أدى ازدياد انبعاثات الغازات الدفيئة إلى مستويات قياسية وتراجع تلوث الهواء إلى تسارع غير مسبوق للاحترار العالمي، كما حذّر 50 عالماً بارزاً في دراسة جديدة واسعة متعلقة بالمناخ. وأفادوا في دراسة تمّت مراجعتها من خبراء في المجال وموجّهة إلى صانعي السياسات أنه من العام 2013 وحتى 2022، "زاد الاحترار الناجم عن أنشطة بشرية بمعدل غير مسبوق بلغ أكثر من 0،2 درجة مئوية خلال عقد".
وبلغ متوسط الانبعاثات السنوية خلال الفترة نفسها أعلى مستوياته على الإطلاق مع 54 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون أو ما يعادله من الغازات الأخرى، حوالي 1700 طن كل ثانية. وسيجد قادة العالم أنفسهم أمام البيانات الجديدة خلال قمة كوب 28 للمناخ المقررة في وقت لاحق هذا العام في دبي، حيث سيتم عرض تقييم عالمي في محادثات الأمم المتحدة من أجل تحديد التقدم الذي تحقق باتجاه الوصول إلى أهداف اتفاقية باريس المبرمة عام 2015 بشأن درجات الحرارة.
ويبدو أن نتائج هذه الدراسة تغلق الباب أمام فرصة تحقيق الهدف الأكثر طموحاً لاتفاق باريس للمناخ المتمثل في ألا تتجاوز زيادة الاحترار 1,5 درجة مئوية، والذي لطالما اعتُبر بمثابة حاجز الحماية للمحافظة على عالم آمن نسبياً من ناحية المناخ، وإن كان يشهد تداعيات شديدة. وقال أبرز مؤلفي الدراسة بيرس فورستر، وهو أستاذ فيزياء في جامعة "ليدز": "على الرغم من أننا لم نصل بعد إلى احترار بمعدل 1,5 درجة مئوية، يرجّح بأن ميزانية الكربون، أي كمية الغازات الدفيئة التي يمكن أن تنبعث نتيجة أنشطة بشرية من دون تجاوز هذا الحد، ستُستنفد في غضون بضع سنوات فقط".
وتقلّصت هذه الميزانية بالنصف منذ جمعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة (IPCC) بيانات لآخر تقرير صدر عنها عام 2021، بحسب فورستر وزملائه، علماً أن العديد منهم كانوا من أبرز المساهمين في الهيئة الأممية. وذكرت أنه لتكون لدى الاحترار فرصة للبقاء تحت عتبة 1،5 درجة مئوية، ينبغي ألا تتجاوز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما من محرّكات الاحترار التي يولدها خصوصاً إحراق الوقود الأحفوري 250 مليار طن.
ومن شأن تخفيض بمعدل ثلثين أو أربعة أخماس الحد المسموح من حصة الكربون إلى حمولة إجمالية قدرها 150 و100 مليار طن فقط على التوالي، ما يعني حبل نجاة لمدة عامين أو ثلاثة بناء على معدل الانبعاثات الحالي. وسيتطلب الإبقاء على أهداف باريس في درجات الحرارة خفض التلوث بثاني أكسيد الكربون بنسبة 40 في المائة على الأقل بحلول 2030، والقضاء عليه تماماً بحلول منتصف القرن، وفق حسابات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
واللافت أن إحدى أهم قصص النجاح في ما يتعلق بالمناخ خلال العقد الماضي سرّعت بشكل غير مقصود وتيرة الاحترار العالمي، بحسب ما كشفت بيانات جديدة. وأدى التراجع التدريجي في استخدام الفحم الذي يعد الكربون أكثر كثافة فيه من النفط والغاز لإنتاج الطاقة إلى تباطؤ الزيادة في الانبعاثات الكربونية، لكنه خفض أيضاً تلوث الهواء الذي يقي الأرض من القوة الكاملة لأشعة الشمس.
ويخفف التلوث بالجسيمات من مختلف المصادر الاحترار بحوالي نصف درجة مئوية، ما يعني أنه على الأقل في الأمد القصير، سيصل المزيد من الحرارة إلى سطح الأرض نظراً لأن الجو بات أنظف.
وتعد الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة "بيانات نظام الأرض العلمية" (Earth System Science Data) الأولى ضمن سلسلة تقييمات دورية ستساعد في سد الثغرات بين تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي تنشر بمعدل كل ست سنوات منذ عام 1988.
وأفادت المؤلفة والعالمة مايسا روخاس كورادي، التي تشغل أيضاً منصب وزيرة البيئة في تشيلي، بأن "تحديث مؤشرات التغير العالمي الرئيسية كل عام مهم للغاية من أجل مساعدة المجتمع الدولي والبلدان على إبقاء ضرورة التعامل مع أزمة تغير المناخ ضمن أولويات جدول الأعمال". وذكرت مؤلفة مشاركة هي فاليري ماسون-ديلموت التي كانت الرئيسة المشاركة لتقرير IPCC، أن البيانات الجديدة يجب أن تكون بمثابة "جرس إنذار" قبل قمة كوب 28، على الرغم من الأدلة على تباطؤ الزيادة في الغازات الدفيئة. وقالت إن "وتيرة وحجم التحرّك من أجل المناخ غير كاف للحد من تصاعد المخاطر المرتبطة بالمناخ".
وتحدّث باحثون أيضاً عن ارتفاع كبير في زيادات درجات الحرارة في المناطق البرية (أي باستثناء المحيطات) منذ عام 2000. وجاء في الدراسة: "ارتفع معدل درجات الحرارة السنوية العليا على اليابسة بأكثر من نصف درجة مئوية خلال السنوات العشر الأخيرة (أكثر من 1،72 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية) مقارنة مع العقد الأول من الألفية (1،22 درجة مئوية)". وستشكل موجات الحر الأطول والأكثر حدة تهديداً قاتلاً في العقود المقبلة في أجزاء واسعة من جنوب وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى مناطق على خط الاستواء في أفريقيا وأميركا اللاتينية، بحسب ما أظهرته دراسة أخيراً.
(فرانس برس)