تحمل زهرة الموسى، النازحة من منطقة زغير بريف دير الزور، طفلها خليل ذا الخمسة أعوام بين ذراعيها، كاشفة عن ندوب وبثور في جسده النحيل. تبحث لاهثة عن أقرب مستوصف طبي في المنطقة المجاورة لمخيم سهلة البنات، الواقع على مسافة 4 كيلومترات شرق الرقة التابعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، وهو مستوصف يعود لإحدى المنظمات التي توقف دعمها، ولا يزال يعمل ضمن إمكانات محدودة.
حال زهرة لا تختلف عن حال الكثير من النازحات من مناطق الصراع التي تسيطر عليها المليشيات الإيرانية والنظام السوري، من دير الزور ـ أرياف الرقة وحماه وحمص والسخنة والبادية في مخيمات عشوائية تحيط بالرقة وريفها. وترتدي النساء والأطفال والرجال ملابس رثة في مخيم سهلة البنات، حيث تغيب الخدمات وتنعدم مقومات الحياة. وتعتمد هذه العائلات على فرز النفايات من المكب المجاور للمخيم، ثم بيع ما هو صالح.
في هذا السياق، تقول أمينة العمر (اسم مستعار) المتحدرة من دير الزور والمقيمة في المخيم منذ عامين، لـ "العربي الجديد": "أعمل وشقيقتيّ وبنات عمي في ورشة لعزل المواد البلاستيكية والمعادن والخردة من مجمع القمامة، حالي حال العديد من العائلات التي لا حول لها ولا قوة، علماً أن هذه المهنة تضر بصحة الكبار والصغار الذين يرافقوننا إلى أماكن العمل، ليعاني كثيرون منهم من أمراض جلدية والتهابات رئوية". وتتحدث عن صعوبة تخزين الجير (صنف من المواد الكيميائية المعدنية هي أكسيد الكالسيوم)، مضيفة أنّ الروائح الناتجة عن الشحم والزيوت والفيول تؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
من جهته، يقول الناشط الإعلامي أحمد الحسين المقيم في مدينة الرقة لـ "العربي الجديد": "تقطن في مخيم السهلة حوالي 1570 عائلة، علماً أنه يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة والمرافق الصحية والطبية على الرغم من تعدد المنظمات الدولية والمحلية وعددها يتجاوز الـ 110. ويكتفي بعضها بحملات تلقيح للأطفال تنظمها لجنة الصحة التابعة للمجلس المدني بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية من عمر يوم وحتى خمسة أعوام، بينما تنتشر أمراض الجرب، والليشمانيا والشرى بين الأطفال والنساء والرجال في ظل غياب البرامج الوقائية أو مراكز طبية ثابتة.
أما رحيلة النازحة إلى مخيم الحتاش شمالي الرقة، والمتحدرة من منطقة تل أبيض شمال الرقة، فتوضح أنها تعمل مع عدد من نساء المخيم في الأراضي الزراعية بالمياومة أثناء فترة حصاد القمح. وتقول: "منذ أواخر شهر أيار/ مايو، عدت وعائلات مهجرة من لبنان إلى الرقة بعد مبادرة الإدارة الذاتية المتعلقة باستقبال العائلات السورية. واستقر بنا الحال في المخيم الذي لم يكن جيداً لناحية الخدمات والواقع المعيشي. استطعت وزوجي وبعض الأقرباء صناعة أكواخ من القش التي لا تقيني وأطفالي لهيب الحر والحشرات والعقارب. مؤخراً، يعاني الأطفال من طفح للبثور والحصبة، ومن بينهم ابنتي ذات الأعوام الثلاثة. واضطررت لأخذها إلى القطاع الطبي الخاص، علماً أن المعاينة مكلفة، عدا عن أسعار الأدوية". وتشكو رحيلة الصعوبات المعيشية والإهمال الطبي من قبل المنظمات، ويعاني الأطفال من الأمراض الجلدية، وقد أصيبت شقيقتها ذات الخمسة أعوام بمرض جلدي أيضاً.
ويقول رئيس مكتب المخيّمات وشؤون النازحين في مجلس الرقة المدني: "انتشرت العديد من الأمراض الجلدية بين الأطفال بشكل خاص والنساء والرجال بشكل عام لأسباب عدة منها ارتفاع درجات الحرارة وتواجد تلك المخيمات العشوائية بمناطق نائية وشبه صحراوية. وتركزت الإصابات في ثلاثة مخيمات هي مخيم سهلة البنات العشوائي شرق الرقة المقابل لمكب النفايات الأخطر على البيئة والصحة العامة، والثاني مخيم حزيمة العشوائي في شمال مركز المدينة، والثالث مخيم الحتاش العشوائي شمال الرقة".
وبحسب الماجد، بلغ عدد المخيمات 53 مخيماً عشوائياً، وعدد العائلات النازحة 12500 من مناطق دير الزور- ريف الرقة الشمالي، ونبع السلامــ ريف الرقة الجنوبي الشرقي والغربي، الخاضعة لسيطرة النظام والمليشيات الإيرانية، بالإضافة إلى ريف حماه وريف حمص وريف إدلب، ويقطنها حوالي 80 ألف نسمة. يضيف: "ناشدنا المنظمات المحلية والدولية مساعدة العائلات التي أصيب أطفالها بأمراض جلدية، لكننا لم نلق آذاناً صاغية، والحجة أن البرامج والمنح تتجه فقط نحو المخيمات الرسمية. يضيف: "جهزنا مخيماً في منطقة العدنانية لدمج 7 مخيمات عشوائية للنازحين، والهدف حث المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي على دعم العائلات المهجرة والنازحة إلى الرقة".
بدوره، يقول الناشط الحقوقي سردار شريف لـ "العربي الجديد" إن الوضع الإنساني في مخيم سهلة البنات كارثي، وخصوصاً الأطفال الذين يعانون من أمراض كثيرة، وتنتشر بسرعة كبيرة بين الآلاف منهم. وهناك استهتار كبير جداً من قبل جميع الجهات المحلية والدولية والأمر مرفوض إنسانياً. يتابع: "تجاهل العالم كله ما يعانيه أطفال سورية ضمن المخيمات ليس فقط في مخيم سهلة البنات، وهذا يعني أنهم تجردوا من إنسانيتهم المزعومة وما يتفوهون به مجرد شعارات". ويطالب المجتمع الدولي بالتدخل سريعاً أو سنشهد كارثة إنسانية تضاف على قائمة ملايين الكوارث الإنسانية التي تشهدها سورية منذ ثلاثة عشر عاماً.