لا يمكن لأيّ عملية تقييم عادلة بدءاً من تلاميذ الروضات حتى طلاب الدراسات العليا، إلا أن تفحص مكتسبات المعرفة والمهارات وتأثيرها على تطوير وتنمية شخصية المتعلّم التي تحقّقت في خلال مرحلة معيّنة، قد تكون لمدّة شهر دراسي أو فصل أو عام أو مرحلة من المراحل (حضانة، أساسي متوسط، ثانوي، مهني تكميلي، ثانوي، جامعي عالٍ). وهنا ندخل في الظروف التي شهدها العام الدراسي الأخير ومدى نجاح الإدارات المعنيّة في التعاطي مع أثر الجائحة على عملها كمؤسسة، سواء أكانت تتوجّه إلى الأطفال أم للشباب.
والواقع أنّ هذا العام والأعوام التي سبقته بمعظمها، كشفت عن عطب رئيسي في بُنية المؤسسات العامة والخاصة، وصعوبة إن لم نقل استحالة تعاملها بمرونة وفاعلية مع الجائحة. مصدر ذلك أوّلاً هو البيروقراطية الرسمية وكيفية تفاعلها مع الأوضاع في الإدارات العامة المعنيّة، ويصحّ ذلك للحضانات الصغيرة المزروعة في الأحياء والشوارع. بالتأكيد يعود السبب إلى ما يمكن وصفه بأنّه جملة اشتراكات تداخلت معاً لتقود إلى نتائج هزيلة بالإجمال، مع استثناءات أو جزر قليلة لا تعبّر عن السواد الأعظم من مدارس الوطن العربي وجامعاته. ومن الممكن أن يكون العطب الرئيس هو طبيعة الإدارة التربوية والتعليمية التي لم تشهد في غضون العقود المنصرمة أيّ نقلة معرفية حقيقية تؤهّلها لمجاراة أو الدخول في صميم العصر الرقمي، وما يفرضه من متطلبات وإمكانات. وهو ما تواطأت عليه السلطات السياسية والقوى النقابية على حدّ سواء. فالأولى اقتصر همّها على متابعة ما تعوّدت عليه من روتين إداري فاقد للإبداع، والثانية على المطالب المعيشية لأعضائها والمنتسبين إلى قطاعها. وعليه، يمكن الجزم بأنّ هذه المؤسسات بمعظمها، أياً تكن تبعيتها، ما زالت تُدار بالشكل التقليدي المتعارف عليه منذ الاستقلالات وحتى اليوم. وبالتأكيد، لا يعود السبب إلى نقص المشاريع الموضوعة للتطوير والتحديث، بل إلى فقدان الإرادة السياسية وغياب الأداة النقابية الإصلاحية، ما يضع التعليم في موقع دوني قياساً بالاهتمامات التي تبديها الأنظمة الحاكمة للمسائل الأمنية والعسكرية وبعض أجزاء البنية التحتية، كالطرقات وما شابه من مشاريع.
أتت الجائحة والقديم على قدمه على نحوٍ شبه عام. وكان على المعلّمين والمديرين والأساتذة والعمداء كأفراد أن يتدبّروا أمورهم بأيديهم من دون أيّ جهوزية واستعداد وتأهيل مسبق. وهكذا وجد المعلّم والأستاذ نفسَيهما مواجَهَين بمعضلات منهجية لا تجارب لهما في التعاطي معها من قبل. فقد تعوّدا سابقاً على ما يعدّه التلاميذ والطلاب من دروس في كتاب مدرسي ومقرّر هما في الأغلب كمنهاج غير قابل للتحوّل إلى التعليم عن بُعد. وعلى العموم، لم يملك المعلّمون والأساتذة والمديرون والعمداء أنفسهم القدرات والمهارات الفنية للقيام بمهام إدارة وتنفيذ عمليات الشرح والتفاعل مع تلاميذ وطلاب لا يرونهم أمامهم في الأصل. أكثر من ذلك، كانت المدارس والجامعات تعمد إلى اختبارات دورية لتلاميذها وطلابها عدا الامتحانات الفصلية والأبحاث، فإذا بالجائحة تجبرهم على خسارة هذه المتابعة التي تكشف عن مكامن الخلل في العملية التعلمية - التعليمية، بما يمكّن القائمين بها من إصلاح الأعطاب التي قد يكون سببها المنهاج أو الطريقة المعتمدة أو المدرّس والأستاذ نفسه. وهكذا تجمّعت مآزق عدّة في واحد لتقود إلى وضع التلاميذ والطلاب والأهل بالإضافة إلى الهيئة التعليمية، أمام تجربة جديدة لم يألفوها ولا يمتلكون العدّة اللازمة للتعاطي بنجاح معها.
(باحث وأكاديمي)