تحولت بلدة بيت فوريك وقرية بيت دجن، شرقي نابلس، شمالي الضفة الغربية بفلسطين، إلى سجن كبير يضم نحو 25 ألف مواطن. تحد البلدتين من الشرق مستوطنة مخورا وتمنع أي تمدد جغرافي لهما، ومن الجنوب مستوطنة إيتمار، ومن الغرب حاجز عسكري سيئ الصيت والسمعة يفصلهما عن مدينة نابلس، ويحول تنقلات السكان إلى جحيم، وإلى جانبيهما طرقات التفافية مخصصة لمركبات المستوطنين وجيش الاحتلال فقط. واقع ترك أثراً بالغاً على حياة المواطنين فيهما وعزلهما عن محيطهما الخارجي. كما تتعرض بيت فوريك على وجه التحديد لاقتحامات دائمة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، تنتج عنها مواجهات مع الشبان الذين يتصدون لها. في التاسع والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، استشهد الفتى بشار نهاد حنني (17 عاماً) بعد إصابته برصاصتين. استقرت الرصاصة الأولى في بطنه، ثم حاول الاستدارة للهرب فأطلق الجنود رصاصة أخرى أصابته في أسفل ظهره وخرجت من خاصرته، ليلحق بعمه الذي حمل اسمه واستشهد قبل 19 عاماً في البلدة.
الحاجز العسكري
تبرز المعاناة الكبرى للأهالي في وجود الحاجز العسكري الإسرائيلي عند مدخل بلدة بيت فوريك، فيما أغلق الاحتلال مدخل قرية بيت دجن قبل أكثر من عشرين عاماً، ما أجبر الأهالي على المرور من الحاجز ذاته. ويتحكم جنود الاحتلال وفق أمزجتهم بحركة المرور، وغالباً ما يقضي الفلسطينيون ساعات شاقة وطويلة من الانتظار يومياً قبل أن يسمح لهم بالمغادرة أو العودة إلى منازلهم.
يقول الصحافي محمد أبو ثابت، لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه المعاناة لا يمكن وصفها، فالسؤال عن وضع الحاجز يطرح دائماً من المواطنين، كالموظفين وطلبة الجامعات والمدرسين والتجار وغيرهم. وغالباً ما يكون الرد أنه مغلق أو يشهد أزمة مرورية كبيرة. يضيف: "هذا الحاجز يتحكم بحياتنا، وقد تسبب في انقطاع التواصل مع المحيط الخارجي. لم يعد يأتي إلينا إلا من كان مضطراً، ونحن لا نغادر إلا للأمر ذاته. كما أن منع حركة التنقل والمواصلات وعرقلتها عطلت قيام عشرات المشاريع الاقتصادية والزراعية في المنطقة"، لافتاً إلى أن الحاجز يشهد على الدوام عمليات تنكيل وإطلاق للرصاص والغاز السام المسيل للدموع وقنابل الصوت في وجه المواطنين المحبوسين على شقي الحاجز.
ونصبت قوات الاحتلال الإسرائيلي حاجز بيت فوريك عام 2001 في نقطة الوصل مع الشارع الالتفافي الذي يقود إلى مستوطنتي إيتمار وألون موريه المقامتان على أراضي الفلسطينيين، وقد أقيم عليه برج عسكري ومهاجع للجنود ومكعبات إسمنتية وبوابة، ما يعني شلّ الحركة تماماً.
الاستيطان يتمدد
تواجه "بيت فوريك" تحديداً خطر الاستيطان على أراضيها منذ ستينيات القرن الماضي، بحسب مدير مركز أبحاث الأراضي المهندس محمود الصيفي، وهو أحد أبناء البلدة. ويلفت إلى أن الاحتلال أقام ثلاث مستوطنات على أراضيها، أكبرها تدعى "مخورا" وأنشئت عام 1968 وصادرت 18 ألف دونم من أراضي البلدة الشرقية، فيما تجثم منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي مستوطنة إيتمار على الجهة الجنوبية الغربية. وفي عام 1994، أنشأ الاحتلال بؤرة استيطانية عرفت باسم "جدعونيم" وصادر ستة آلاف دونم من أراضي البلدة الاستراتيجية لإقامتها. ويلفت الصيفي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أنه "منذ احتلال الضفة الغربية وحتى الآن، صادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 23 ألف دونم من أراضي البلدة التي تبلغ مساحتها الإجمالية 36 ألف دونم".
ورغم أن بيت فوريك أيضاً تقع على أكبر مخزون مائي للحوض الشرقي في فلسطين، فإنها تعاني من نقص حاد وتلوث في المياه، بسبب منع الاحتلال حفر آبار ارتوازية بعمق يزيد عن ثلاثمائة متر. يضيف الصيفي: "البئر الارتوازية التي كانت تكفي البلدة بـ60 كوباً في الساعة، لم تعد اليوم تكفي لإنتاج 27 كوباً في الساعة نتيجة للارتفاع الكبير في عدد السكان والمصانع والمنشآت". كما أن الاحتلال استولى مؤخراً على مساحات شاسعة من أراضي خربة طانا الواقعة شرقي بيت فوريك، ما دفع عشرات العائلات التي كانت تقيم هناك وتعمل في رعي المواشي وإنتاج الحليب والأجبان إلى مغادرتها قسراً. ويلفت إلى أن المخطط هو تسليم الخربة، بعد تفريغها، لقمة سائغة للمستوطنين لإقامة بؤر استيطانية فيها.
أما في قرية بيت دجن، فقد أقدم مستوطن يدعى "كوكي" وعائلته عام 2021 على إقامة بؤرة استيطانية رعوية على مساحة 25 ألف دونم، أي نحو نصف مساحة القرية البالغة 47 ألف دونم، وأنشأ مزرعة أبقار. ومؤخراً، عمد هذا المستوطن، بحماية جيش الاحتلال، إلى اغلاق الطرقات الشمالية الشرقية للقرية ومنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم.