أعادت الاقتطاعات من رواتب آلاف الأساتذة في المغرب بسبب إضرابهم عن العمل السجال حول شرعية الإجراء الذي اتخذته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، في وقت يعيش فيه القطاع منذ أشهر حالة احتقان مع موجة احتجاجات ردا على مخرجات الحوار بين الوزارة والاتحادات التعليمية، ودفعها للاستجابة لمطالب العاملين في القطاع.
وتزامنت الاقتطاعات من أجور الأساتذة المضربين مع شهر رمضان وما يتطلبه من تكاليف إضافية، وفي ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية تتميز بارتفاع غير مسبوق في الأسعار، ما انعكس سلبا على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة في البلاد.
واشتكى العديد من الأساتذة الذين ينتمون إلى فئات تعليمية عدة خاضت خلال الأسابيع الماضية إضرابات عن العمل، من أبرزها "التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فرض عليهم التعاقد" و"التنسيقية الوطنية لموظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم"، من اقتطاعات فاقت 1500 درهم (نحو 150 دولارا) شهريا، ووصلت إلى خمسة آلاف درهم (500 دولار)، في غضون شهري فبراير/ شباط ومارس/ آذار، وهو الأمر الذي خلق احتقانا في قطاع التعليم.
مصدر حكومي: الاقتطاع قانوني
وبحسب مصادر من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، طلبت عدم ذكر اسمها لأنها غير مخول لها بالحديث للصحافة، فإن الاقتطاع من أجور الأساتذة المضربين إجراء قانوني عادي، يتم العمل به من خلال مرسوم يجعل تلقي الأجر مرتبطا بأداء العمل.
وأوضحت أن اقتطاع كل يوم غياب غير مبرر أو إضراب عن العمل بمقدار حوالي 190 درهما (نحو 19 دولارا)، في حين يقوم مدير المؤسسة التعليمية بإعداد لائحة بالمتغيبين ويرسلها إلى المديرية الإقليمية المعنية ليتم اقتطاع أيام الإضراب من الأجر الشهري المقبل.
الاقتطاعات محاولة لفرملة الإضراب
إلى ذلك، اعتبر الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب (اتحاد عمالي)، عبد الإله دحمان، أن الاقتطاعات من أجور المضربين "مقاربة يائسة لفرملة دينامية النضال وإثقال الشغيلة المغربية التواقة إلى إنصافها بإجراءات إدارية لا يؤطرها قانون، خصوصا في عدم حسم مشروع قانون يُنظم الحق في الإضراب، أي ينظمه وليس يكبله أو يقيده".
وقال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الاقتطاعات التي شملت عددا من الموظفين في التعليم خصوصا، هي مؤشر إلى فشل مسار الحوار القطاعي ومقاربة موتورة عجزت عن احتواء غضب الشغيلة من خلال الاستجابة لمطالبها، حيث اللجوء إلى الاقتطاع كشكل من أشكال الانتقام تحت ذريعة تلقي الأجر مرتبط بأداء العمل".
ولفت المسؤول النقابي إلى أنه في ظل عدم وجود قانون ينظم الإضراب، فإن شرعية الاقتطاعات هي موضع تساؤل، موضحا أن "هذا الإجراء الحكومي غير قانوني، بل يعتبر مخالفة دستورية من خلال مسه بحق يكفله الدستور المغربي خصوصا في ظل عدم إصدار نص تنظيمي يبين طرق وآليات ممارسة هذا الحق".
وقال: "حتى الذين يدعمون الاقتطاعات تحت مبرر عقلنة المشهد النقابي وترشيد الاحتجاجات، فهم يجانبون الصواب لأن تلك الأهداف لا يمكن تحقيقها بالاعتداء على الأجور بل بإصدار قانون حق تنظيم الإضراب يكفل ممارسة هذا الحق دون تقييد".
وتابع: "لا يمكن للحكومة إثراء خزائنها على حساب معاناة الشغيلة التعليمية وغيرها بالاستناد إلى تأويلات غير ديمقراطية وغير قانونية، وإمعان الحكومة الحالية في الاقتطاع يعكس إرادة الإجهاز على روح النضال وتصفية آخر آلية لمواجهة عجزها وسوء تدبيرها للملف المطلبي للشغيلة"، مضيفا "عموما يبقى الحق في الإضراب مكفولا دستوريا ومنصوصا عليه في كل الدساتير المغربية، منذ سنة 1962، وأي محاولة للالتفاف عليه تبقى مخالفة دستورية وإجراء غير ديمقراطي يمس بالحقوق والحريات".