لا تستجيب عمليات التبرع بالأعضاء في تونس لتطلعات آلاف المرضى الذين ينتظرون دورهم منذ سنوات، في وقت ترفض عائلات لأشخاص متوفين دماغياً التبرع بالأعضاء، خوفاً من وجود تجارة، أو لأسباب دينية، إذ يرى البعض أن التبرع بالأعضاء قد يكون من المحرمات.
يقول المدير العام للمركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء جلال الدين الزيادي لـ"العربي الجديد": "شهدت عمليات التبرع بالأعضاء تراجعاً كبيراً خلال فترة جائحة كورونا، إذ أجريت 10 عمليات زرع كلى وعملية واحدة لزرع قلب فقط عام 2021، ثم توسع نسق التبرع هذا العام عبر إجراء 33 عملية زرع كلى و13 عملية زرع قلب و7 عمليات زرع كبد. لكن في كل الأحوال تعتبر هذه الأرقام أقل من المأمول، خاصة أنه يوجد 1646 شخصاً على قائمة انتظار زرع الكلى".
يتابع: "عند حصول قصور كلوي لا بدّ من متبرع من العائلة تحديداً. وعدة أطر قانونية ونفسية تحدد الشروط، لكن الأهم تطابق الأنسجة بين المتبرع والمتلقي. وقد حدد القانون رقم 1991 الصادر عام 1998 الشروط التي تطبق في حال توقف القلب والدورة الدموية، أو توقف المخ، حيث يجرى التدخل لإنعاش الأعضاء لفترة قصيرة تتراوح بين 12 و24 ساعة، تمهيداً لنقلها إلى جسم المريض".
ويؤكد "وجود شفافية في عمليات زرع الأعضاء في تونس، إذ تتوفر ملفات طبية لكل العمليات. وعندما نريد معرفة تاريخ أي عملية نجد كل المعطيات موثقة، والمطلوب اليوم تكافؤ الفرص في عمليات الزرع، وفق منظومة معلوماتية تتضمن بيانات المريض والعضو الذي يحتاجه، وصنف دمه، ما يمنح الجميع أولوية، وإمكان التدرج في القائمة من دون وساطات وتدخلات".
يضيف: "لا يوجد حتى اليوم أي عملية تجارة بالأعضاء في تونس، كما لا يمكن أن يجري شخص عملية زرع إلا إذا كان متخصصاً في المجال، وهؤلاء قليلون، علماً أن أدوية خاصة بزرع الأعضاء تمنح بترخيص من الصيدلية المركزية والمركز الوطني، وهي مهمة لحماية العضو الذي ستتم زراعته عند نقله. وبعد العمليات يجرى تحليل الأنسجة في مختبرات معينة. وهذه الأسباب تمنع زرع الأعضاء بطريقة غير قانونية في تونس، أما خارجه فالتجاوزات ممكنة، وعادة تكشف بسرعة لأن المتبرع يحاول بمجرد عودته البحث عن أدوية".
ويلاحظ أن "بين أسباب عزوف التونسيين عن التبرع بأعضائهم، الجانب الديني، علماً أن التبرع حلال ويعتبر صدقة جارية بحسب غالبية المعنيين بالشأن الديني".
ويرى أستاذ الطب الشرعي في مستشفى شارل ديغول بتونس العاصمة رئيس مجمع الأطباء الشرعيين في تونس، محمد علوش، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "التبرع بالأعضاء يخضع لضوابط قانونية كثيرة يورد بعضها القانون 1991 الذي يحدد الضمانات القانونية، وآليات التبرع في حالات الموت الدماغي. ومن أصل 19 حالة موت دماغي حصلت هذا العام، انحصرت عمليات التبرع بأعضاء بعينها فقط، ما سمح باستفادة بعض المرضى منها. كما توجد حالات تبرع من أشخاص أحياء. وبين الشروط والضوابط التي تحدد الحصول على أعضاء، عدم تأثر المتبرع بعملية النقل، علماً أنه يتم اللجوء إلى الإنعاش الاصطناعي في حالات الموت الدماغي، ما يعني أنه لا يمكن الحصول على أعضاء من أشخاص توفوا في بيوتهم، علماً أن حالات معينة تتطلب وجود المتوفي في قسم الإنعاش، وإخضاعه لتنفس اصطناعي وتدابير طبية وصحية أخرى".
ويشير إلى "تحديد فحوص لأعضاء المتوفي، وتخطيط للأوعية الدموية، مع ضرورة وضع صفة متبرع فوق بطاقة الهوية بحسب قانون 1991، واستشارة العائلة التي تملك الكلمة الفصل في الموافقة على التبرع بالأعضاء أو عدمه، وبالتالي حصوله".
ويكشف أن "المتبرع الحي يتبلغ كتابياً بالمخاطر والمضاعفات التي قد تحصل، لأن هناك نجاحاً وفشلاً في هذه العمليات، ونسبة النجاح ترتبط بنوع العضو الذي يتم التبرع به، ففي الكلى تتجاوز نسبة النجاح 90 في المائة، فيما تقل في الكبد والقلب".
وفيما تعتبر أمراض ضغط الدم والسكري بين الأهم التي ينتج عنها قصور كلوي، يقول مسؤولون في وزارة الصحة إن أكثر من 3 ملايين تونسي مصابون بأمراض ضغط الدم، التي تؤدي بدورها إلى أمراض القلب، والتجلطات الدموية، وأمراض الكلى، ما يتطلّب استنفاراً عاماً لمكافحة هذا القاتل الصامت".
وتتحدث الوزارة عن أن أمراض ضغط الدم "تحوّلت إلى مشكلة صحية كبرى في تونس، إذ تشكل مع أمراض السكري والأمراض التنفسية المزمنة وأمراض القلب والسرطان 80 في المائة من مجموع الوفيات، و60 في المائة من نفقات التأمين الصحي".