الأمم المتحدة: الوضع الإنساني في لبنان أسوأ مما كان عليه في حرب 2006

03 نوفمبر 2024
نازحون من بعلبك في مدرسة ببلدة دير الأحمر، شرق لبنان، 2 نوفمبر 2024 (نور حبشي/فرانس برس)
+ الخط -

وصفت الأمم المتحدة الوضع الإنساني في لبنان وسط العدوان الإسرائيلي الأخير بأنّه "أسوأ" ممّا كان عليه في حرب تموز 2006. وأتى ذلك في سياق تقرير أخير شمل ما خلصت إليه وكالات أممية بعد 41 يوماً على تكثيف القوات الإسرائيلية اعتداءاتها على لبنان، والتي تستهدف من خلالها خصوصاً منطقة الجنوب التي تشمل محافظتَي الجنوب والنبطية، بالإضافة إلى محافظتَي البقاع وبعلبك-الهرمل (شرق)، وضاحية بيروت الجنوبية، وكذلك مناطق أخرى، من بينها العاصمة بيروت.

وقبل هذا التقرير الذي نُشر أمس السبت، كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) قد أفادت بأنّ عدد الأطفال الذين يُقتلون يومياً في لبنان وسط العدوان الإسرائيلي الأخير عليه يفوق العدد المُسجّل في خلال حرب تموز 2006، وذلك بأكثر من الضعف. جاء ذلك في تقرير أصدرته المنظمة تحت عنوان "مأساة تلو الأخرى في لبنان مع ازدياد الموت والنزوح"، في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من تصعيد القوات الإسرائيلية عدوانها على لبنان. وأشارت منظمة يونيسف، في تقريرها، إلى أنّ نحو 400 طفل سقطوا في حرب تموز 2006 التي استمرّت 33 يوماً (12 يوليو/تموز - 14 أغسطس/آب 2006)، الأمر الذي يعني نحو 12 طفلاً يومياً. أمّا في الوقت الراهن، فبيّنت المنظمة أنّ 50 طفلاً سقطوا يومَي الاثنين والثلاثاء (23 و24 سبتمبر/أيلول 2024)، وفقاً لمعطيات وزارة الصحة العامة اللبنانية التي تتوقّع مزيداً من جثث الأطفال تحت أنقاض المباني المدمّرة في كلّ أنحاء لبنان الذي استُهدف بطريقة غير مسبوقة.

وفي التقرير الأخير، حذّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أنّ "الوضع الإنساني في لبنان وصل إلى مستويات تتجاوز خطورة حرب 2006". وأضاف المكتب الأممي أنّ "الوضع تصاعد من جديد، في الأيام الأخيرة، إذ أصدر الجيش (الاحتلال) الإسرائيلي أوامر إخلاء لسكان بعلبك (شرق) والنبطية (جنوب)، قبل وقت قصير من استهداف" مواقع فيهما بغارات جوية. وتابع أنّ الأضرار التي يتكبّدها السكان "تفاقمت، بسبب تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك منظومة الرعاية الصحية، إذ تعاني مستشفيات كثيرة من الاكتظاظ"، فيما "تصدر عنها مطالبات بتبرّع عاجل بالدم، من أجل التعامل مع التدفّق الخطر للضحايا".

وبيّن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنّ أوامر الإخلاء المتتالية التي أصدرتها إسرائيل في 30 و31 أكتوبر/تشرين الأول المنصرم لقضاء بعلبك (شرق) في محافظة بعلبك-الهرمل، تسبّبت بحالة من الذعر على نطاق واسع وسط نزوح المدنيين. وأضاف أنّ كثيرين من هؤلاء النازحين أمضوا الليل في سياراتهم حينها، في مواجهة ظروف جوية وأمنية قاسية أثناء بحثهم عن الأمان.

وأضاف المكتب الأممي أنّ أوامر إخلاء مماثلة أصدرتها القوات الإسرائيلية في مناطق مختلفة في محافظة النبطية وقضاء صور (جنوب) وضاحية بيروت الجنوبية، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الأزمة. وأشار إلى أنّ أوامر الإخلاء هذه لا تصدر باستمرار قبل كلّ ضربة عسكرية إسرائيلية، ما يترك المدنيين في حالة من عدم اليقين بمواجهة الأعمال العدائية المتواصلة.

يُذكر أنّه في 31 أكتوبر الماضي، أصدرت القوات الإسرائيلية أوّل أمر إخلاء على الإطلاق لمخيّم للاجئين الفلسطينيين، مخيّم الرشيدية في صور، إلى جانب عشر قرى في جنوب لبنان، وهو ما أجبر السكان على اتّخاذ قرارات صعبة وسط خيارات محدودة للجوء الآمن.

وبيّن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، في التقرير نفسه، أنّ المستجيبين في القطاع الصحي مضوا في العمل، وسط ظروف شديدة الخطورة. في سياق متصل، أفاد وزير الصحة العامة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، في تصريحات إعلامية أمس السبت، بأنّ 179 شهيداً سقطوا في العدوان الإسرائيلي، فيما تعرّض أكثر من 40 مستشفى للاعتداء؛ فخرجت ثمانية منها من الخدمة كلياً وسبعة أخرى جزئياً. أضاف في الإطار نفسه أنّ أكثر من 243 مركبة إسعاف استُهدفت من خلال القصف الإسرائيلي على البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، لفت صندوق الأمم المتحدة للسكان، وهو وكالة الأمم المتحدة للصحة الجنسية والإنجابية، إلى أنّ الحوامل تأثّرنَ بصورة خطرة بالعنف المتصاعد في لبنان. فـ"الصراع المكثّف في كلّ أنحاء البلاد أثّر على أكثر من 11 ألف امرأة حامل، علماً أنّ من المتوقّع أن تضع 1300 امرأة مولودها قريباً، وسط تسجيل خسائر هائلة في البنية التحتية ونظام صحي على حافة الهاوية". يُذكر أنّ الصندوق يدعم صحة الأم في لبنان وسورية، من خلال توفير المساعدة الطبية الجسدية والنفسية، وكذلك المساعدة اللوجستية الحاسمة للنساء النازحات والمستضعفات في خلال الأزمة المستمرّة.

من جهتها، حذّرت منظمة يونيسف من تأثيرات العدوان الجسدية والعاطفية المدمّرة على الأطفال، مشيرة إلى أنّ الحرب خلّفت صدمات نفسية لدى الأطفال، وقد عبّر هؤلاء عن ضائقة نفسية وجسدية عميقة، بما في ذلك القلق المتزايد والعدوانية واضطرابات النوم. وبيّنت المنظمة أنّ طفلاً واحداً على الأقلّ قُتل يومياً فيما أُصيب عشرة آخرون بجروح، منذ الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى 31 منه. وشدّدت منظمة يونيسف على أنّه من غير الممكن للتعافي الحقيقي أن يبدأ إلا بوقف دائم لإطلاق النار، وضمان الوصول الآمن إلى الخدمات الأساسية لأطفال لبنان.

تجدر الإشارة إلى أنّ الخسائر بين السكان تفاقمت بسبب تدمير البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الرعاية الصحية. وقد دان منسّق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران رضا الهجمات على المدنيين والبنية التحتية، ودعا إلى وقف فوري للأعمال العدائية لحماية سكان لبنان المعرّضين للخطر.

في الوقت نفسه، تواصل وكالات الأمم المتحدة باختلافها، وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) الذي يبلغ عديدها عشرة آلاف جندي في منطقة جنوب لبنان، دعم السكان المعرّضين للخطر المتضرّرين من العدوان الإسرائيلي المتواصل بالإضافة إلى توفير الخدمات والإمدادات الأساسية.

وبحسب ما جاء في تقرير حديث أصدرته وكالات الأغذية التابعة للأمم المتحدة عن نقاط الجوع الساخنة، من المتوقّع أن يتفاقم انعدام الأمن الغذائي بصورة كبيرة، بسبب تصاعد العدوان والضغوط الاقتصادية، الأمر الذي من شأنه أن يدرج لبنان في قائمة النقاط الساخنة المثيرة للقلق الشديد. وقد بيّنت هذه الوكالات أنّ ما بين إبريل/ نيسان وسبتمبر الماضيَين، واجه 1.3 مليون شخص، أو 23% من سكان لبنان، مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما في ذلك 85 ألفاً في ظروف طارئة. وحثّت وكالات الأغذية على توسيع نطاق المساعدات الغذائية والدعم النقدي والمساعدة في مجال الزراعة، بهدف تلبية احتياجات المجتمعات المتضرّرة من الأزمة المتصاعدة في لبنان.

وقد أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنّ العدوان المستمر على لبنان يعمّق الأزمة الاقتصادية في البلاد، مشيراً إلى أنّ الانكماش المحتمل في الناتج المحلي الإجمالي يُقدَّر بنسبة تصل إلى 15.6%. وأضاف أنّ قطاعات رئيسية مثل السياحة والزراعة تتأثّر بشدّة، الأمر الذي يؤدّي إلى تفاقم التضخّم وزعزعة استقرار سلاسل التوريد.

بدورها، بيّنت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) أنّ تصعيد العدوان يؤدّي إلى تفاقم الصعوبات التي تواجه المجتمعات المعتمدة على الزراعة، الأمر الذي يفاقم أزمة الأمن الغذائي الشديدة بالفعل في كلّ أنحاء البلاد. ولفتت إلى أنّ الغارات الجوية الإسرائيلية تُواصل قصف المناطق المنتجة للغذاء، وقد تضرّر بالتالي أكثر من 1900 هكتار من الأراضي الزراعية في محافظتَي الجنوب والنبطية، وبقي بعضُها من دون حصاد.

المساهمون