التبرّع بالأعضاء ينتشر في إيران

21 سبتمبر 2020
زرع كلية (Getty)
+ الخط -

عاماً بعد عام، تنتشر ثقافة التبرع بالأعضاء في إيران، وإن كانت عائلات ترفض الرضوخ للأمر، علماً أن السلطات في البلاد تجيز التبرع بالأعضاء في حال الموت الدماغي

"كان الشوق يخنقني ويحاصرني، فوصلت إلى الموعد قبل أن يحين. لم أستطع البقاء في المنزل. الثواني كانت تمرّ كأنها ساعات. كنت مشتاقة لسماع دقات قلب ابني. منذ أشهر طويلة وأنا أنتظر هذا اللقاء بفارغ الصبر". بهذه الكلمات، أعربت طاهرة رامتين عن مشاعرها خلال وجودها في صالة الانتظار في مستشفى مسيح دانشوري. قبل عامين، فقدت ابنها مهدي (16 عاماً) في حادث سير. وبعد وفاته دماغياً، وافقت عائلته على التبرع بقلبه لمريض كان محكوماً عليه بالموت.
كانت طاهرة مع ابنتها في صالة الانتظار في المستشفى حين فُتح الباب ودخل مرتضى مع زوجته، الشخص الذي منحه مهدي قلبه. هرعت الأم طاهرة نحو مرتضى ووضعت يدها على قلبه وكأن ابنها ما زال حياً. 

كوفيد-19
التحديثات الحية

تقول طاهرة: "قدر مهدي أن يختم حياته محسناً. الآن، أشعر بأنه ما زال حياً، أقله معنوياً، بعدما منحنا أعضاءه لمرضى في حاجة إليها. أصررت كثيراً على التعرف إلى الشخص الذي حصل على قلب فلذة كبدي، لكن الأطباء رفضوا الأمر، وأكدوا أن ذلك غير ممكن. إلا أن مشيئة الله أتاحت لي التعرف إليه ولقائه، الأمر الذي منحني الهدوء".
قصة التبرع بأعضاء مهدي بعد موته دماغياً هي واحدة من بين آلاف القصص الإنسانية المماثلة في إيران. ويمكن المتوفى دماغياً أن ينقذ حياة ثمانية أشخاص في حال التبرّع بأعضائه، مثل القلب والرئتين والكليتين والبنكرياس والكبد وغيرها.
وبات التبرّع بالأعضاء أكثر انتشاراً في البلاد. ويحرص البعض على كتابة وصية بالتبرع بالأعضاء في حال موتهم دماغياً. ويراجعون مستشفيات لتسجيل أسمائهم والحصول على بطاقة واهب أعضاء، وهو ما يعتبره البعض موتاً مثالياً. فإذا حان أجل الإنسان، الأفضل أن "يمنح الحياة لغيره". ويقول بعض المتبرعين إن أجسادهم بعد الموت ستكون طعاماً لكائنات تحت الأرض. لذلك، الأفضل أن تُهدى أعضاؤهم إلى الغير في حال الموت الدماغي، ليعيشوا أياماً أجمل على الكرة الأرضية.
وبحسب بيانات إيرانية رسمية، استحصل نحو 10 في المائة من الإيرانيين على بطاقة واهب أعضاء، أي ما يقارب 8 ملايين شخص، لنقل أعضائهم في حال الموت الدماغي إلى مرضى يحتاجون إليها. وبسبب زيادة الاهتمام بالأمر في البلاد، اختارت إيران يوم العشرين من مايو/ أيار من كل عام ليكون يوماً وطنياً للتبرع بالأعضاء.
على المقلب الآخر، يواجه المتبرعون تحديات بسبب عدم إدراك البعض لمعنى الموت الدماغي، أو التفرقة بين الموت والغيبوبة. وعليه، ترفض بعض الأسر الإيرانية التبرع بأعضاء موتاها دماغياً. وعلى الرغم من التزام العائلات وصية الميت، إلا أن القرار النهائي يعود للعائلة بعد الموت. 
وطُرح التبرع بالأعضاء لأول مرة من قبل الفيلسوف والطبيب ابن سينا، مؤلف كتاب "القانون في الطب". وشهدت إيران أول عملية زرع للأعضاء قبل 80 عاماً من خلال زرع قرنية. إلا أن التبرع بأعضاء الموتى دماغياً ظل أمراً شائكاً، إلى أن أصدرت المرجعيات الدينية في إيران فتاوى أجازت فيها الأمر، ليُطرح بشكل جاد في البلاد عام ألفين بعد سنّ قانون في هذا الخصوص في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) في إبريل/ نيسان من هذا العام.
وبحسب تقارير رسمية، يموت ما بين 6 إلى 8 آلاف شخص دماغياً سنوياً، 50 في المائة منهم بسبب حوادث السير، نصف هؤلاء يمكنهم التبرع بأعضائهم بعد الموت، أي نحو 3 إلى 4 آلاف حالة في السنة. ويجري التبرع بـ 25 في المائة من هذا الرقم، أي نحو الربع.
وفي وقت سابق، قال رئيس قسم توفير الأعضاء في جامعة بهشتي في طهران، فرحناز صادق بيغي، إن 25 ألف إيراني في قائمة الانتظار للحصول على أعضاء، معظمهم مرضى كلى، يليهم مرضى الكبد والقلب والرئة، مشيراً إلى وفاة 12 إيرانياً يومياً بسبب عدم حصولهم على أعضاء، وهم في قائمة الانتظار.
واحتلت إيران الموقع الأول في آسيا لجهة التبرع بالأعضاء، والموقع الـ 38 في العالم خلال عام 2018. وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع عدد المتبرعين باطّراد خلال السنوات الأخيرة، في وقت ارتفع فيه مؤشر عدد الأعضاء المتبرع بها لكل ملیون نسمة في البلاد من 0.2 في المائة عام 2000 إلى 11.26 عام 2018، أي إنه سجل نمواً بنسبة 60 في المائة. ولا يخفى أن ظروف تفشي كورونا في إيران منذ فبراير/ شباط الماضي حتى اليوم عقّدت عملية نقل الأعضاء وزرعها بسبب تشديد المعايير، فضلاً عن انشغال معظم المستشفيات بمكافحة الفيروس لتفشيه الكبير في البلاد. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وتشير مواقع إيرانية إلى أنّ الحالات التي بات الأفراد يقرّرون فيها وهب أعضائهم بأنفسهم بعد وفاتهم، إلى ارتفاع، وتراوح أعمار هؤلاء ما بين 20 و30 عاماً. وفي البلاد اليوم، نحو ثلاثة ملايين واهب مستعدّون للتبرّع بأعضائهم في حال تعرّضهم للوفاة في أي لحظة، وهو ما يعني إنقاذ كلّ واحد منهم نحو سبعة أو ثمانية أشخاص.
تجدر الإشارة إلى أنّ عدد واهبي الأعضاء راح يتزايد منذ عام 2012. وتفيد مواقع رسمية بأنّ 96.3 في المائة من العائلات التي يُقترح عليها وهب أعضاء مريضها المتوفى بسبب الموت الدماغي، باتت توافق على الأمر، خصوصاً أنّ التبرّع يكون ببعض الأعضاء ليدفن جثمانه بعدها.