قبل أيام، نفذت بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس أمر هدم كانت أصدرته أخيراً بحق منزل عائلة الباحث المختص في شؤون القدس فخري أبو دياب الذي بادر مع نشطاء آخرين في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى قبل الهدم، لإطلاق حملة دفاع عن حي البستان، أحد أشهر أحياء سلوان، عنوانها "حي البستان مش للبيع".
يؤكد الباحث أبو دياب الذي التقاه "العربي الجديد" في المسجد الأقصى، أنه شرع قبل الهدم برحلة شاقة من البحث عن منزل بديل يستأجره، وهو كان يخشى أن تأتي طواقم الهدم على حين غرّة لتنفذ القرار بعد أن رفض هدم منزله بيديه، وهو لم يكن يرغب في أن يتم ذلك على مرأى من زوجته التي لن تحتمل مشهد الهدم، وقد أمضت سنوات عمرها في المنزل.
المعضلة الكبرى التي واجهت أبو دياب في بحثه عن منزل، هو ارتفاع بدلات الإيجار والأرقام الخيالية التي تتراوح بين ستة آلاف وثمانية آلاف شيكل (بين 1500 و2200 دولار) شهرياً، وهو مبلغ كبير لا يستطيع تأمينه، بينما اضطر أحد أبنائه للانتقال إلى بيت مستأجر بواقع أربعة آلاف وخمسمائة شيكل شهرياً، وهو بدل إيجار مرتفع لمن يئنون تحت وطأة الضرائب، خاصة ضريبة السكن والمعروفة بالأرنونا.
لعل هذا الواقع الذي تحول الى كابوس بالنسبة لأبو دياب ولأهالي حي البستان، دفعهم إلى إطلاق حملة "البستان مش للبيع".
عن هذه الحملة يتحدث أبو دياب، قائلاً: "يبلغ عدد سكان حي البستان جنوب المسجد الأقصى 1550 نسمة، وهو يمتد على مساحة 72 دونماً"، مشيراً إلى أن "بلدية الاحتلال هددت بهدمه من خلال مخطط وضعته لهذا الغرض، علماً أننا كنا تقدمنا بمخطط في البداية لمنع الهدم، إلا أن كلّ المخططات التي قدمناها رفضت، وفي المقابل قدمت بلدية الاحتلال مشروع مخططها الخاص والذي سيُفرض علينا، حيث طلبت منا التوقيع على أوراق وزعتها على أهالي البستان، تشتمل على بنود من أهمها أن نوافق على هدم منازلنا، وألا نعترض على أوامر الهدم، وأن تؤول ملكية البستان لبلدية الاحتلال، وكذلك الموافقة على مشروع لم نره ولم نطلع على تفاصيله، مشترطة أولاً موافقتنا على شروطها لتعرضه علينا لاحقاً".
ويتابع أبو دياب: "بالتالي، كان ردنا على هذه المخططات إطلاق حملة "البستان مش للبيع"، خاصة بعد أن بدأت بلدية الاحتلال في القدس إجراءات عملية بهدم منازل، وكان آخرها هدم منزل الشهر الماضي لعائلة جلاجل، كما هدمت جزءاً من منزل عائلة الرجبي، حتى منزلي الذي هدم هو الآخر، ومن هنا كانت حملتنا لتوعية المواطنين، وهي أيضاً بمثابة صرخة للمؤسسات الرسمية والدبلوماسية وللعالم الذي فقدنا الثقة فيه، على أمل أن نرى من سيضغط على دولة الاحتلال لمنع هدم منازلنا، علماً أن عمر بعض هذه المنازل أكبر من عمر الاحتلال، وبعضها بني قبل عشرات السنين، ومنزلي بني قبل أكثر من خمسة وأربعين عاماً".
دوافع سياسية
يرى أبو دياب أن دوافع سياسية تقف وراء استهداف حي البستان في هذه المرحلة، حيث تنفذ المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، ومنها بلدية الاحتلال، مجموعة من المشاريع التي تستهدف بالأساس المسجد الأقصى، لأن حي البستان جزء من الحوض المقدس الذي يبدأ من الشيخ جراح، وصولاً إلى سلوان في الجنوب، التي لها نصيب الأسد من مخططات الاحتلال الهادفة إلى إقامة حدائق تلمودية وتوراتية، وربطها بحي بطن الهوى المهدد بالتهجير والطرد وإقامة مستوطنة، ووادي حلوة، لخنق البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وتحديداً المسجد الذي هو في بؤرة الاستهداف.
ويشير أبو دياب إلى أن الاستهداف الحالي لحي البستان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يجري في حي وادي الربابة المتاخم للبستان جنوبي الأقصى.
ويقول أبو دياب: "ما يجري في البستان هو جزء من المخطط الذي تقوم به المؤسسة الاحتلالية لتهويد البلدة القديمة من القدس، حيث يوجد هناك مشروع وضع سنة 1996، ووقع عليه (رئيس حكومة الاحتلال) بنيامين نتنياهو، يقضي بتعزيز وتكثيف الاستيطان والمشاريع التهويدية، وطمس المعالم العربية في محيط البلدة القديمة، وزيادة عدد المستوطنين. ففي وادي الربابة مثلاً، هناك أربع حدائق توراتية وجسر هوائي معلق للمشاة، وصولاً للقصور الأموية جنوبي المسجد الأقصى".
يذكر أن 116 منزلاً في حي البستان تسلّمت أوامر هدم من بلدية الاحتلال في القدس، في حين يوجد في بلدة سلوان عموماً 87 بؤرة استيطانية تم الاستيلاء عليها.
ويبلغ عدد المستوطنين في هذه البؤر، بما في ذلك مستوطنة راس العامود التي تشكل امتداداً لسلوان، ما مجموعه 3242 مستوطناً حتى نهاية 2023.
يذكر أن 97% من الطلبات التي يُقدمها المقدسيون لبلدية الاحتلال للحصول على رخص البناء يتم رفضها، في المقابل، يتم قبول 99% من طلبات المستوطنين، استناداً لما يقوله أبو دياب، مشيراً إلى أن الاحتلال قدّم 22 مخططاً للتوسع الاستيطاني، بإجمالي 16060 وحدة استيطانية في القدس المحتلة.