لا شكّ أنّ الأطفال والمراهقين أيضاً عرضة لخطر الاضطرابات النفسية التي تراوح بين القلق والاكتئاب والتقلبات المزاجية والعاطفية والنوبات الذهانية، الأمر الذي يتطلب المراقبة والكشف المبكر، ومن ثم تقديم الدعم المناسب والعلاج الصحيح بما يضمن الوقاية من الأمراض النفسية المزمنة وتحسين طبيعة وجودة الحياة.
وتختلف استجابة الأطفال حسب وضعية كل حالة وسرعة الانتباه للعلامات والأعراض من طرف الوالدين والمحيط، ما يضمن تقديم الدعم الأسري اللازم والوصول إلى خطة علاجية متكاملة.
فما هي أبرز الاضطرابات النفسية التي قد يتعرض لها الأطفال؟ وما أفضل الاستراتيجيات والخطط التي يمكن استخدامها للتعامل مع اضطراباتهم ومشاعرهم ومعالجتها في الوقت المناسب والشكل السليم؟
القلق والاكتئاب
توضح الدكتورة وفاء سعود، اختصاصية علم النفس السريري للأطفال والشباب، في مقابلة لها مع موقع "صحتك"، أن مشكلات القلق والوسواس القهري والاكتئاب والصدمات الناجمة عن العنف والتوتر من أبرز الاضطرابات النفسية التي تواجه الأطفال والمراهقين، مع ما ينجم عنها من مشاعر الإحباط والإحساس بأنهم منبوذون ويتعرضون لضغوطات مختلفة، ويمكن أيضًا ملاحظة بعض التغيرات في سلوكيات الأطفال.
تختلف أعراض الاضطرابات النفسية عند الأطفال عن المراهقين أو البالغين، لأنهم لا يتمكنون من التعبير عن مشاعرهم بوضوح.
وتضيف: "عندما يتعرض طفل أو مراهق للإيذاء مثلا، قد تظهر عليهم بعض الأعراض النفسية والعاطفية، وقد يواجه صعوبة في بناء الثقة بالآخرين وتكوين العلاقات بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، تظهر على بعضهم بعض التقلبات المزاجية، إذ يمكن أن يصابوا بنوبات أو انفجار عاطفي عند تذكيرهم بالإساءة التي تعرضوا لها، وبعضهم يتجنب التحدث عن الإساءة أو يتفادون التفكير بالحادثة السيئة التي تعرضوا لها، وهذا يمكن أن ينتج عنه تحول المشاعر السلبية إلى سلوك عدواني في بعض الأحيان".
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لسوء المعاملة أن يترك آثارًا مؤلمة وعواطف قوية، وهو ما قد يدفع بعض المراهقين إلى استخدام المواد الضارة كوسيلة للهروب من هذه الأحاسيس أو الذكريات.
أعراض تحذيرية للاضطرابات النفسية
تعتبر الطبيبة سعود أنه من الطبيعي أن يواجه الأطفال والمراهقون بعض المشاعر السلبية في فترة نموهم، ولكن إذا ظهرت عليهم هذه العلامات، فينصح بطلب المساعدة من طبيب أو اختصاصي نفسي.
وتأتي النوبات الانفعالية الكبيرة والمتكررة على رأس لائحة الأعراض، بالإضافة إلى ظهور عواطف أو سلوكيات ضارة تجاه الذات أو الآخرين، قلة تناول الطعام، عدم السيطرة في القيام ببعض السلوكيات أو الطقوس بكثرة وباستغراق الكثير من الوقت، القلق الشديد المستمر بشأن الصحة أو السلامة أو المدرسة أو العلاقات، تجنب القيام بالأنشطة المدرسية أو الانعزال عن المجتمع، صعوبات في تعلم اللغة أو القراءة أو الكتابة أو الرياضيات، مشكلات التركيز واتباع التعليمات، الصعوبات المستمرة في تكوين الصداقات، صعوبة التكيف مع حدث سلبي في الحياة -مثل وفاة أحد أفراد الأسرة- على الرغم من مرور وقت طويل على ذلك.
ما هو العلاج السلوكي المعرفي؟
بحسب سعود، فإن العلاج السلوكي المعرفي هو نوع من العلاجات المستخدمة على نطاق واسع في الاضطرابات النفسية، ويُعتبر واحدًا من أكثر الطرق فعالية في علاج القلق والاكتئاب والصدمات، ويتميز بأنه عادةً ما يكون محدود المدة الزمنية، إذ يتم تقديمه عبر عدد محدد من الجلسات.
وتشير المتحدثة، وفقاً لموقع "صحتك"، إلى بعض المكونات الرئيسية للعلاج السلوكي، وأهمها التقييم الذي يعتبر الخطوة الأولى والأساسية لفهم الأسباب والدوافع التي تقف وراء سلوك الطفل أو المراهق، وتحديد العوامل الجذرية، ويمكن أن يكون الأساس لتغيير السلوك بفعالية، ثم التدخل السلوكي العلاجي الذي غالبًا ما يشمل عملية تعليم الأطفال والمراهقين كيفية استبدال السلوكيات غير المفيدة بسلوكيات مفيدة. يتم ذلك من خلال تعليمهم سلوكيات ومهارات جديدة، وينبغي تصميم عملية التعلم بحيث تكون مُجزية للأطفال والمراهقين، وعندما يرون الفوائد الملموسة لهذا التغيير، مثل تحسين صحتهم النفسية أو علاقاتهم الاجتماعية أو أدائهم في المدرسة، يزيد اندفاعهم للالتزام بالعلاج السلوكي، وبالتالي ترتفع فرص نجاح العلاج.
وتتطرق الطبيبة أيضا إلى التعاون باعتباره جزءًا مهمًا من العلاج السلوكي الذي تقدمه، ودمج الوالدين في البرنامج العلاجي ومساعدتهم على تعزيز مهاراتهم الأبوية الحالية، وتعليمهم استراتيجيات جديدة من شأنها مساعدة أطفالهم على تطوير سلوكيات صحية وإيجابية وتغيير السلوكيات السلبية.
أحدث طرق العلاج
تؤكد الطبيبة أن كل طفل يعتبر حالة خاصة بحد ذاته، وله احتياجات وتحديات مختلفة. ومن هذا المنطلق يتم اتخاذ قرارات دقيقة جدًا حول نوع العلاج النفسي الأنسب، وذلك عبر الاستناد إلى الاحتياجات الشخصية للحالة، سواء كان ذلك بالنسبة للطفل أو المراهق.
وتستعرض سعود أفضل الطرق للتعامل مع الاضطرابات النفسية للأطفال من خلال اتباع نهج شامل ومتكامل يتأسس على مبدأ "العلاج بالتقبّل والالتزام"، وهو نوع من العلاجات يهدف إلى تقديم الدعم والمساعدة للأطفال عبر تمكينهم من التعامل بشكل أفضل مع المشاعر الصعبة التي يمكن أن يشعروا بها، وتخطي الأزمات التي يمرون بها، وكل ذلك بما يتماشى مع قيمهم وأهدافهم. ويشمل العلاج إدارة مشاعر الحزن والقلق في المدرسة والتحديات الاجتماعية بشكل عام.
وتشير إلى نوع آخر يُسمَّى "العلاج المرتكز على العاطفة"، وهو يهدف إلى مساعدة الأفراد على فهم عواطفهم والتعامل معها بشكل صحيح. يساعد العلاج المرتكز على العاطفة مقدمي الرعاية، مثل الآباء والأمهات، على فهم مشاعر أطفالهم والتفاعل معها بشكل أفضل. ليس هذا فحسب، بل يمكنه أن يساعد الآباء على فهم مشاعرهم الشخصية وتحليلها بشكل صحيح، وبالتالي تحسين تعاملهم مع أبنائهم بما يتماشى مع أهدافهم.
أما بالنسبة لـ"العلاج الجدلي السلوكي"، فهو نوع آخر من العلاج النفسي الذي يهدف إلى مساعدة الأفراد على التعامل مع المشاعر الكبيرة وتغيير السلوكيات السلبية. يتم استخدامه بشكل شائع مع المراهقين لمعالجة مجموعة متنوعة من المشكلات، مثل السلوك العدواني، ومشكلات العلاقات، وتعاطي المخدرات. يُستخدم أيضًا لتعليم المراهقين مهارات جديدة في التعامل مع الآخرين بشكل فعال، وتنمية استراتيجيات صحية للتعامل مع المشاعر الكبيرة التي يمكن أن يواجهوها في حياتهم اليومية.
أما في ما يخص العنف، تقول سعود إن علاجه لدى الأطفال والمراهقين يتطلب أولاً فهم العوامل التي تؤثر على سلوكهم العنيف، وتشمل التعرض للإيذاء أو الحروب، والفقر، ووجود توتر في العلاقات بين الوالدين والأطفال، والقسوة المفرطة أو التساهل المفرط في التربية، والإعاقات الفكرية أو التعليمية، وضغوطات الحياة، والإحباط، وتعاطي المخدرات، والتأثر ببعض العادات السلبية من الأصدقاء أو البيئة.
عندما تتم الإحاطة بهذه العوامل، يمكننا تحليلها وتنفيذ البرنامج العلاجي بناءً عليها، وبحسب الطبيبة "دائماً ما أُشْرك مقدمي الرعاية، مثل الآباء والأمهات، في برامجي التعليمية لدعم الأطفال والمراهقين ومساعدتهم على تحسين سلوكهم، وأقوم أحياناً بتعليم الأطفال كيفية تقييم عواقب أفعالهم، واتخاذ قرارات أفضل، وتحمل مسؤولية سلوكياتهم، وتلبية احتياجاتهم بطرق صحية".
نصائح واستشارات
قد لا تكون الوقاية من الاضطرابات ومشكلات الصحة النفسية ممكنة دائماً، ولكن يعتبر التدخل المبكر عاملًا مهمًا وفعالًا في مسألة تعافي الأطفال والمراهقين، كما يلعب دورًا جوهريًا في تسريع وتيرة نتائج صحتهم النفسية، وكذلك قدرتهم على التكيف لمواجهة التحديات المستقبلية.
وتقدم الطبيبة مجموعة من التوصيات الوقائية والاستشارات أهمها:
- ضمان السلامة: في حال تعرض الطفل لأي خطر يمكن أن يؤدي إلى إيذاء نفسه أو غيره، ينبغي وضع خطة جادة حول كيفية الحفاظ على سلامته. تعليم الطفل أهمية التحدث في حال شعوره بأي خوف أو توتر، وذلك قبل أن يقوم بأي إجراء يمكن أن يضر به نفسه أو أحد آخر. كما يمكنك ببساطة التحدث معه بلطف وبكل هدوء، وإذا كنت قلقًا بشأن سلامة طفلك، لا تتردد في الاتصال بخدمات الطوارئ في المستشفى للحصول على المساعدة اللازمة.
- التوجه لاختصاصي: إذ يمكن للطبيب النفسي المتخصص تزويدك بتقييم شامل لحالة طفلك، ومن ثم تقديم الاستشارة والتوصيات اللازمة لمساعدته. تعتبر هذه الخطوة مهمة جدًا لتقديم الرعاية والدعم الملائمين لاحتياجاته الخاصة.
- اطلب العلاج: يمكن للطبيب النفسي أن يساعد طفلك على فهم وتقليل مشاعر القلق والاكتئاب والوسواس والأفعال القهرية والسلوك السلبي الضار. بالإضافة إلى ذلك، يمكنه أن يساعد طفلك على التغلب على مشاعر الحزن وتعلم كيفية التعايش مع الخسارة والتعافي من الصدمة.
- كن حنونًا ومتفهمًا: لأن إحساسهم بمدى عاطفتك تجاههم عندما يشعرون بالقلق أو الاكتئاب يساعدهم على تعزيز مشاعر الأمان والثقة والاطمئنان. كما يتوجب عليك إتاحة الفرصة لهم للتحدث بكل أريحية عن مشاعرهم والاستماع بكل رحابة صدر للمواضيع المهمة بالنسبة لهم. هذا بدوره يمكن أن يقلل مستويات القلق والاكتئاب.
- التشجيع على التواصل والأنشطة الاجتماعية، والابتعاد عن العزلة التي قد تزيد تفاقم الأعراض.
- كن قدوة: ونموذجًا صالحًا يحتذى به، لأن الأطفال بكل بساطة يتعلمون ويكتسبون بشكل أفضل من خلال الملاحظة ومشاهدة التصرفات والسلوكيات اليومية للآباء.