استمع إلى الملخص
- في ظل الحصار الإسرائيلي، كانت جهود أبو ربيع وزملائه بمثابة أمل في مواجهة المجاعة، حيث أصر على البقاء والعمل على إعادة الحياة إلى الأراضي الزراعية في بيت لاهيا.
- استشهاد أبو ربيع بصاروخ إسرائيلي في أكتوبر 2023 كان خسارة كبيرة، ونعاه الناشطون مشيدين بإسهاماته في مكافحة المجاعة وإحياء الأراضي الزراعية.
تمسّك بخيار البقاء في أرضه ومحاربة المجاعة، لكن صاروخاً إسرائيلياً أنهى حياة الشاب الفلسطيني يوسف أبو ربيع بينما كان يجلس قرب أرضه الزراعية في بلدة بيت لاهيا بمحافظة شمال غزة التي تعيش إبادة وتطهيراً عرقياً لليوم الـ20 على التوالي. العشريني أبو ربيع، طالب الهندسة الزراعية، عُرف خلال حرب الإبادة الجماعية بـ"منقذ الشمال من المجاعة"، حيث لم يستسلم لواقع التدمير الذي فرضه الجيش الإسرائيلي على الأراضي الزراعية بمحافظة الشمال ضمن أعمال الإبادة.
في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلنت "أونروا" أن فلسطينيي غزة والشمال أصبحوا "على حافة المجاعة"، حيث لجأوا آنذاك إلى تناول أعلاف الحيوانات والحشائش، بسبب منع إسرائيل وصول المساعدات الإغاثية إلا بكميات شحيحة جداً. هذه المجاعة عادت لتضرب محافظة شمال غزة الذي تفرض عليه إسرائيل حصاراً مشدداً تمنع عبره دخول إمدادات الطعام والمياه والأدوية، وكذلك المساعدات إليها، لإجبار السكان على الهجرة القسرية.
منقذ شمال غزة من المجاعة
مطلع عام 2024، شرع أبو ربيع بأقل الإمكانات المتوافرة بإعادة استصلاح أرضه وزراعتها في إطار محاولاته لمكافحة المجاعة، وذلك رغم المخاطر الكبيرة باستهدافه من قبل الجيش الإسرائيلي الذي يراقب بطائرات مسيّرة تحلّق بكثافة على مستويات منخفضة، محافظة شمال غزة.
لم يكتفِ بذلك، بل نشط في دعم المزارعين الموجودين في محيط إقامته، وقدم إليهم البذور إلى جانب المعلومات الاستشارية كي يتمكنوا من إعادة إحياء أرضهم التي أكلتها نيران القذائف الإسرائيلية، بحسب قول المزارع مرعب المسلمي (42 عاماً) لـ"الأناضول". نجح أبو ربيع، الذي عمل مزارعاً إلى جانب والده لمدة سنوات، في الإشراف على زراعة مئات الدونمات بأصناف مثل "التوت الأرضي والباذنجان والفلفل" خلال الفترة السابقة، وفق المسلمي.
منذ اندلاع حرب الإبادة وما رافقها من تدمير للمحاصيل، كان أبو ربيع يحلم بإعادة زراعة بلدة بيت لاهيا التي كانت تُعرَف بمساحتها الخضراء الواسعة وبثّ الحياة فيها. قال المسلمي عن ذلك: "يوسف كان يحلم ويرقب انتهاء الحرب بفارغ الصبر لزراعة كل أراضي بيت لاهيا، لتعود سلة غذائية لكل قطاع غزة كما كانت".
لكن إسرائيل قضت على هذه المساعي والأحلام بصاروخ أطلقته طائراتها مساء يوم الاثنين (21 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي)، صوب أبو ربيع الذي كان يجلس قرب أرضه برفقة والده وعدد من أصدقائه، ما أدى إلى استشهاده برفقة شاب آخر وإصابة الباقين بجروح.
هذا الاستهداف جاء بعد نحو أسبوعين من تهديدات إسرائيلية طالبت أهالي بلدة بيت لاهيا بترك منازلهم ومراكز الإيواء والتوجه إلى جنوب القطاع، وبالتزامن مع تهجير قسري فرضه الجيش على نازحين كانوا في منطقة المشروع وسط البلدة.
خلال الأيام الماضية، أجبر الجيش الإسرائيلي الفلسطينيين في منطقة المشروع على الهجرة القسرية من أماكن إيوائهم إلى خارج محافظة الشمال، موجهاً أوامر بالتوجه إلى الجنوب، وهو ما رفضه الفلسطينيون، حيث توجهوا بدلاً من ذلك إلى مدينة غزة. سبق للجيش الإسرائيلي أن استهدف فلسطينيين عكفوا على إعادة الحياة إلى محافظتي غزة والشمال من خلال إنشاء مشاريع صغيرة، لكنها حيوية تساهم في التخفيف من المعاناة التي تعمد خلقها لإجبار المواطنين على الهجرة القسرية تحت قسوة الظروف.
في 5 أكتوبر الحالي، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات قصف غير مسبوق لمخيم وبلدة جباليا ومناطق واسعة في شمال غزة، قبل أن يعلن في اليوم التالي بدء اجتياحه لها بذريعة "منع حركة حماس من استعادة قوتها في المنطقة"، بينما يتمثل هدف إسرائيل في احتلال المنطقة وتهجير سكانها.
وقال المسلمي عن أبو ربيع: "كرّس حياته لدعم المزارعين بكل الأشكال، خصوصاً في هذه الحرب، وكان حريصاً على زراعة الأرض وإنباتها من جديد للتغلب على المجاعة التي تفشت بين أهالي شمال قطاع غزة". ووصف المسلمي مقتل أبو ربيع بـ"الخسارة الكبيرة بالنسبة إلى أهالي بلدة بيت لاهيا ومزارعيها".
أحلام تطوير الزراعة
في مقابلة سابقة مع "الأناضول"، قبل استشهاده، قال المزارع أبو ربيع إنه كان "أول الأشخاص العائدين إلى بلدة بيت لاهيا بعد الانسحاب منها في يناير/ كانون الثاني 2024 (فترة زمنية شهدت تقدماً وتراجعاً للآليات الإسرائيلية في المنطقة عدة مرات). وأوضح أنه بادر آنذاك بتشجيع المزارعين وتحفيزهم على إعادة استصلاح أراضيهم، وفي سبيل ذلك حاول عبر منصات التواصل الترويج لعدد من المبادرات لجلب الدعم وتقديمه إلى المزارعين بعد الخسائر الفادحة التي تعرضوا لها.
وتابع: "حاولت بكل الطرق جمع الأشتال وتقديمها إلى المزارعين لتمكينهم من إحياء مزارعهم، وكان همي الكبير آنذاك التخفيف من وطأة المجاعة التي كنا نعاني منها في شمال غزة". ولفت إلى أن عمله والمزارعين "محفوف بالمخاطر، لكون المناطق التي يعملون فيها حدودية ومكشوفة للقوات الإسرائيلية التي تجري بين وقت وآخر أعمال تمشيط وتوغل، ما يؤدي إلى خسائر أحياناً".
رغم ذلك، كان أبو ربيع يبدي إصراراً كبيراً على العمل، فيما كان يحثّ المزارعين على عدم التوقف أبداً، لاعتقاده أن "إحياء الأرض هو السبيل الوحيد للتغلب على المجاعة التي فرضها الاحتلال على أهالي شمال قطاع غزة"، على حدّ وصفه. وقال: "صحيح أن ما ننتجه في بيت لاهيا ليس كافياً لسد حاجة السوق المحلية، لكن محاولة النهوض من العدم تبقى نقطة ضوء في بحر العتمة الذي أدخلتنا إليه حرب الإبادة الإسرائيلية". وعن أمنياته، تحدث الشاب حينذاك عن حلمه بـ"إحياء كل أراضي بيت لاهيا لتعود باللون الأخضر، ونعود لتصدير التوت الأرضي والخيار والفلفل والطماطم إلى الخارج مثلما كنا قبل الحرب". وأضاف: "آمل أن تنتهي الحرب، وأنهي دراستي الجامعية، وأساهم أكثر في خدمة المزارعين".
نعي على منصات التواصل
فور انتشار خبر استشهاد الشاب أبو ربيع، بدأ ناشطون على منصات التواصل بنعيه، واصفين إياه بـ"منقذ شمال غزة من المجاعة في لحظة ما". الصحافي يوسف فارس كتب عبر حسابه على "فيسبوك": "ابن الأرض الوفي يوسف أبو ربيع، ارتقى مخلصاً لمواقفه وأفكاره، زرع الأرض القحلة، وأحيا الروح البور، حرث وبذر وسقى وثمّر وعمّر .. وحين جاء وقت الاختبار، خضّب بدمه خصيب الأرض التي لا تشيخ". وأضاف: "سلاماً يا يوسف الجميل، يا كحيل العين وجميل القلب والمبسم، ستبقى في قلوبنا زهرة حنوناً لا تذبل".
وكتب الصحافي محمد قريقع عبر حسابه أيضاً: "رحل (أبو ربيع) بعد أن كان مبعث إلهام لمئات الفلسطينيين في غزة". وتابع: "استند الفلاح يوسف أبو ربيع إلى فأسه ومنجله، ورمى نفسه على أرضه التي حوّلها الاحتلال إلى بور بنيران باروده، لينجح أبو ربيع في تحويلها إلى قطعة خضراء ربيعية، بعد أن كانت رمادية من رائحة البارود ولونه". وقال قريقع: "تغلب يوسف على المجاعة وشبحها الأسود، إلى أن جاء اليوم الذي خطفه فيه القدر من حضن أرضه، لتضمه بين جنباتها للأبد، وتبتسم له السماء، إلى مساحة خضراء مد البصر يا أبو ربيع".
بدعم أميركي، تشنّ إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلفت أكثر من 143 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم. وتواصل تل أبيب هذه الحرب متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
(الأناضول)