يأتي البرد القارس هذه الأيام ليفاقم معاناة المعتقلين في السجون المصرية، إذ ينهش عظامهم، كما ينقل أهلهم، كأنّما لا يكفيهم ما يقاسونه أساساً.
قبل أيام، نقلت مريم صفوان ثابت، ابنة رجل الأعمال المصري صفوان ثابت، تفاصيل زيارتها الأخيرة لوالدها، كاشفة أنّه "بردان" لأنّ شبابيك الزنازين مفتوحة. وكتبت على صفحتها الخاصة على موقع "فيسبوك": "زرت بابا وكان بردان!! بابا أكتر من 75 سنة!! أبويا صفوان رجل الاقتصاد الغني عن التعريف! هو وأخويا في زنازين انفرادية في أسوأ سجون مصر! شبابيك الزنازين مفتوحة في البرد ده! أهالينا وحبايبنا اللي غاليين علينا أوي عايزينهم يتدفوا في بيتوهم وسطينا! خرّجوهم كفايه كده".
وقد تمّ تداول منشور ابنة صفوان ثابت بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي، علماً أنّ حديثها ليس مستغرباً ولا جديداً، بل هو يأتي كتأكيد على شدّة التنكيل بالسجناء حتى الأغنياء منهم. لكنّ ثمّة تعليقاً على منشور ابنة صفوان ثابت ادّعى فيه كاتبه أنّ السجون الجديدة في مصر من أفضل وأحدث سجون العالم ولا شبابيك مفتوحة فيها أو محطّمة، وقد طالبها بالكشف عن اسم السجن حيث والدها وشقيقها سيف. فردّت مريم بمنشور آخر كتبت فيه: "بابا محبوس في طره المزرعة! زرت بابا في شديد الحراسة 2. اتكلمت معاه في السماعة في كبينة صغيرة فيها زجاج عازل بينا! كلّ مرّة أطلب منهم إني أحضن بابا والرد يكون بعدم السماح، والمحادثة أكيد مسجلة! بابا سألته لما لقيته بردان رغم إن عنده بطاطين (هل شبّاك السجن مفتوح) فقال لي (قافلينه بكيس نايلون). أستاذ فريد أتمنى ما تجرّبش الظلم بنفسك عشان تصدق".
وتشهد المدن والمحافظات المصرية بمعظمها درجات حرارة منخفضة وبردا قارسا تزداد حدّته في ساعات الليل، فضلاً عن هطول الأمطار بكثافة على السواحل الشمالية والقاهرة الكبرى والدلتا. يأتي ذلك في حين تفتقر السجون المصرية إلى مقوّمات الصحة الأساسية والتي تشمل الغذاء الجيّد والمرافق الصحية ودورات مياه تناسب أعداد السجناء وكذلك الإضاءة والتهوية والتريّض. كذلك هي تعاني في معظمها من الاكتظاظ الشديد في أماكن الاحتجاز، لكنّ هذا الاكتظاظ هو مصدر الدفء الوحيد وسط برد الشتاء.
وتُعَدّ حملات تجريد الزنازين أشد أنواع التنكيل التي تمارسها السلطات، ولعلّ آخرها ما حدث في سجن أبو زعبل 2، إذ أكّدت منظمات حقوقية مصرية تلقّيها استغاثات من أهالي السجناء حول معاناتهم من البطش والتنكيل من قبل ضباط الأمن الوطني. وجاء أنّ "هذه الاستغاثة العاجلة من معتقلي سجن ليمان أبو زعبل 2، بعد تهديدهم من قبل ضابط الأمن الوطني على مدار الأسابيع الماضية، وذلك بالتزامن مع ترحيل السلطات الأمنية المصرية مئات المعتقلين السياسيين من سجون منطقة طرة إلى سجون أبو زعبل، حيث مارست الأجهزة الأمنية بليمان أبو زعبل 2 وبأوامر مباشرة من ضباط الأمن الوطني حملات تجريد وتعذيب جماعي، شملت الضرب بالأيدي والركل بالأرجل والإهانة اللفظية والسباب والشتائم". وأكّد الأهالي تواصل الانتهاكات بحرمان المعتقلين من إدخال الأغطية والملابس الشتوية وتركهم ينامون على الأرض، لتجتمع عليهم قسوة السجن مع برد الشتاء، بالإضافة إلى حرمانهم من الأدوية والمستلزمات الضرورية للنظافة العامة والخاصة.
ولأسباب غير معلومة، ترفض أحياناً إدارات السجون في مصر إدخال ملابس ثقيلة أو بطانيات، مثلما حدث مع أسرة الكاتب عامر عبد المنعم، الصحافي في جريدة "الشعب" وعضو نقابة الصحافيين المصرية، والمحتجز منذ 18 ديسمبر/كانون الأول 2020 في سجن ليمان طرة على ذمة القضية رقم 1017 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا. وقد أعلنت أسرته أنّه يعيش ظروف حبس قاسية تزيد حالته الصحية سوءاً وتعرّض حياته للخطر. وقالت الأسرة في بيان أخير لها حول ظروف حبسه إنّ "بطانية واحدة لا تكفي.. الكاتب الصحافي المصري عامر عبد المنعم محروم من حقه في التدفئة والعلاج ويعاني من أوضاع الحبس المزرية"، مطالبة السلطات المصرية بالسماح له بأبسط حقوقه الإنسانية في ظروف حبسه المزرية، من قبيل تمكين الأسرة من إدخال ملابس وغطاء ثقيل يقيه برد الزنزانة.
وكانت حملات حقوقية واسعة النطاق قد أُطلقت على منصات التواصل الاجتماعي تحت شعار "برد الزنازين" تطالب السلطات المصرية بإدخال كلّ مستلزمات التدفئة للمعتقلين في السجون المصرية، مؤكدة تعمّد إدارة سجون حرمانهم من التدفئة في برد الشتاء، من خلال نقص البطانيات ومصادرة الملابس الشتوية وتقليل نسب الطعام المقدّمة لهم. يُضاف إلى ذلك أنّ "الزنازين الإسمنتية والمصمّمة بصورة تمنع دخول حرارة الشمس، لا تقي من البرد القارس، ما يعرّض المحتجزين للإصابة بأمراض عدّة، وللموت البطيء الذي ينتظره كثيرون من المرضى داخل السجون ما لم يتمّ تدارك هذه الانتهاكات".