البرد يحاصر الأفغان بسبب الفقر والبطالة

12 نوفمبر 2022
يعمل على استخراج المعادن لبيعها (دانييل ليل/ فرانس برس)
+ الخط -

يبيع محمد عثمان (58 عاماً) الفاكهة والخضروات على عربة صغيرة في منطقة تيمني بروزه في العاصمة الأفغانية كابول، ويكسب يومياً 500 أفغانية (نحو 5.6 دولارات). يساعده ابنه محمد فرحان (13 عاماً) الذي ترك الدراسة لمساعدة والده في كسب الرزق وتأمين احتياجات عائلته وعائلة شقيقه الذي قضى قبل ثلاث سنوات بسبب حادث سير على الطريق الممتد بين كابول ومدينة جلال أباد شرقي أفغانستان.
ويقول محمد عثمان لـ "العربي الجديد" إن "توفير الخبز والاحيتاجات الأساسية أصبح عبئاً كبيراً علينا هذا العام. وعلى الرغم من اقتراب قدوم فصل الشتاء وتدني درجات الحرارة، لم أتمكن من شراء وسائل التدفئة. خلال الأعوام الماضية، كنا نشتري ونوفر للأسرة الخشب أو الفحم قبل بدء الشتاء. فمع بدء تساقط الثلوج، يصبح توفيرها صعباً. للأسف، نحن فقراء إلى أقصى درجة، ولا نملك الطعام. فكيف بتوفير وسائل التدفئة؟".
كان محمد عثمان يعمل في قسم الشرطة لدى وزارة الداخلية سابقاً. إلا أن وصول حركة "طالبان" وسيطرتها على الحكم أديا إلى إقالته من العمل. بعدها لم يجد عملاً ما اضطره إلى شراء عربة صغيرة لبيع الخضروات والفاكهة برفقة ابنه محمد فرحان. يشير إلى أن ما يتقاضاه يجعله قادراً على توفير احتياجات العائلتين، إلا أن ما يؤرقه هو عجزه عن تأمين وسائل التدفئة. فكّر أن يطلب من عائلة ابنه رضوان الله الذي قضى في حادث سير قبل ثلاثة أعوام، الانتقال إلى منزله، فيستدين ويوفر وسائل التدفئة من فحم وخشب للجميع. لكن أفراد الأسرتين عددهم كبير ولا يمكنهم العيش في منزل واحد. ولا خيار أمامه غير الاستدانة لشراء وسائل التدفئة للعائلتين.  
أكثر ما يضايق عثمان هو إقالته من عمله. ففي السابق، كان يتقاضى راتباً جيداً. وكان أكثر قدرة على الاستدانة لأن الدائنين كانوا على ثقة بقدرته على سداد الدين، على عكس اليوم. إذ إن عمله الحالي لن يمنحه القدرة على تسديد الدين.
على عكس عثمان، توجه نجيب الله وأفراد أسرته إلى باكستان، سالكين طريق "سبين بولدك" الذي يصل بين مدينتي قندهار الأفغانية وكويته الباكستانية كونه لا يحتاج إلى جواز سفر وتأشيرة، وخصوصاً إذا كان من سكان قندهار أو الولايات المجاورة. وعلى الرغم من أنه يعيش في العاصمة كابول، استفاد من امتياز أنه يتحدر من قندهار للخروج من البلاد هرباً من البرد من جهة، وسعياً لإيجاد عمل من جهة أخرى. ويشير إلى أنه كان يصعب عليه العيش في كابول في ظل البرد القارس، وعدم قدرته على تأمين وسائل تدفئة. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

يقول نجيب الله لـ"العربي الجديد": "لم أرغب في ترك منزلي إلا أن الظروف أرغمتني على ذلك. أخذت الملابس فقط من البيت تاركاً كل شيء آخر. دفعنا المال على الحدود كي يسمح لنا بدخول باكستان من دون أوراق. وساعدنا بعض الأقارب على تأمين بعض مما نحتاج إليه. وبدأت العمل بمساعدة اثنين من أبنائي. في باكستان لا نحتاج إلى توفير وسائل التدفئة لأن الغاز متوفر وسعره زهيد. سنعيش هنا حتى نهاية الشتاء ثم نعود إلى كابول".
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في تقرير صدر في الثاني من الشهر الجاري من أن 79 في المائة من الأسر ليس لديها وقود في منازلها في أفغانستان مع قدوم الشتاء. وأفادت بأن قرابة 3.4 ملايين نازح أفغاني يعيشون في ملاجئ مؤقتة. ومع اقتراب فصل الشتاء، فإن جهودهم للبقاء على قيد الحياة ستواجه صعوبات كبيرة، وهم في أمس الحاجة إلى وسائل التدفئة وما يقيهم من شدة البرد.

ينتظرون الحصول على المساعدات (واكيل كوهسار/ فرانس برس)
ينتظرون الحصول على المساعدات (واكيل كوهسار/ فرانس برس)

وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن الشتاء هذا العام سيكون شديد البرودة، وبالتالي ستزداد حدة الأزمة الإنسانية في أفغانستان.
إلى ذلك، يقول أحد سكان العاصمة ويدعى فضل الرحمن لـ "العربي الجديد": "يصعب أن يوفر المواطن العادي وسائل التدفئة لأولاده هذا العام. يعاني الناس بسبب الفقر والبطالة، وباتوا محرومين من العمل. كما أن ما أعلنته طالبان عن توفير الفحم في أربع نقاط في كابول، على أن يباع الطن بتسعة ألاف أفغانية (نحو مائة دولار)، يعد أمراً جيداً. لكن كيف للأفغان تأمين تسعة آلاف أفغانية إذا لم يكن هناك وسائل لكسب المال؟ كما أن استخدام الفحم في حد ذاته مضر للصحة. من هنا، تواجه أفغانستان هذا العام كارثة حقيقية في الشتاء، لأسباب كثيرة أهمها الفقر والبطالة، ما يجعل الأفغان محرومين من وسائل التدفئة ومعرضين لأمراض ناجمة عن البرد القارس".

وحذر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن 97 في المائة من الأفغان سيصبحون تحت خط الفقر منتصف العام الجاري، ما لم يحدث ما يخالف توقعات البرنامج، وربما تزداد الأمور تعقيداً وتدهوراً. ويشير إلى أن نسب الفقر كانت 34 في المائة بين عامي 2007 و2008، وارتفعت إلى 55 في المائة عام 2017، ثم انخفضت إلى 47 في المائة عام 2019، لترتفع إلى 70 في المائة حالياً. ويتوقع أن تبلغ 97 في المائة منتصف يوليو/ تموز المقبل، في أعقاب التحول السياسي وانكماش الاقتصاد في كابول وولايات أفغانستان.

المساهمون