تشهد مدينة الإسكندرية رواجاً سياحياً كبيراً طوال أشهر الصيف التي تجلب إليها المصطافين من مختلف المحافظات المصرية، فضلاً عن السائحين الأجانب، لكن ذلك الرواج ينتهي بمجرد انتصاف شهر سبتمبر/أيلول من كل عام، لتتقلص الأعمال القائمة على سياحة الشواطئ، وتدخل عمالة الشاطئ الموسمية موسم "البيات الشتوي".
تختفي مهن عدة ويتوقف كثيرون عن العمل مع مغادرة المصطافين شواطئ الإسكندرية، من بينهم بائعو "الفريسكا" والأيس كريم، وباعة العوامات، ومن يعملون في تأجير الكراسي والشماسي، وغيرها من المهن التي تنتعش في الصيف، ليجد هؤلاء أنفسهم أمام تحدي تلبية احتياجات أسرهم خلال الشتاء، في ظل انقطاع الدخل، وندرة الوظائف البديلة، وتفشي الغلاء.
وأعلنت محافظة الإسكندرية ختام موسم الصيف السياحي لعام 2023، في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول، وفتح الشواطئ للمواطنين بالمجان للتريض والمشي، بالتزامن مع استقبال فصل الخريف، وبدء العد التنازلي لانطلاق العام الدراسي الجديد. وأكدت الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية، انخفاض الإقبال على الشواطئ، مقارنة بأشهر ذروة الموسم، على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة، إذ سجلت نسب الإشغال في شواطئ القطاع الشرقي نسبة 30 في المائة، والنسبة في شواطئ القطاع الغربي ومنطقة العجمي 20 في المائة فقط.
يقول أحمد سمعان، وهو بائع متجول على شواطئ شرق الإسكندرية لـ"العربي الجديد": "الشواطئ مصدر رزقي الوحيد، وخلال فصل الشتاء أشعر بخيبة الأمل مع انعدام الأعمال فيها. من دون العمل على الشاطئ يكون توفير الطعام يومياً لأسرتي تحدياً كبيراً، وللتغلب على تلك المشكلة السنوية أقتصد في إنفاق المكسب الذي حصلت عليه خلال فترة الصيف، وما أوفره يساعدني لفترة إلى حين البحث عن فرصة عمل مؤقتة تساعدني على تجاوز هذه الفترة الصعبة".
ويؤكد عادل محمود، وهو عامل تأجير كراسٍ ومظلات على شاطئ الشاطبي بوسط الإسكندرية: "تنعدم فرص العمل تقريباً في فصل الشتاء، وتصبح حياتنا سلسلة من القلق والضغوط المالية. أنا أب لثلاثة أطفال، وأحاول بذل جهدي لتأمين احتياجاتهم الأساسية. المصايف تعتبر موسماً ينتفع منها آلاف العاطلين، لكن بعد انقضاء الصيف تصبح الشواطئ فارغة، ولا يجد العامل أو البائع الزبائن الذين يعتمد عليهم في كسب عيشه اليومي، حتى إن العديد من أصحاب الشماسي والكراسي يقررون رفعها أو تخزينها حتى موسم الصيف المقبل. مع دخول الشتاء، نعاني جميعاً من البطالة، ونجد أنفسنا من دون دخل ثابت، ما يؤثر بحياتنا، ونبحث عن فرص عمل بديلة لنتمكن من تأمين حياة أولادنا".
ويقول صاموئيل جورج، وهو عامل على شاطئ البوريفاج: "أشهر الشتاء فترة صعبة على غالبية المهن الموسمية المرتبطة بالصيف، على الكورنيش والبحر، والباعة المتجولون الذين يجدون في الصيف فرص عمل ورزق لا يملكون سبيلاً لبيع بضاعتهم مع غياب الزبائن. غالبية عمال الشواطئ، والعاملين في الأنشطة الخدمية الموسمية يعملون مؤقتاً، ومن دون تعاقد رسمي، أو تغطية تأمينية، ما يجعلهم غير قادرين على توفير حياة كريمة لعائلاتهم". ويرفض مسؤولو الإدارة المركزية للسياحة والمصايف بالإسكندرية التعليق على أزمة عمال الشواطئ، باعتبار أنهم "عمالة موسمية حرة"، وبالتالي فهم لا يتبعون الإدارة الحكومية.
بدوره، يقول عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات، علاء حسب الله، لـ"العربي الجديد"، إن "التغلب على هذه الأزمة يحتاج إلى اتخاذ السلطات المحلية والمؤسسات ذات الصلة إجراءات فورية، والتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتشجيع الاستثمار في مشروعات تعزز الاقتصاد المحلي، وتوفر فرص عمل بديلة لعمال الشواطئ خلال الشتاء، ويمكن تقديم دعم مالي لعمال الشواطئ المتأثرين، أو منح قروض ميسرة، أو مساعدات نقدية لتغطية احتياجاتهم الأساسية، وتعزيز التدريب المهني لتطوير مهاراتهم بما يمكنهم من الحصول على فرص عمل خلال فصل الشتاء في مجالات مثل الضيافة والخدمات العامة".
وترى عضو لجنة السياحة بمجلس النواب، هند رشاد، أن "أزمة عمال الشواطئ واحدة من بين عدة أزمات يمكن حلها مجتمعة عبر وضع خطة للترويج لموسم سياحي شتوي، وقد جُرِّب ذلك في العديد من الدول، ويمكن تحويل المدن الساحلية إلى وجهة سياحية مستدامة. يمكن استثمار الشواطئ خلال هذه الفترة في تنظيم مهرجانات فنية أو فعاليات ثقافية ورياضية وترفيهية، فضلاً عن استثمار مرافق المشروعات السياحية ومراكز التسوق والمطاعم المطلة على البحر لجذب السياح خلال الشتاء".