من الثابت أن التعليم في العالم العربي يُعاني من أزمة عميقة وغاية في الخطورة، وهذا لا علاقة له بالوباء ومضاعفاته فهو سابق على تفشيه وظهور تأثيراته. تبدو هذه المشكلة مستعصية بعدما بات التعاطي معها باعتبارها أمراً طبيعياً لا يشغل بال الوزارات المعنية بالتعليم العالي والتربية والتعليم. وإذا ما شغل مثل هذا الوضع أحد الوزراء يتم رمي منجزاته من مشاريع وخطط في سلة المهملات، ما إن يخرج من موقعه ويتسلمه آخر. وهكذا تضيع جهود تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات عن الإفادة منها.
وعليه، يبدأ الوافد الجديد من النقطة صفر، ويعيد دورة النقاش واستدراج المشاريع ليأتي سلفه فيفعل ما فعله هو. وبذلك نظل ندور في الحلقة المفرغة إياها. لذا لم يكن غريباً وصف العالم العربي بأنه أكبر بؤرة في العالم لإنتاج الأمية على سطح الكوكب. وأما الجامعات العربية فلم تكن أحسن حالاً بالمقارنة مع جامعات في دول أقل إمكانات بشرية ومادية، واستطاعت مؤسساتها التعليمية والبحثية أن تقدم للمجتمعات العلمية ولدولها الكثير من الاختراعات التي باتت جزءاً من مجمعاتها الصناعية وعمليات التنمية التي حققتها. إذ يظل الغالب على الجامعات العربية الدراسات والأبحاث النظرية بما فيها تصميم المقررات والمناهج وإعداد الكتب والمواد التعليمية بالأساليب التقليدية التي تكرس حفظ المعلومات واسترجاعها في عمليتي التعليم والتقويم، مما يقلل من الاهتمام بالإبداع والمهارات التعليمية العليا.
وفي وضع من هذا النوع، يعجز الناتج التعليمي عن تقديم مخرجات ذات قيمة تلبي الحاجات المعرفية والعلمية والاجتماعية والثقافية للمجتمع، ويقتصر دورها على تخريج دفعات متلاحقة من المتعلمين غير القادرين على عمل أي شيء مهم سوى إشغال الوظائف الإدارية والمكتبية. ويتضاعف هذا الوضع مع تحول الأستاذ الجامعي إلى العمل التدريسي دون القيام بالأبحاث العلمية التي تتفاعل مع التحديات النظرية والعملية المطروحة. إن غياب مبدأ الإنتاج، واعتبار الترقية مرهونة بالعلاقات الزبائنية مع المدير والرئيس وصاحب السلطة، هو ما أحال الكثير من الكليات والجامعات إلى "تكيات".
إذاً تبدو المشكلة لدى كل من الأستاذ والطالب على حد سواء. وهذا ما يقود إلى ضعف الدافعية والرغبة، ما ينعكس على نوعية التعليم العربي. وتعبير "نوعية التعليم" يعني ضعف القدرات التي يبنيها التعليم في عقل وشخصية التلميذ والطالب والمدرس كما زميلهم في الدول الصناعية.
إن السبب الأساسي في قصور محاولات الإصلاح التربوي في البلاد العربية، أو التردد في تبني الاستراتيجيات الإصلاحية بصورتها الشمولية يكمن في أن النظام التربوي نظام فرعي من نظام كلي شامل هو النظام السياسي والاجتماعي الاقتصادي السائد. ونتيجة للنظرة الجزئية في سياسة الإصلاح، نجد أن جهود أساتذة الجامعة والباحثين والمناهج والكتب الدراسية وأساليب التدريس المعدلة دون جدوى.
تقول كوستانزا فارينا، مديرة المكتب الإقليمي لليونسكو ومسؤولة التعليم في الدول العربية: "من الضروري ألّا نتراجع، وبدلاً من ذلك ينبغي أن نعمل معاً لضمان تحقيق الهدف الرابع ضمن أهداف التنمية المستدامة وأجندة 2030. ينبغي علينا أن نقدم الأدلة والتوجيهات لتوجيه عملنا الجماعي وضمان إعادة البناء بشكل أفضل".
(باحث وأكاديمي)