أكدت الهيئة العامة الحكومية للبحث والتعرف إلى المفقودين في ليبيا، معرفة هويات 5 جثث انتشلت في وقت سابق من إحدى مقابر مدينة ترهونة، وذلك بعد أن أعلنت التعرف إلى هويات 11 جثة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ليصل مجموع الجثث التي تحددت هوياتها إلى 180 منذ بدء الأعمال في هذه المقابر في يونيو/ حزيران 2020.
وتجمّع عشرات من أهالي الضحايا، في عدة مناطق جنوبي طرابلس وترهونة لدفن أبنائهم بعدما أبلغتهم الهيئة، فيما ما زالت عشرات الأسر الأخرى تنتظر إجلاء مصير أبنائها المفقودين.
ويصف محمد الزياني، صديق أحد المفقودين الذي جرى التعرف إلى جثته، الموقف بأنه "صعب جداً، خصوصاً أنني وقفت سابقاً في موقف مماثل لمن دفنوا أبناؤهم أخيراً. وقد تابعت تفاصيل اختفاء صديقي، الذي قتل بالتأكيد على أيدي قوات مليشيا كتيبة الكانيات (قوة اللواء التاسع)، وواجهت صعوبة في إبلاغ أسرته بالتعرف إلى جثته بين الجثث التي انتشلت، لذا أدرك شعور من دفنوا موتاهم أخيراً".
يضيف في حديثه لـ"العربي الجديد": "لم يكن لصديقي أي موقف سياسي ولم يؤيد أي طرف من الأطراف المتقاتلة في الحرب جنوبي طرابلس، لكنه وقع ضحية بلاغات كيدية تلقتها المليشيات التي سيطرت على المنطقة، والتي دأبت على خطف أي شخص يتم الإبلاغ عنه من دون إجراء أي تحقيق. وهو خطف تحديداً من محل كان يعمل فيه في مطلع عام 2020، واختفى من دون ترك أي أثر على مكان وجوده، قبل أن تبلغ السلطات ذويه بالتعرف إلى جثته ضمن عدد من الجثث التي انتشلت من مقابر ترهونة".
ويرجح الناشط الحقوقي جمال الأنصاري ارتباط وجود أعداد كبيرة من الجثث في مقابر ترهونة بتصفية مليشيات كتيبة الكانيات كل من كانوا موجودين في سجونها تباعاً عندما عرفت أن خسارتها الحرب باتت وشيكة، ويقول لـ"العربي الجديد": "كان غرض مليشيا الكانيات إخفاء أي أثر لجرائمها، ويمكن أن يكون أفرادها قد بادروا إلى نقل بعض المعتقلين معهم وأخفوهم في سجون اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وذلك قبل إعلان تصفية مجموعة مجهولة زعيم الكتيبة محمد الكاني في بنغازي وسط ظروف غامضة في يوليو/ تموز 2021، والذي أرى أنه يدل على محاولة إخفاء أهم أدلة صلة خليفة حفتر وقياداته بجرائم ترهونة"، علماً أن مليشيا الكانيات عرفت بتبعيتها لخليفة حفتر، وخاضت معه الحرب التي شهدتها طرابلس وضواحيها عامي 2019 و2020، حين اعتبرت ترهونة أحد أهم معاقل قوات حفتر في الغرب الليبي، قبل أن تسيطر قوات الحكومة في الغرب عليها في يونيو/ حزيران 2020.
وتنتمي قوة الكانيات إلى مدينة ترهونة التي تقع على بعد 95 كيلومتراً من جنوب شرقي طرابلس، وسميت نسبة لعائلة "الكاني" التي تسيطر على القوة. وبعد انتهاء الحرب غادرت قوة الكانيات إلى شرق البلاد، حيث ما زالت تتمركز فيها.
ويؤكد الأنصاري أن مكتب النائب العام يتابع قضية مقابر ترهونة، لكنه يرى أن "الاعتبارات السياسية منعت إعلان مطالبة النيابة قيادة خليفة حفتر بضرورة تسليم شخصيات قيادية في الكانيات من أجل التحقيق معهم في القضية التي ستفتح يوماً ما".
وأعادت زيارة المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان إلى ليبيا، وتحديداً إلى ترهونة، مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، الأمل في إعادة تنشيط ملف المقابر الجماعية.
وكان خان قد أعلن، في تقرير قدمه إلى مجلس الأمن بعد زيارته ترهونة، أنه اطلع على كل الجهود التي تنفذها السلطات الليبية، بما فيها مكتب النائب العام، وأنه قابل عدداً من الناجين وعائلات ضحايا مقابر ترهونة، لكنه لم يدل بكل تفاصيل ما توصل إليه. كما أعلنت منظمات دولية، منها "هيومن رايتس ووتش"، أنها التقت عدداً من الناجين من سجون الكانيات، وأفراداً من أسر الضحايا، لكنها تحفظت عن ذكر الأسماء خوفاً على حياتهم.
ويرى الأنصاري أن "وجود التحقيقات الدولية مهم، لأن المتورطين المحليين في الداخل يخشون دائماً الحديث عن أي قضية، لكن التدخل الدولي لا يشكل أكثر من عامل ضغط، ما يعني أننا لا نستطيع أن نعول عليه"، ويشير إلى أن "خوف بعض أهالي الضحايا جعلهم يقررون تسليم أمرهم للقدر، علماً أن ملف القضية تضمن شهادات لعشرات الأشخاص وأفراد أسر ضحايا، ما يجعل الملف يفرض نفسه في منظومة القضاء الليبي الذي قد يخرج يوماً إلى العلن".