دمّر العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة (6 إلى 8 أغسطس/ آب الماضي) 18 وحدة سكنية بشكلٍ كامل في وقت تضررت 71 وحدة أخرى بشكل جزئي لكن بليغ، ما جعلها غير صالحة للسكن بحسب بيان أصدرته وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، بالإضافة إلى 1675 وحدة سكنية تضررت بشكل جزئي. في هذا الإطار، يواجه الغزيون أزمة سكن في ظل تباطؤ إعادة الإعمار.
ويُفاقم العدوان الإسرائيلي المستمر أزمة السكن لدى الغزيين في ظل استمرار الحصار وتدمير الوحدات السكنية، وخصوصاً في الشريط الشرقي الضيق الذي يعاني سكانه وقد تجاوز عددهم مليون نسمة، الفقر والبطالة وانعدام الأمان. ويفضل كثيرون عدم السكن فيها لاقترابها من الحدود الشرقية، وتركيز الهجوم الإسرائيلي بالمدافع والطائرات عليها. إلا أن إسرائيل تقصف المنشآت السكنية الممولة. ونتيجة الفقر المدقع وعدم الأمان في بعض المناطق التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي، تتزايد حاجة سكان قطاع غزة لعشرات آلاف الوحدات السكنية.
يعيش سيف صيام (60 عاماً) في مخيم النصيرات بعد تعرّض منزله القديم في حي الزيتون شرق غزة لدمار جزئي إثر المجزرة الإسرائيلية بحق عائلة السموني خلال العدوان الأول في الرابع من يناير/ كانون الثاني 2009. ثم تضرر جزئياً خلال العدوان الإسرائيلي عام 2014، ليقرر بعد عامين الانتقال للعيش في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة. باع صيام منزله عام 2017، وخسر 35 في المائة من قيمته الأصلية.
انتظر صيام سنوات للحصول على تعويضات من جراء العدوانين، كما انتظر عاماً ونصف العام للعثور على مشترٍ للمنزل في ظل عدم تفضيل الناس السكن في منطقة الزيتون، إلا أنه يعيش أزمة سكنية في الوقت الحالي، إذ إن أبناءه الثلاثة المتزوجين يشاركونه المنزل المكوّن من طبقتين، ليصبح عدد القاطنين فيه 20 فرداً.
يقول لـ "العربي الجديد" إنه اضطر إلى بيع منزله في حي الزيتون على اعتبار أن المنطقة خطر عليه وعلى أبنائه وأحفاده. في الوقت نفسه، فإن السكن الذي يعيش فيه حالياً ضيّق على عدد أفراد عائلته، الأمر الذي اضطره للبحث عن مسكن إضافي لنجله. يضيف: "غلاء المساكن كبير في غزة، وما من تقسيط مريح أو ضمانات لأن العامل أو الموظف قد يصبح عاطلاً عن العمل فجأة، كحال ابني. وحين أبحث عن مسكن في منطقة بعيدة عن الشرق والغرب هرباً من الاعتداءات الإسرائيلية، أجد البحث شبه مستحيل".
في مدينة رفح، تضرر منزل مريم عوض الله (42 عاماً) في حي الشعوت خلال العدوان الإسرائيلي الأخير. مريم، وهي أم لأربعة أولاد، توفي زوجها قبل عام ونصف العام من جراء إصابته بفيروس كورونا الجديد، ففكرت بالانتقال إلى مناطق وسط مدينة غزة، لتجد أن الأسعار مرتفعة جداً، فقد أرادت أن يكون مسكنها قريباً من جامعة بناتها. وحصل أن تضرر منزلها جزئياً خلال العدوان الأخير، الأمر الذي فاقم من أزمتها.
لا تعلم عوض الله موعد إعادة إعمار منزلها، وتذكر أن زوجها حاول كثيراً البحث عن مسكن جيد لهم بعيداً عن الاكتظاظ الذي يعيشون فيه. وجد منازل في بعض المناطق الحدودية الشرقية، لكنه خاف أن تؤدي الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة إلى تدمير منزله. وهذا ما حصل مع شقيقه القاطن على الحدود الشرقية قبل سنوات.
وعلى الرغم من عزوف كثيرين عن السكن في مخيمات القطاع التي تشهد كثافة سكانية، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الأزهر في غزة أحمد لافي إن عدداً كبيراً من الأسر الممتدة لم تغادر المخيمات، الأمر الذي زاد من اكتظاظها، عدا عن الحياة الاجتماعية التي يحاول سكان المخيم الحفاظ عليها.
كان لافي يقطن في بلدة عبسان الكبيرة شرق مدينة خانيونس، وقد تضرر منزله خلال العدوان الإسرائيلي عامي 2014 و2021، فانتقل إلى السكن في شقة قريبة من شاطئ بحر غزة في منطقة الشيخ عجلين التي شهدت هي الأخرى قصفاً إسرائيلياً شديداً خلال العدوان الأخير. ويشير إلى أن انعدام الاستقرار الأمني يفاقم أزمة السكن في قطاع غزة.
يقول لـ "العربي الجديد": "كل الأرقام والمعطيات تشير إلى أن غزة مقبلة على انفجار سكاني كبير في ظل الفقر وضعف القدرة الإنتاجية وعدم توفير مشاريع إسكان حكومية وغيرها تلبي حاجة الشباب الذين يتطلعون إلى الهجرة". ويرى أنه ما من حلول في ظل الأزمة السياسية والانقسام.
وأفاد مركز الميزان لحقوق الإنسان في ورقة نشرها في يوليو/ تموز 2019 بأن قطاع غزة يعاني من أزمة إسكان متفاقمة، في ظل الكثافة السكانية وانخفاض عدد المنازل والحصار الإسرائيلي واستهدافه للمساكن. وتبلغ الحاجة السنوية من المساكن لمقابلة الزيادة السكانية الطبيعية حوالي 14 ألف وحدة سكنية، لكن الاحتلال فاقم الأزمة خلال العامين الأخيرين، بسبب عدوانه.
وبلغ عدد سكان قطاع غزة مليونين و313 ألفاً و747 نسمة حتى نهاية عام 2021 الماضي بحسب وزارة الداخلية والأمن الوطني في قطاع غزة. كما تجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، بحسب أرقام وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، مليون و476 ألف لاجئ مسجل لديها، أي أن ثلثي سكان قطاع غزة هم لاجئون، معظمهم يقيمون في المخيمات الثمانية في القطاع.