يشكل القرار الأخير الذي أصدرته شركة المياه الإسرائيلية "مكروت" لتخفيض الكمية الواردة إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، حرباً تستهدف آلاف الفلسطينيين المحرومين منذ سنوات من حقهم الطبيعي في الحصول على مياه، تمهيداً لتزويد المستوطنات الإسرائيلية بها.
بدأت أزمة المياه في الضفة الغربية مع توقيع اتفاق أوسلو قبل نحو 30 سنة، حين أرجئت تسويتها إلى مفاوضات الحل الدائم. فعلياً لم يعترف الاحتلال الإسرائيلي يوماً بحق الفلسطينيين في الوصول إلى مياه.
يقول رئيس بلدية الخليل، تيسير أبو سنينة، لـ"العربي الجديد": "فرض الاحتلال قيوداً صارمة على استخراج الفلسطينيين المياه، وصادر الآبار القديمة، ومنع حفر أخرى جديدة إلا بعد الحصول على موافقات ضمن شروط منها عدم تجاوز كمية المياه المستخرجة 100 متر مكعب، وعدم زيادة عمق البئر عن 140 متراً، ما يعني عدم صلاحية المياه المستخرجة للشرب أو للاستهلاك البشري.
ويوضح أبو سنينة أن قرار شركة "مكروت" للمياه الإسرائيلية سيكبد محافظة الخليل تقليصاً واضحاً في الكميات تقدّر بـ 20 ألف كوب، وصولاً إلى 17 ألف كوب يومياً، علماً أن المياه تصل إلى المواطنين مرة كل 24 ساعة ضمن برنامج متواصل يمتد 21 يوماً. وبعد القرار ستمدد هذه الفترة إلى 25 يوماً، وقد تصل إلى 30 يوماً، ما يعني انخفاض حصة الفرد وانقطاع المياه مناطق عدة وقطاعات اقتصادية وزراعية.
وسيزيد شحّ المياه إقبال الناس على تغطية الفاقد من خلال شراء صهاريج يؤكد أبو سنينة أن "معظمها لا تخضع لرقابة، وجزء منها غير صالح للاستهلاك الآدمي، ما يشكل خطراً صحياً على المواطنين".
ويتابع: "لا يملك أحد حلولاً طالما أن لا سيادة للفلسطينيين على المياه، ويعتمدون على الاحتلال في تغطية احتياجاتهم، والذي يستخرج بدوره الكميات من أراضي الفلسطينيين لتغطية احتياجات المستوطنين في شكل تعسفي، ويكرّس الفصل العنصري".
ويفترض أن تتأثر محافظة بيت لحم تلقائياً بتخفيض المياه في الجنوب. ويقول رئيس مجلس قروي أرطاس، لطفي أسعد، لـ"العربي الجديد": "تواجه البلدة أزمة مياه سنوية تبدأ في مطلع يونيو/ حزيران، وتمتد حتى نهاية أغسطس/ آب، كما تحتاج البلدة إلى كمية تتراوح بين 6 و8 آلاف كوب يومياً، في حين يصلها ألفا كوب فقط. ويتوقع أن تنخفض كميات المياه في شكل كبير بعد تطبيق القرار، وعدم وصول المياه إلى منازل ثلث المواطنين".
ويقول مدير سلطة المياه في جنوب الضفة الغربية، عصام عرمان، لـ"العربي الجديد"، إن "السلطة الفلسطينية لاحظت منذ مطلع يوليو/ تموز الجاري، تخفيض كميات المياه. واعتقدت في البداية بأن خللاً فنياً طرأ على خطوط المياه، ثم تبين بعد مراجعة الجانب الإسرائيلي أن التخفيض مرده تزايد الطلب على المياه في منطقة الجنوب، ما يعني تعويض الكمية التي تحتاجها المستوطنات من حصة الفلسطينيين".
يُضيف: "أجرينا اتصالات على أعلى المستويات الرسمية، وأبلغنا الجانب الإسرائيلي أن ما حصل غير مقبول، وأنه يجب إعادة كميات المياه إلى ما كانت عليه خصوصاَ أن الفلسطينيين كانوا يأملون في أن تزيد حصتهم في فصل الصيف، علماً أنها لا تلبي احتياجات الناس في الوضع الطبيعي، فكيف الحال وسط موجات الحرّ حيث ستتفاقم الأزمة وتنعكس عليهم".
وتحدد منظمة الصحة العالمية الكمية الأدنى للمياه التي يحتاجها الفرد بـ 100 لتر يومياً، في حين أن متوسط ما يحصل عليه المواطن الفلسطيني هو 80 ليتراً يومياً، و65 ليتراً في مناطق الخليل، ويوضح عرمان أن "السلطة تعمل على إنجاز خطة طوارئ ترتبط بتخفيض معدلات الاستهلاك اليومية حتى عودة المياه إلى وضعها الطبيعي، والأزمة لن تطول أكثر من شهرين، لأن شحّ المياه يبلغ ذروته في أشهر الصيف الثلاثة".
ويقسّم الاحتلال الإسرائيلي الضفة الغربية إلى ثلاثة أحواض مائية، منها الغربي الذي يمتد من قلقيلية إلى الخليل، وينتج 380 مليون كوب سنوياً يعطي الاحتلال 60 مليوناً منها فقط للسلطة الفلسطينية، والشمالي المعروف بسام اليركون، ويُنتج 32 مليون كوب مياه يمنح معظمها للمستوطنات، والحوض الجنوبي الشرقي الذي يضم بلدات سعير وبني نعيم شمال الخليل.
ويقول خبير قضايا الاستيطان عبد الهادي حنتش لـ"العربي الجديد": "يُنتج 82 مليون كوب سنوياً، حصّة الفلسطينيين منها 60 مليون كوب. ويسرق الاحتلال نسبة 52 في المائة من مياه أراضي الضفة الغربية، بينما تذهب نسبة 32 في المائة لمصلحة مستوطنات، وتبقى أخرى صغيرة للفلسطينيين تقدّر بنسبة 16 في المائة، و"هذه الكمية منخفضة جداً مقارنة بحاجة الفلسطينيين إلى المياه للزراعة والاقتصاد والاستهلاك".
ويضيف حنتش: "رصد الاحتلال وجود 800 عين مياه في الضفة الغربية، ووصفها بأنها جزء من التراث الديني لليهود، كما كان واضحاً في الآونة الأخيرة محاولة مستوطنين السيطرة على الآبار والينابيع وعيون المياه، بالتزامن مع منع الاحتلال الفلسطينيين من ترميم الينابيع التي تعود لهم. يسعى الاحتلال إلى حسم الصراع على المياه من خلال مخططات السيطرة الكاملة على المناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، والتي تتمركز فيها معظم مصادر المياه، ما سيدفع الناس إلى الهجرة بحثاً عن احتياجاتهم المائية اليومية".