تبلغ نسبة انعدام الأمن الغذائي في الدول العربية 43 في المائة، ويعاني نحو 25 في المائة من الناس من انعدام غذائي متوسط إلى حاد. واللافت أن نسبة انعدام الأمن الغذائي ترتفع لدى النساء بشكل أكبر مقارنة مع الرجال في معظم الدول العربية، ويرتبط الأمر بمحددات جندرية واقتصادية وديموغرافية. ويعرف الأمن الغذائي، وفق مؤتمر القمة العالمي للأغذية عام 1996، بأنه "الحالة التي يتحقق فيها الحصول المادي والاقتصادي على الغذاء الكافي والآمن والمغذي لكل الناس وفي كل الأوقات بشكل يلبي احتياجاتهم الغذائية كما يناسب أذواقهم الغذائية المختلفة بما يدعم حياة نشطة وصحية".
تعود هذه المعطيات إلى دراسة علمية حول الفروقات الجندرية في تحقيق الأمن الغذائي والرفاهية في الدول العربية نشرت الشهر الماضي في مجلة "Global Food security"، أعدها باحثون من الجامعة الأميركية في بيروت.
شملت الدراسة 65903 مشاركاً من 18 بلداً عربياً (البحرين، الكويت، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، المغرب، ليبيا، الجزائر، تونس، مصر، العراق، الأردن، لبنان، سورية، فلسطين، موريتانيا، الصومال، السودان واليمن)، في وقت تفتقد أربع دول عربية للمعطيات اللازمة وهي جيبوتي، جزر القمر، قطر وسلطنة عمان التي لم تشارك في الدراسة. واستخدمت الدراسة بيانات غالوب لاستطلاعات الرأي بين عامي 2014 و2017.
وتشرح الباحثة الرئيسية في الدراسة والأستاذة المشاركة في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتورة لميس جمعة، في حديثها لـ "العربي الجديد"، أن الصراعات والحروب التي تعانيها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سورية وفلسطين والعراق واليمن وجنوب السودان تؤثر بشكل دراماتيكي على حياة الأشخاص والمواطنين، وتؤدي إلى تدهور اجتماعي واقتصادي وتسجيل معدلات عالية من انعدام الأمن الغذائي. وتؤثر هذه الأوضاع على البلدان المجاورة مثل لبنان والأردن.
من جهة أخرى، تعتمد الدول العربية بشكل كبير على المواد الغذائية المستوردة، وتواجه نقصاً في المياه، وتحديات بيئية، وبرامج رعاية اجتماعية ضعيفة، وكلها تؤثر على تأمين الغذاء الأسري والوصول إليه ما يساهم في ارتفاع نسب انعدام الأمن الغذائي.
تسجل بلدان اليمن والسودان والصومال، وفق الدراسة، المعدلات الأعلى لانعدام الأمن الغذائي بسبب الصراعات المزمنة، عدم الاستقرار السياسي، التدهور البيئي التي تشكّل عوامل اساسية وراء ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي.
تعتبر النساء أكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الخفيف والمتوسط والحاد مقارنة مع الرجال في جميع الدول العربية. وتختلف شدة الفروقات الجندرية وفق أوضاع الدول. تشرح جمعة، على سبيل المثال، أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تسجل معدلات منخفضة في انعدام الأمن الغذائي ولا تظهر فوارق جندرية باعتبار أنها تنعم باستقرار سياسي واقتصادي، كما أن النساء من هذه الدول شاركن بنسب أقل من الرجال في الدراسة الحالية. في المقابل، تظهر الدول الأقل نمواً في الشرق الأوسط والمغرب العربي الفروقات الأعلى بين الجنسين في ما خص انعدام الأمن الغذائي نسبة إلى عوامل عدة ومنها الفوارق في تخصيص الموارد الغذائية بين الرجال والنساء وعدم المساواة بين الجنسين على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتبيّن الدراسة أن النساء الأكبر سناً والأقل تعلّماً وغير المنخرطات في القوى العاملة وذات الدعم الاجتماعي المنخفض هن أكثر عرضة لمواجهة انعدام الأمن الغذائي من غيرهن. ويؤثر عدم المساواة بين الجنسين في الدول العربية على ديناميكيات الغذاء على مستوى الأسرة والمجتمع، وعلى قدرة النساء على إنتاج الغذاء والحصول عليه وتحمل كلفته المادية، ما يجعلن يواجهن بشكل أكبر خطورة انعدام الأمن الغذائي.
وتلفت المشاركة في الدراسة ومساعدة باحث في الجامعة الأميركية في بيروت مروى دياب الحركة إلى أن الإناث لا يعانين من انعدام الأمن الغذائي في الدول العربية فحسب، بل يظهرن مستوى أقل من الرفاهية والشروط الصحية بالمقارنة مع الرجال. ويرتبط انعدام الأمن الغذائي بمستويات الرفاهية والصحة العامة.
وتؤثر محدودية وصول النساء إلى الخدمات الصحية ومصادر الدخل بشكل سلبي على رفاههن وصحتهن بشكل عام. وترتبط جميع هذه الفروقات بعدم المساواة بين الرجال والنساء على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والهيكلية في المجتمعات العربية.
وتوضح دياب أن تفشي جائحة كورونا، استناداً إلى دراسات صادرة عن منظمات دولية، شكل عاملاً إضافياً وراء ارتفاع نسب انعدام الأمن الغذائي، عدا عن تحديات أخرى في الدول العربية، منها النمو السكاني المرتفع، الصراعات والحروب، نزوح السكان، معدلات الفقر والبطالة، الاعتماد على المواد الغذائية المستوردة ونقص المياه والأراضي غير الصالحة للزراعة.
وتقول جمعة إنّ ارتفاع نسب انعدام الأمن الغذائي لدى النساء في الدول العربية يمكن أن يؤدي إلى عواقب صحية تؤثر على حياة المرأة وعلى أطفالها وأسرتها، إذ يرتبط انعدام الأمن الغذائي عند النساء بسوء التغذية لدى أطفالهن على المدى القصير والبعيد، ويمكن أن يهدد صحة المرأة وخصوصاً أثناء فترات الحمل، ويؤثر على صحة المولود، ويزيد نسب ظهور العيوب الخلقية ووفيات الأطفال المرتبطة بالحمل. ويوجد رابط بين انعدام الأمن الغذائي وتدهور الصحة العقلية والجسدية لدى الفتيات والنساء.
وتوصي الدراسة بضرورة بلورة سياسات اجتماعية واقتصادية تعالج وضع النساء وأمنهن الغذائي وخصوصاً ضمن سياسات مواجهة وباء كورونا وخطط التعافي. ويمكن للدول العربية أن تستفيد من السياسات الناجحة المرتكزة على تعزيز التعليم واستثمار التكنولوجيا وتحسين كفاءة الموارد بغية إيجاد الحلول المناسبة للتحديات التي تواجه النساء المستضعفات في الدول العربية. وتشدد نتائج الدراسة على الحاجة إلى تطوير السياسات والبرامج الهادفة للحد من الفروقات بين الجنسين في التعليم، وفرص العمل والمشاركة الاقتصادية، بما يخفف من انعدام الأمن الغذائي ويعزز صحة المرأة ورفاهيتها في الدول العربية.