الاحتلال يقوّض عمل بلدية الخليل لصالح مجلس المستوطنات

26 ديسمبر 2024
جنود إسرائيليون بالبلدة القديمة في الخليل، 16 نوفمبر 2024 (مأمون وزوز/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تواجه بلدية الخليل تحديات كبيرة بسبب تصاعد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى لتقويض صلاحياتها في المناطق المصنفة H2، من خلال تنفيذ أعمال خدماتية لصالح المستوطنات وفرض قيود على حركة الفلسطينيين.
- تتعرض البلدية لضغوط متزايدة، مثل هدم المنازل والاستيلاء على الطرق، وتواجه تحديات قانونية في المحاكم الإسرائيلية رغم رفعها أكثر من 35 دعوى قضائية.
- تعاني الجهود الرسمية الفلسطينية من تقصير في مواجهة الانتهاكات، بينما تستمر إسرائيل في تنفيذ مخططاتها الاستيطانية دون اعتبار للقانون الدولي، مما يهدد بتغيير واقع الأرض.

يستمر الاحتلال الإسرائيلي في مساعيه إلى تقويض عمل بلدية الخليل لصالح مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، في ما يبدو أنه يدخل في إطار مزيد من التوسّع الاستيطاني

تواجه بلدية الخليل، جنوب الضفة الغربية، خطراً في ظل مواجهة تصاعد انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى إلى تقويض صلاحياتها في المناطق المصنفة H2 بموجب اتفاقية الخليل. وتتجلى هذه الانتهاكات في تجاوزات مستمرة تشمل تنفيذ أعمال خدماتية لصالح مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، ما يعكس مخططاً لفرض واقع استيطاني جديد.
وعمد مجلس مستوطنات الخليل إلى تنفيذ أعمال تعبيد طرقات في عدة أحياء في المناطق المغلقة، وكان آخرها في شارع عثمان بن عفان الذي يصل بين المدينة شمالاً وجنوباً، وذلك في تجاوزٍ واضحٍ لصلاحيات البلدية، بحسب نائب رئيس البلدية، أسماء الشرباتي. 
تقول الشرباتي لـ"العربي الجديد": "يتعمد المستوطنون تخريب الشوارع والطرقات، ثم مطالبتنا بتعبيد مساحات تفوق قدرة البلدية، وحين يُرفض طلبهم، تعمل آليات الاحتلال على التعبيد في تجاوزٍ واضح لطبيعة عمل البلدية، وفق الاتفاقيات الموقعة". 
وتهدف هذه الإجراءات إلى إلغاء الدور الفلسطيني الخدماتي في المناطق المغلقة، وخلق واقع استيطاني جديد، عبر ربط مستوطنات رمات يشاي في حي تل الرميدة، وبيت هداسا/ الدبويا في شارع الشهداء، وبيت رومانو وصولاً إلى الحرم الإبراهيمي الشريف بطرقات معبّدة تسهّل حركة مركبات المستوطنين، في وقت تمنع فيه مركبات الفلسطينيين من المرور مع قيود على مرور الفلسطينيين سيراً على الأقدام. 
وفي وقت سابق من هذا العام، أي منذ شهر يوليو/ تموز الماضي، تكرر نشر سلطات الاحتلال حاويات القمامة الإسرائيلية في المناطق المغلقة، وإزالة الحاويات الخاصّة بالبلدية، تبعها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تنفيذ أعمال حفريات في الحديقة المحاذية للمسجد الإبراهيمي لعمل تمديدات كهربائية باتجاه المسجد، بعدما رفضت بلدية الخليل، ومعها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، طلباً إسرائيلياً برفع القدرة الكهربائية المزوّدة للمسجد، خصوصاً أن الطلب الإسرائيلي وراءه هدف استيطاني بتزويد المصعد الكهربائي الذي بُدء العمل عليه منذ عام 2020 في القسم الذي يسيطر عليه الاحتلال من المسجد بالكهرباء، وذلك بهدف تسهيل وصول المستوطنين إليه.

تمهيد بناء بؤر جديدة

وفي سابقة لم تحدث في سنوات ماضية، تقول الشرباتي إن سلطات الاحتلال هدمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية منزلين في مناطق مصنّفة "ب" في مدينة الخليل، وهي مناطق غير خاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، وفق اتفاقية أوسلو، إضافة إلى هدمها عدّة منازل في مناطق مصنّفة "ج"، علماً أنها مناطق غير مجاورة لجدار الفصل العنصري، أو البؤر الاستيطانية، إضافة إلى استيلاء المستوطنين على طريق خاص للبلدية، يعتبر مدخلاً رئيسياً لمنطقة بيت عينون شمال المدينة.

كلّ خطوات الاحتلال جاءت متسارعة، لكن أكثرها مفاجأة للبلدية هو الإخطار الذي وصل في 13 يونيو/ حزيران الماضي، الموقّع من المسؤول عن الأملاك المتروكة في الإدارة المدنية الإسرائيلية، والذي ينصّ على عزم الاحتلال البناء فوق مبانٍ وعقارات تملكها البلدية في منطقة الحسبة في البلدة القديمة، وأنه سيجري إلغاء أي حقوق تتعلق بالبلدية إذا تقدمت بالاعتراض القانوني على المشروع. ورغم ذلك، فإن بلدية الخليل توجّهت للقضاء الإسرائيلي عبر محاميها الخاص. 
وتقول الشرباتي: "لدينا أكثر من 35 دعوى قضائية جرى رفعها باسم البلدية، أو نيابة عن أصحاب عقارات فلسطينية، وبعض القضايا نكسبها، وأخرى يجري تأجيلها لفترة زمنية، والبعض الآخر نخسره، لأننا أمام القضاء الإسرائيلي في المحصّلة". 

جهود رسمية محدودة 

ورغم توثيق كلّ الانتهاكات السابقة، وإرسالها للارتباط المدني الفلسطيني المعني بالتواصل مع الجانب الإسرائيلي، فإن جهد البلدية وحدها لا يكفي، وفق الشرباتي، التي أشارت إلى وجود تقصير من قبل المؤسسات الرسمية الفلسطينية. وتوضح: "وجهنا مراسلات لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان والخارجية الفلسطينية ومجلس الوزراء، نطالبهم بتوحيد الجهود لمواجهة هذه الاعتداءات، لكننا لم نتلق رداً حتى الآن. وفي النهاية، هناك محددات لعمل البلدية قانونياً. وللأسف، لا يوجد مؤسسات تواجه استيطان البلدة القديمة".
وفي الوقت الذي تضيع فيه صلاحيات بلدية الخليل، في مقابل توسّع صلاحيات الاحتلال الإسرائيلي، تبدو معالم التقصير واضحة في التعامل مع المناطق المغلقة في المدينة. 
وحول دور المستوى الرسمي في متابعة التجاوزات الإسرائيلية، يقول مساعد محافظ الخليل، رفيق الجعبري، لـ"العربي الجديد": "نرفع تقارير بشكل دوري للمؤسسات الدولية، ونتواصل مع البعثات الدبلوماسية، ونقدم لهم تقارير متعلقة بانتهاكات الاحتلال، تزامناً مع محاولتنا استمرار إيصال الخدمات اللازمة للسكان، وإعطائهم الأمل وسط الواقع الصعب". 

أجبروا على المشي في الخليل بسبب إغلاق طرقات، 11 نوفمبر 2024 (وسام هشلمون/ الأناضول)
أجبروا على المشي في الخليل بسبب إغلاق طرقات، 11 نوفمبر 2024 (وسام هشلمون/ الأناضول)

يتابع الجعبري: "إسرائيل لا تُولي أي اعتبار للقانون الدولي، والدليل على ذلك ما شهدناه من أحداث في غزة، وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على محيط البلدة القديمة في الخليل، حيث يوجد الاحتلال داخل البلدة، ويعمل على تقسيمها، في انتهاك واضح لجميع الأنظمة والمواثيق الإنسانية، علماً بأن الخليل مصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، ومع ذلك تتعرض لانتهاكات تطاول كل حجر في المدينة". 
ويعتبر الجعبري أن إجراءات الاحتلال لا تهدف إلى تجريد البلدية من صلاحياتها، بقدر ما هي تغيير واقع الأرض عبر التهويد، في ظل وجود وزراء متطرفين من حكومة الاحتلال، على رأسهم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي الذي يستوطن الخليل، إيتمار بن غفير، ما سيكون لذلك انعكاسات سياسية خطيرة. 
وفي ما يتعلق بتجاوز اتفاقية الخليل، يوضح مساعد محافظ الخليل أن "سلطات الاحتلال لا تنفذ منها إلا ما هو ضمن مصلحتها. وعملياً، فإن الاتفاقية شبه مجمّدة، وينفذ الاحتلال ما يريده من تعديات ومخالفات بقوّته العسكرية، وهذا يشكل مخاوف من إمكانية منع البلدية لاحقاً تنفيذ أعمالها وخدماتها في المناطق المغلقة". 

وحول عدد الانتهاكات المرصودة منذ بداية العام بحقّ المناطق المغلقة، يقول الجعبري لـ"العربي الجديد": "لا يوجد رقم دقيق. لكن يومياً، هناك عشرات الانتهاكات بدءاً من منع حركة المواطنين، وصولاً إلى فرض السيطرة على المسجد الإبراهيمي، واستباحته من قبل المستوطنين".
يشار إلى أن المناطق المصنّفة H2 وفق اتفاقية الخليل "البروتوكول الخاص بإعادة الانتشار 1997"، هي المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية، وذلك بهدف وضع أرضية لتأسيس مجلس مستوطنات يحلّ في خدماته محلّ بلدية الخليل. 
ووفق اتفاقية الخليل، الموقّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، فإن بلدية الخليل هي الطرف المسؤول عن تقديم الخدمات في كلّ مناطق المدينة (H1/H2)، بما فيها المناطق المغلقة التي تحاذي البؤر الاستيطانية، في محيط المسجد الإبراهيمي والبلدة القديمة، وتنتشر فيها الحواجز والإغلاقات وسياسة الفصل العنصري. وأبرز هذه المناطق هي "تل أرميدة، شارع الشهداء، واد الحصين، واد الغروس، حارة جابر، حارة السلايمة، محيط المسجد الإبراهيمي"، وهي مناطق لا يبعد فيها منزل الفلسطيني عن الوحدة الاستيطانية سوى بضعة أمتار. 
وفي المناطق المذكورة، تعتبر مسؤولية تقديم الخدمات الحياتية على عاتق بلدية الخليل حصراً، وذلك في نصّ اتفاقية الخليل، كما توضح الشرباتي، إذ تقول إن البلدية هي المسؤولة عن خدمات المياه والكهرباء والنظافة وتعبيد الطرقات.

المساهمون