الأمراض النفسية تتفاقم بين نساء أفغانستان والعادات تحرمهن من العلاج

21 اغسطس 2024
لا يعترف المجتمع الأفغاني بالأمراض النفسية (عمر أبرار/فرانس برس)
+ الخط -

تعاني شريحة من النساء الأفغانيات أمراضاً نفسية مختلفة، لكن لا يمكنهن الوصول إلى العلاج بسبب الأعراف والعادات المتوارثة، وفي ظل الأوضاع السيئة لعموم النساء في أفغانستان، تظهر عقبات إضافية تحول دون تلقيهن العلاج اللازم، على رأسها قلة أعداد الأطباء النفسيين في البلاد، والأوضاع المعيشية المتدهورة، وانتشار الفقر والجهل، وعدم توفر التوعية بمخاطر تلك الأمراض، خاصة لدى سكان المناطق النائية. 
قتلت الأفغانية عابدة (38 سنة) نفسها في ولاية أورزجان (جنوب)، نتيجة تداعيات المرض النفسي الذي كانت تعانيه من دون أن تتمكن من الحصول على العلاج المناسب، إذ كانت متهمة من قبل ذويها بأنها تتكاسل في العمل، وتدعي أنها مريضة في حين لا أثر على جسدها لأية أمراض. 
ويؤكد أفراد عائلتها أنها لم تخضع لأي علاج، سوى ما أعطاه لها صيدلاني في السوق القريب من منزلها من حبوب النوم، كما لم يقبل أحد أنها مريضة، حتى إن زوجها كان ينفي كونها مريضة، ويتهمها بالكسل، ولم يقبل أحد من العائلة أنها مريضة، وكان الجميع يطالبها بممارسة مهامها الحياتية، من رعاية الأولاد إلى خدمة الضيوف ورعاية المواشي، كما تفعل كل نساء المنزل.
وبعد معاناة طويلة، أخبرت عابدة والدها بأنها مريضة، لكنه قال لها أن تصبر وتحتسب، وفي ليلة من ليالي شهر يونيو/حزيران الماضي، تشاجرت مع زوجها، وفي منتصف الليل، وبعد أن نام الجميع، قامت بتناول السم المخصص لمكافحة الفئران، لتلفظ أنفاسها الأخيرة مخلفة وراءها خمسة أطفال صغار. 
ويقول زوجها محمد رفيق لـ"العربي الجديد": "لم أكن أتوقع أن تقوم زوجتي بما قامت به. كانت امرأة قوية، وكانت تعمل ليل نهار، وتبذل قصارى جهدها في خدمة الأطفال والضيوف، وفي خدمة أبويّ، وكل من في المنزل. كانت تقول بين الحين والآخر إنها متضايقة أو متعبة، وكنت أظن أن كثرة المهام أصابتها بالإرهاق، لكنها مع الأسف الشديد قتلت نفسها، وتركتنا في حالة من الحزن".
يضيف: "المشكلة الأساسية أن الأعراف السائدة في بلادنا، خاصة في مناطق القبائل، لا تعترف بالأمراض النفسية، ولا يهتم بها الناس كثيراً، ولم أكن أتوقع أن زوجتي مريضة نفسية. كنت أظن أنها لا تنام بسبب الإرهاق، لكني فوجئت بعد موتها أنها مريضة، وقد تركت لي أطفالاً صغاراً، وأصبحت أحتاج إلى الآخرين في رعايتهم، وأمي وأبي كبيران في السن، ويحتاجان أيضاً إلى رعاية. أصبحت حياتي كلها مرتبكة، ولا أدري كيف أتصرف. لو كنت أعرف أن الأمر سيؤول إلى هذا لأخذتها إلى الأطباء، أو حتى إلى باكستان، لكني لم أعطها مجالاً لتتحدث، وتكشف لي عما تعانيه، ولو أعطيتها مجالاً للحديث لعرفت ما الذي كانت تعانيه. نعم المرأة كانت، لكن لم يدرك أحد حجم معاناتها". 

الكثير من حقوق الأفغانيات غائبة مجتمعيا (فرانس برس)
الكثير من حقوق الأفغانيات غائبة مجتمعياً (فرانس برس)

وتتوارد عشرات القصص لمعاناة المرأة الأفغانية مع الأمراض النفسية، وهي بطبيعة الحال متفشية في المجتمع الأفغاني الذي عانى حروباً لمدة أربعة عقود متصلة مثل غيره من المجتمعات التي عاشت صراعات وحروباً، لكن لا يهتم أحد ببث الوعي حولها، ولا تزال القبائل الأفغانية ترى أن الأمراض النفسية نوع من النقص في شخصية الإنسان، ومن ثم لا تهتم العائلات بالعلاج.  
يقول الزعيم القبلي في ولاية ننغرهار (شرق)، خواجة محمد لـ"العربي الجديد": "كنت أعاني صداعاً شديداً، وعدم القدرة على النوم، وحاولت أن أتجاوز هذا الأمر بأشكال مختلفة، لكن لم أتحسن، وكنت أرفض الذهاب إلى طبيب نفسي من أجل العلاج لأنني كنت أظن أن هذا سيظهر نقصاًَ في شخصيتي، لكن في نهاية المطاف بدأت أكره الجلوس مع الناس، فسافرت إلى باكستان، وذهبت إلى طبيب نفسي في مدينة بشاور". 

يضيف: "حين وصلت إلى بشاور، سألني بعض الأقارب، فلم أقل لهم إنني أتابع مع طبيبي نفسي، بل قلت إنني أذهب إلى طبيب متخصص في أمراض المعدة، ولم آخذ أيهم معي إلى الطبيب حتى لا يعرفوا أنني مريض نفسي. لما أخذت الدواء تحسنت كثيراً، وبدأت أنام، وأمارس أنشطتي الحياتية المعتادة، وحينها تأسفت لماذا جعلت نفسي أعاني طوال هذه الفترة، ولماذا لم أذهب مبكراً إلى الطبيب النفسي، وهذا حال كثيرين".
يتابع: "الجيل الجديد، خاصة في المدن، تغيرت أفكاره حول الأمراض النفسية كثيراً، فالعديد من الأمراض العضوية سببها الأمراض النفسية، ونحن لا نهتم بالعلاج النفسي بينما هذا شيء طبيعي نتيجة الحروب والويلات التي عشناها، والتي تستلزم أن نخضع لمعالجة نفسية عميقة". 

المساهمون