استمع إلى الملخص
- **أزمة المياه في الخليل**: شركة ميكروت الإسرائيلية قلصت كميات المياه لمحافظة الخليل بنسبة 35-45%، مما أدى إلى تأخر وصول المياه للمنازل من ثلاثة إلى سبعة أسابيع، خاصة في المناطق المغلقة المصنفة H2.
- **جهود بلدية الخليل ودور الجهات الرسمية**: بلدية الخليل تعطي الأولوية للمناطق المغلقة في توزيع المياه، مما يقلص حصة باقي السكان. تواجه البلدية صعوبات في الوصول للمناطق المغلقة بسبب منع الاحتلال، وسط غياب الدعم من الجهات الرسمية الفلسطينية.
في محاولة لتهجيرهم بأية طريقة، يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى حرمان أهالي البلدة القديمة في الخليل لمصلحة المستوطنين.
بات أهالي منطقة شارع الشهداء في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية، في مواجهة آخر أساليب الترحيل القسري من منازلهم إثر استخدام الاحتلال الإسرائيلي سلاح المياه لتهجيرهم بعدما فشلت الجماعات الاستيطانية في تهجير أهالي المناطق المغلقة في المدينة عبر أساليب الترهيب بالقوة العسكرية، والترغيب بالإغراءات المادية.
وتواجه منطقة شارع الشهداء من سياسة ترحيل منذ عام 1967 وحتى اللحظة، وتتمثل اليوم بقيود يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين أصحاب المنطقة أثناء الدخول والخروج، وتحديد ساعات للحركة من خلال البطاقات الشخصية، ومنع أيّ أحد من زيارة الأهالي، وتنفيذ إجراءات تفتيش على الدوام بأعنف الأساليب، ومواجهة هجمات المستوطنين ليلَ نهارٍ، والتي تتمثل بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على المنازل، وتهديد أصحابها بالقتل المباشر، عدا عن تخريب ممتلكات الفلسطينيين الخاصة. ما سبق لم يمنع أهالي المنطقة من الصمود وعدم التفكير في الخروج منها، إلا أن قطع المياه عنهم كاد أن يحقق الأهداف الإسرائيلية.
ودفعت أزمة المياه أصحاب 12 منزلاً في المناطق المحاصرة والمغلقة في شارع الشهداء ومنطقة الدبّويا، إلى تسليم مفاتيحها لبلدية الخليل، في إشارة إلى عزم سكانها ترك المنازل نتيجة أزمة المياه.
ويقول أحد أصحاب هذه المنازل، مفيد الشرباتي، لـ "العربي الجديد": "أبلغنا مؤسسات المدينة أننا لم نعد قادرين على الصمود جراء الحرمان من المياه، بعد مرور 37 يوماً من دون وصول المياه، عدا عن عدم سماح الاحتلال للأهالي بإدخال صهريج مياه واحد لتزويد المنازل بمياه الشرب والاستخدام، ما يعني ممارسة حرب تعطيش بهدف تهجيرنا من المنطقة، بعدما فشل الاحتلال في طرد الأهالي بمختلف الوسائل".
يتابع الشرباتي: "يضطر سكّان المنطقة إثر شحّ مياه الشرب إلى شراء صناديق المياه. إلا أن هذه الصناديق لم تسلم من اعتداءات الاحتلال، إذ يعمل جنود الجيش الإسرائيلي على تخريبها وإتلافها بهدف التنكيل بالمواطنين، وأحياناً تفتيش العبوات. وإن سمح بإدخال الصناديق، يضطر الأهالي للمشي مئات الأمتار واجتياز 70 حاجزاً إسرائيلياً للوصول إلى منازلهم المحاصرة".
وتعاني مدينة الخليل من أزمة مياه منذ الثامن من يونيو/ حزيران الماضي، بعدما قلّصت شركة ميكروت الإسرائيلية من كمّيات المياه المزودة لمحافظة الخليل، بنسبة تتراوح بين 35 و45 %. وتأخر وصول المياه إلى المنازل الذي كان كلّ ثلاثة أسابيع إلى نحو سبعة أسابيع لتحويل حصّة الفلسطيني لمصلحة المستوطن الإسرائيلي.
ويقول الشرباتي: "تفتقر مناطقنا إلى الآبار، إذ إن منازلنا قديمة. ومن بين 120 عائلة في شارع الشهداء، يملك 40 منها آباراً. ولا يسمح للمنازل الأخرى بإمداد قنوات مائية من المنازل التي تحتوي على آبار. في هذا الإطار، تعتمد المنازل على المياه التي تصل من قنوات البلدية إلى الخزّانات على الأسطح. وتعاني الأسطح القديمة من عدم القدرة على تحمّل عدد خزّانات يكفي الحاجة الاستهلاكية لأصحاب المنازل، كما يمنع الاحتلال إدخال خزّانات جديدة، عدا عن تعرّض الخزانات وخطوط المياه للتخريب، وبالتالي تكون الأزمة المائية متعددة الجوانب في المناطق المغلقة".
المناطق المغلقة مصنّفة H2 وفق اتفاقية الخليل، أي أنها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وهي: تل الرميدة، شارع الشهداء، واد الحصين، واد الغروس، حارة جابر، حارة السلايمة، محيط المسجد الإبراهيمي، ولا يملك أصحابها آباراً تحت منازلهم، لذلك يحتاجون لإمداد المياه أسبوعياً كي لا تنقطع.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإنّ معدل استهلاك الفلسطيني من المياه قبل التقليصات الإسرائيلية كان يومياً يقدر بـ 86.3 لتراً من المياه. لكن بعد القيود والتقليص، وصلت حصّة الفرد من المياه العذبة في بعض المناطق إلى 21.3، وهو الرقم الأقل من الموصى به عالمياً وفق معايير منظمة الصحة العالمية التي تفيد بأن حصّة الفرد هي 100 لتر في اليوم. وكل هذا هو نتيجة السيطرة على 85% من مصادر المياه الفلسطينية لمصلحة المستوطن الإسرائيلي الذي يستهلك أكثر من سبعة أضعاف حصة الفلسطيني.
ويقول الشرباتي إنّ المستوطنين في منطقة شارع الشهداء، وبعدما لاحظوا أزمة المياه في منازل الفلسطينيين الذين كانوا يبحثون عن قطرة مياه في الخزّانات، عمدوا إلى إغاظة الفلسطينيين عبر إهدار المياه أمامهم ورش الطرقات بالخراطيم والمضخّات المياه، في محاولة لاستفزاز أهالي المنطقة لطلب المساعدة منهم.
ويصف الشرباتي ما يفعله الاحتلال بأنه ممارسة سياسة ترحيل، بهدف تكرار نموذج قطاع غزة على المناطق المغلقة، وتحويل المياه من وسيلة للحياة إلى وسيلة للقتل، أو العقاب الجماعي للفلسطينيين الرافضين للمخططات الإسرائيلية. وينتقد الشرباتي غياب دور الجهات الرسمية الفلسطينية عن تقديم الدعم لسكان المناطق المحاصرة، قائلًا: "الكل يتغنى بصمود المناطق المغلقة، لكن لا أحد يدعم. لم يزر مسؤول المنطقة أو يتصل بنا رغم ما نواجهه من اعتداءات بمختلف الأشكال".
وتفوق حاجة مدينة الخليل اليومية الـ 40 ألف كوب من المياه، لكن حصتها الفعلية لم تكن تتجاوز 22 ألف كوب قبل التقليصات الإسرائيلية. وبعد قرار شركة ميكروت الإسرائيلية بتخفيض كميات المياه، باتت كميات المياه تتراوح بين 10 و15 ألف كوب.
في هذا السياق، يقول عضو مجلس بلدية الخليل، عبد الكريم فرّاح، لـ "العربي الجديد"، إن "البلدية استدركت الأمر قبل يومين واتخذت قراراً بإعطاء الأولوية لأهالي المناطق المغلقة في المدينة وتحديداً من حصّة المياه، بمعنى عودة ضخّ المياه لهم بشكل أسبوعي وأقصى حدّ كل عشرة أيام كما كانت قبل التقليصات الإسرائيلية، بالإضافة إلى دعمهم بالمياه المجانية".
لكن قرار بلدية الخليل دعم صمود أهالي المناطق المغلقة سيكون على حساب حصة المياه لسكان المدينة بشكل عام التي تنقطع المياه عنهم لمدة تصل إلى 50 يوماً أحياناً، وذلك نتيجة استمرار الاقتطاع الإسرائيلي من حصة الخليل اليومية، التي تصل أحياناً إلى 45% من الحصة التي كانت موجودة سابقاً، ما يجعل الأزمة تتراجع في المناطق المغلقة، وتتفاقم في ضواحي المدينة، وسط انعدام الخيارات الممكنة وإعطاء الأولوية لمناطق الصمود، بحسب فرّاح.
ويقول فرّاح: "تجب إعادة النظر في آلية توزيع المياه بين محافظات الضفة، إذ تعاني المناطق الجنوبية في الخليل وبيت لحم أزمة مياه مضاعفة، وهذا ما أبلغنا به سلطة المياه. ويمكن في حال حلّت بعض الإشكاليات من قبل سلطة المياه، ألا تتكرر أي أزمة مياه في المناطق المغلقة، مع التأكيد أن الاحتلال لا يراهن على سلوكه في تلك المناطق وغيرها".
ويلفت فرّاح إلى أن طواقم البلدية تواجه في عملها في المناطق المغلقة صعوبة بالوصول إليها، ومنع دخول طواقمها، أو صهاريج المياه الخاصة بها، ما يعني تحكّم الاحتلال بحصّة المياه بشكل كامل في تلك المناطق، ما يدفع البلدية لأن تكون أكثر حرصاً على وصول المياه عبر خطوط وشبكات البنية التحتية دون تأخر، حتى لا يتكرر التفكير بالخروج من المناطق المغلقة بسبب أزمة المياه. ويشير إلى أن هناك تخوفا حقيقيا من أن يمارس الاحتلال حربه عبر سلاح الكهرباء كما استخدم المياه باعتباره مسيطراً على مقومات الحياة.