة بالتلوث الشديد للغاية)".

وأضافت: "أمّا من حيث التأثير طويل المدى (مشاكل الجهاز التنفسي المزمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وسرطان الرئة ...)، فإنّ عدد الوفيات التي جرى تجنبها أعلى بكثير"، ويراوح بين 13600 و29500 في أوروبا، وبين 76400 و287000 في الصين، وفقاً لسيناريوهات متنوعة.

 الأهداف نفسها 

وقدّر مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، عدد الوفيات التي جرى تجنبها بفضل تدابير الحجر الربيعية بـ11 ألفاً في أوروبا.

وقالت لوري ميليفيرتا، من المركز: "ما لم يسجَّل انتعاش كبير في التلوث، وهو ما لا أعتقد أنه سيحصل، فإنّ الانخفاض في استهلاك الوقود الأحفوري في عام 2020 سيكون قد أسهم في خفض تعرّض الأوروبيين للتلوث على المدى الطويل، وسيؤثّر ذلك بالمخاطر الصحية على المدى نفسه".

وإذا كان إنقاذ هذه الأرواح يمثل جانباً إيجابياً للوباء الذي أودى بحياة 1,3 مليون شخص حتى الآن، فإنّ هذه التجربة هي قبل كل شيء، بالنسبة إلى المدافعين عن الهواء الصحي، دليل إضافي على الحاجة إلى محاربة هذا التلوث الضارّ. وتُعزز هذا الاقتناع مجموعة من الدراسات التي تُبرز احتمال وجود تأثير سلبي لتلوث الهواء لجهة زيادة حدة الإصابات بكوفيد-19 واحتمالات الوفاة الناجمة عنه.

ولاحظت لوري ميليفيرتا أنّ "النتائج جاءت متشابهة في سياقات وبلدان مختلفة جداً، ما يُظهر أنّ الأدلة المجمّعة بدأت تصبح قوية".

وأظهرت دراسة نُشرت، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول، في "كارديوفاسكولار ريسيرتش" المتخصّصة في أبحاث القلب والأوعية الدموية، أنّ التعرّض السابق، على المدى الطويل، للجزيئات الدقيقة "بي إم 2,5"، أدّى إلى زيادة معدل الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 بنسبة 15% على مستوى العالم، مع وجود تفاوتات بحسب المنطقة (27% في شرق آسيا، و19% في أوروبا، و17% في أميركا الشمالية).

وفي الواقع، ثمة أهداف يلتقي على مهاجمتها فيروس كورونا وجزيئات "بي إم 2,5"، المتهمة أصلاً بالمساهمة في أمراض القلب والأوعية الدموية والرئة.

وقال طبيب القلب في جامعة ماينز للطب، توماس مونزل، لوكالة "فرانس برس"، وهو من المشاركين في الدراسة، إنّ فيروس كورونا يسبّب كهذه الجزيئات التهابَ الأوعية الدموية في الرئتين، والالتهاب الرئوي الثانوي، وارتفاع ضغط الدم، وكذلك احتشاء عضلة القلب وقصور القلب".

"ضربة مزدوجة"

وشرح مونزل أنّ المصابين أصلاً بأمراض القلب والأوعية الدموية "يتعرّضون لخطر أكبر إذا أصيبوا بفيروس كورونا".

وأظهرت تحليلات أكثر من ثلاثة آلاف مقاطعة في الولايات المتحدة أنّ الزيادة في متوسط تركيز الجسيمات الدقيقة بمقدار ميكروغرام واحد في المتر المكعّب، تُقابل زيادة بنسبة 11% في معدل الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا. لكنّ معدّي هذه الدراسة التي نشرت في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري في "سيانس أدفانسز"، حذّروا مع ذلك من المبالغة في تفسير هذه المعطيات الإحصائية، مؤكّدين أنّ ثمة حاجة إلى مزيد من الدراسات.

أما أثر التعرّض لتلوّث الهواء خلال الإصابة بالفيروس، فليس معروفاً بعد. وعلّق الدكتور مونزل قائلاً: "أنا متأكد من أنّ الانخفاض قصير المدى في تلوث الهواء له تأثير، مع أن لا بيانات لدينا في هذا الصدد في الوقت الراهن".

وقد بدأت تظهر دلائل أيضاً حول آلية التفاعل، ولا سيما دور مستقبلات "إيه سي إي- 2" التي تسهّل دخول فيروس كورونا سارس-كوف-2 إلى الخلايا. وهذا الدور وصفته في الربيع مجلة "جورنال أوف إنفيكشن"، بـ"فرضية الضربة المزدوجة"، بمعنى أنّ الجسيمات الدقيقة تساهم في إتلاف هذه المستقبلات، ما يسمح لمزيد من الفيروسات بدخول جسم المريض المصاب، وهو وضع قد يتفاقم بسبب التعرّض المزمن لثاني أوكسيد النيتروجين، ما يضعف الرئتين. ويُعتبَر هذا الوضع مصدر مخاوف بصورة خاصة في بعض البلدان الملوّثة التي تتعرّض لموجة ثانية من الفيروس، مثل الهند.

وفي هذا الإطار، نبّهت لوري ميليفيرتا إلى أنّ هذا الأمر "يشكّل بلا شك سبباً كبيراً لقلق مرضى كوفيد" مع حلول فصل الشتاء، وهو "موسم التلوث".

(فرانس برس)

المساهمون