استمع إلى الملخص
- وصفت وزارة الصحة الفلسطينية الحادثة بأنها انتهاك صارخ للاتفاقيات الدولية، ودعت المؤسسات الدولية للتدخل، بينما شيّع الفلسطينيون جثماني الشهيدين وسط مخاوف من محاولات احتجاز الجثامين.
- يعتبر المختصون أن استهداف القطاع الصحي جزء من خطة إسرائيلية لتهجير الفلسطينيين وفرض إرهاب مُمنهج، ضمن استراتيجية "الصدمة والرعب" لتصعيد العنف الأمني في الضفة الغربية.
نكّلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، بالطواقم الطبية في مستشفى طوباس التركي الحكومي في مدينة طوباس شمال شرق الضفة الغربية، في محاولة لإجبارهم على تسليم جثماني شهيدين كانا قد نقلا إلى المشفى، عقب قصف مركبتهم بطائرة مسيرة تابعة للجيش.
وهذه ليست المرة الأولى التي تقتحم فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات في الضفة الغربية لتنفيذ اغتيالات كما حدث في جنين مطلع العام الجاري، أو لتنفيذ عمليات اعتقال، لكنها المرة الأولى التي يتم فيها اقتحام مستشفى من أجل احتجاز جثامين شهداء.
وفي السياق قال رئيس قسم الطوارئ في مستشفى طوباس التركي، الدكتور محمود غنام، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنهم تلقوا بلاغاً عن قصف طائرة مسيرة تابعة للاحتلال الإسرائيلي لمركبة في إحدى المناطق السهلية القريبة، فبادر الطاقم الطبي إلى تجهيز قسم الطوارئ لاستقبال الإصابات المحتملة. وأضاف: "وصل إلى المستشفى مصاب يعاني من إصابة خطيرة في الشريان الرئيسي للفخذ، وبعدها نُقل إلينا جثمانا شهيدين، تم وضعهما في الثلاجات، ونقل المصاب إلى أحد مستشفيات نابلس لاستكمال العلاج".
بعد فترة قصيرة من استقبال الحالات، فوجئ الطاقم الطبي باقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لحرم المستشفى، في سابقة تجاوزت حدود الاقتحامات المعتادة التي كانت تقتصر على محيط المستشفى. ويوضح غنام: "اقتحم الجنود المستشفى وسط إطلاق نار كثيف على مدخل الطوارئ، ما أجبرنا على إخلاء القسم من المرضى والمتدربين، لكنني بقيت برفقة رئيس قسم التمريض حازم الغول وطبيب الامتياز أثير شاهين في القسم أثناء الاقتحام".
ووفق غنام، فقد اقتحم جنود الاحتلال قسم الطوارئ بعد إخلائه، وقاموا بتقييده مع طبيب الامتياز أثير شاهين، ثم تعرضا للضرب والإهانة رغم ارتدائهما الزي الطبي الذي يوضح هويتهما عاملين في المجال الصحي. ويضيف المتحدث: "لقد ضربوني على قدمي وصدرى، بينما تعرض زميلي شاهين لضرب مبرح على قدميه ورأسه الذي ضربوه بالحائط".
محاولات الضغط والابتزاز
لم تتوقف اعتداءات الاحتلال عند هذا الحد؛ بل ألقى الجنود قنابل دخانية على مدخل قسم الطوارئ واقتادوا الطبيبين للتحقيق الميداني. ويوضح غنام أن التحقيق ركز على معرفة كيفية وصول المصاب وجثماني الشهيدين إلى المستشفى. يقول غنام: "أخبرناهم أننا لسنا الجهة المخولة بنقل المصابين ولا نعرف التفاصيل، لكنهم طالبوني بتسليم جثماني الشهيدين، فأوضحت أن الأمر من اختصاص مدير المستشفى وليس من صلاحياتي".
طلب جنود الاحتلال من الدكتور غنام الاتصال بمدير المستشفى الدكتور محمد سمارة، الذي أبلغهم أن مرجعيته هي وزارة الصحة الفلسطينية، وأنه غير مخول بتسليم الجثامين. يقول غنام: "ابتزوا المدير عبر تهديده واحتجازنا رهائن مقابل تسليم الجثامين، لكنه رفض الانصياع وأكد أنه لا يستطيع اتخاذ هذا القرار".
بعد احتجاز دام نحو ساعة ونصف، طلبت قوات الاحتلال من مدير المستشفى الحضور، وأُفرج عن الدكتور غنام ورئيس قسم التمريض، لكن تلك القوات واصلت احتجاز مدير المستشفى لفترة أطول في محاولة للضغط عليه، غير أنه جدّد رفضه تسليم الجثامين قائلاً: "إذا أردتم أخذ الشهيدين بالقوة فهذا شأنكم، لكنني لن أسلمهما طوعاً"، وفي النهاية، انسحبت قوات الاحتلال دون تحقيق أهدافها.
ويوضح مصدر طبي فضّل عدم ذكر اسمه في حديث مع "العربي الجديد"، أنه وبعد القصف الإسرائيلي لمركبة مدنية أثناء مرورها في منطقة مفتوحة بين عقابا وطوباس بواسطة طائرة مسيرة، مما أدى إلى استشهاد شابين وإصابة ثالث بجروح، تم نقلهم بواسطة مركبات مدنية للمستشفى، بعدها اقتحمت قوات الاحتلال المكان بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار. ووفق المصدر، فإن قوات الاحتلال بعدما لم تجد الشهيدين والمصاب في مكان القصف اقتحمت المستشفى التركي الحكومي وسط إطلاق الرصاص وقنابل الصوت، ولم يكتف الجنود بذلك، بل قاموا بتحطيم زجاج المستشفى باستخدام أعقاب البنادق، تخللها الاعتداء على الطاقم الطبي ومحاولة إجبارهم على تسليم الشهيدين والمصاب، وبعد اكثر من ساعة ونصف انسحبت قوات الاحتلال من المستشفى دون تحقيق أهدافها.
وخلال انسحابها، أطلقت قوات الاحتلال النار على شاب كان يمر بالقرب من مستشفى طوباس التركي الحكومي، ما أدى إلى إصابته بجروح واعتقاله وهو مصاب. وتزامن انسحاب القوات مع اندلاع اشتباكات مسلحة في منطقة تياسير بين مقاومين فلسطينيين وجنود الاحتلال.
جرائم الاحتلال في مستشفى طوباس التركي
من جانبها، اعتبرت وزارة الصحة الفلسطينية في بيان صحافي، أن ما حدث بمستشفى طوباس التركي الحكومي يضاف لسلسلة جرائم الاحتلال اليومية بحق المنظومة الصحية في كافة المحافظات الفلسطينية، ويعد انتهاكاً صارخاً لكافة الاتفاقيات والمواثيق والقوانين الإنسانية الدولية، مناشدة بشكل عاجل المؤسسات الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتدخل الفوري لوقف اعتداء الاحتلال على المستشفى والكوادر والمرضى.
وشيّع الفلسطينيون عصر أمس الثلاثاء، جثماني الشهيدين كرم حاتم أبو عرة، ومحمد سميح غنام، بمسقط رأسهما في بلدة عقابا شمال طوباس، بعد اغتيالهما بوقت قصير، خشية محاولة قوات الاحتلال اقتحام البلدة واحتجاز جثمانيهما.
#طوباس - وداع وتشييع جثماني الشهيدين كرم حاتم أبو عرة، ومحمد سميح غنام، في بلدة عقابا شمال طوباس
— Wafa News Agency (@WAFA_PS) December 3, 2024
( تصوير - محمد منصور / وفا ) pic.twitter.com/k4SOVuiylP
وبحسب الحملة الوطنية الفلسطينية لاسترداد جثامين الشهداء ومعرفة مصير المفقودين، فقد وصل عدد جثامين الشهداء المحتجزين لدى الاحتلال الإسرائيلي إلى 631 شهيدًا في مقابر الأرقام والثلاجات، منهم 222 شهيدًا منذ بدء حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى عدد غير معلوم من الشهداء المحتجزين في قطاع غزة.
من جانبه، يوضح المختص بالشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن استهداف القطاع الصحي، بما في ذلك اقتحام المستشفيات، يأتي ضمن خطة منهجية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وجعل حياتهم لا تطاق، معتبرا أن هذه العمليات ليست سوى امتداد لعقلية استعمارية تهدف إلى الضغط على السكان المدنيين وإجبارهم على ترك أراضيهم.
ويرى أبو العدس أن اقتحام المستشفيات يحمل دلالات أعمق تتصل برغبة إسرائيل في فرض إرهاب مُمنهج، لكن ما جرى في مستشفى طوباس التركي الحكومي يعد في سياق عملياتي لإتمام مهمة الاغتيال والتأكد من استشهاد الشبان، واصفاً هذه الطريقة بأنها "أقرب إلى ممارسات العصابات". ويعتقد أبو العدس أن ما يجري في الضفة الغربية يشير إلى بداية مرحلة جديدة تتسم بتصاعد العنف الأمني، مشبهاً الوضع الحالي هناك بما واجهته غزة سابقاً. ويوضح أن إسرائيل تعتمد استراتيجية "الصدمة والرعب" لإرساء حالة من الردع عبر الوحشية المفرطة، وهي سياسة تمتد جذورها إلى الفكر الإسرائيلي القائم على القتل والاقتلاع لتحقيق أهدافها.