استمع إلى الملخص
- يؤكد على الأثر السلبي للفوضى الأمنية والحروب على التعليم، مشيرًا إلى الحاجة لتأهيل المعلمين، بناء مدارس جديدة، وتخصيص جزء كبير من الميزانية للتعليم.
- ينتقد التقرير التوسع الكمي على حساب الجودة في التعليم العالي، مشيرًا إلى مشكلات مثل الرشوة والفساد الأكاديمي، ويشدد على أن التغييرات السياسية لم تحرر الجامعات من الجمود والتوظيف السياسي.
كشف تقرير وضعته منظمة يونسكو عن التعليم في العراق لعام 2023 عن جملة مشكلات يعانيها القطاع، من بينها انتشار الرشوة والفساد، وكثرة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وعدم المساواة في الفرص التعليمية، ونقص البنية التحتية. وعرض التقرير عدة توصيات لتحسين جودة التعليم، منها إنشاء الأنظمة الفعالة لمراقبة المدارس وأدائها، ومكافحة الفساد عبر فرض الرقابة، والعمل على التوعية الاجتماعية.
وطالب التقرير بإصلاح النظام التعليمي، وتخصيص أكبر قدر ممكن من الميزانية العمومية لقطاع التعليم، وتأهيل المعلمين وتدريبهم على أساليب التدريس الحديثة، وبناء مدارس جديدة، وتحسين القائم منها. كذلك تحدث عن تأثير الفوضى الأمنية والحروب التي شهدها العراق وانعكاساتها على الواقع الاجتماعي والمستوى التعليمي.
وما ورد في هذا التقرير ينطبق أيضاً على التعليم العالي لجهة تحديد المشكلات، والتوصيات اللازمة للخروج من واقع مشكلاته المتراكمة. فمن المعروف أن العقدين المنصرمين شهدا توسعاً في فتح الجامعات الإقليمية والتخصصية، والكليات والأقسام المختلفة بالشكل الذي يسهل انسياب الدوام، ويستوعب زيادات القبول السنوية.
لكن هذه الخطوة، على أهميتها، قادت إلى تراكم كمي وليس كيفياً، فالمعروف أن المحافظات، خصوصاً البعيدة عن العاصمة، تعاني من فقدان البنية الملائمة للتعليم العالي، سواء العام أو الخاص، التي تشمل الأساتذة المؤهلين والمكتبات والمختبرات والمجتمعات العلمية بما توفره من نقاشات ومناخات تعليمية وتعلمية تفاعلية، وهو ما ينعكس على نحو واضح في غياب مشروعات الأوراق والأبحاث العلمية المطلوبة والمجدية، التي تتناول قضايا علمية ومجتمعية حاجة البلاد إليها ماسّة.
وتبيّن من دراسة الأبحاث التي تقدم بها طلاب الدراسات العليا أنها لا تخضع لتفاعلات وجدوى مجتمعية، وقد اختيرَت على نحو عشوائي، وأن النسبة التي تتمتع بالمواصفات المطلوبة لجهة التأثير في القطاعات المعنية لا تتجاوز خمسة في المائة من مجموع ما جرى نقاشه.
لكن الأسوأ من ذلك سيادة مناخ من الرشوة والفساد الأكاديمي في عدد لا بأس به من المؤسسات الجامعية، وينطبق ذلك على القطاعين العام والخاص، ومثل هذا الوضع لا يعبّر عن نفسه في الرسائل والأطروحات الجامعية فقط، بل حتى في الصفوف الدراسية، فالتلاعب يتجاوز منح الشهادات إلى المواد الصفية، ما يعني أن الخريج لا يملك الكفاءة الجامعية، ولا القدرة على القيام بأبحاث مفيدة للمجتمع والبيئة التي يعيش فيها.
ولعلّ الاقبال على حيازة الشهادة أو الرتبة الجامعية بات أحد مقاتل التعليم العالي في العراق، وقد تجاوز هذا الفساد حدود البلاد إلى الدول التي يقصدها الطلبة العراقيون للحصول على شهادات من مؤسساتها التعليمية، وهنا أيضاً تنبت الفضائح كالفطر، وتطاول مؤسسات جامعية حكومية وخاصة على السواء، وقد وصل العديد منها إلى القضاء، إلّا أنّ العدد الأكبر جرى التستر عليه.
وقد رافق التغيير الشامل الذي عصف بالعراق متغيرات عدة، أولها البعد الديمقراطي الذي كان يجب أن يترافق مع التحرر من الجمود والتوظيف السياسي للجامعة. لكن هذا لم يحدث، ويتحمل المسؤولية عنه التركيبة السياسية الطائفية التي أمسكت بزمام الأمور.
قبل هذه العاصفة كان العراق يملك بنية تعليمية من بين الأفضل عربياً على مستوى الكفاءات المؤهلة للنهوض بالمجتمع، وتوظيف الموارد المتوافرة في عملية إعادة البناء، وفي المقدمة منها المتعلمون الذين يشكلون قاطرة تقود مستقبل الوطن.
(باحث وأكاديمي)