الألغام كابوس قاطني جبال تونس

21 مايو 2023
تشكل الجبال خطراً على الأهالي (العربي الجديد)
+ الخط -

بُتِرت ساق فتاة مؤخراً من جراء انفجار لغم في جبل مغيلة بمحافظة القصرين. كانت غايتها رعي أغنامها في المنطقة التي باتت منذ عام 2011 محرمة على الجميع بعد تحصن الجماعات الإرهابية فيها. بعد إصابتها، نقلت إلى المستشفى الجهوي بالقصرين حيث خضعت لعملية جراحية وبترت ساقها اليسرى.
حادثة فتاة القصرين أعادت إلى الواجهة مأساة العشرات الذين تعرضوا لإصابات نتيجة انفجار ألغام من مخلفات الجماعات الإرهابية هناك. كما أثارت تساؤلات عدة عن موعد إزالتها، وخصوصاً أن هذه الألغام حرمت الأهالي من التجول في الجبال بعد تكرّر الحوادث التي أصيب فيها العشرات من سكان الأرياف. 
في إبريل/ نيسان الماضي، تعرّض مواطن إلى انفجار لغم في جبل مغيلة بمحافظة القصرين، الأمر الذي تطلب تدخلاً جراحياً في المستشفى الجهوي في المنطقة. ويشير أحمد شقيق المصاب لـ "العربي الجديد" إلى أن "شقيقه اضطر إلى رعي أغنامه بالجبل بسبب عدم القدرة على تأمين العلف لمواشيه، وعدم توفر المراعي الكافية نتيجة الجفاف ونقص الأمطار. لكن للأسف، أصيب على الرغم من أنه لم يتوغل كثيراً بالجبل". يضيف أن "شقيقه لا يزال تحت وقع الصدمة ولم يستوعب بعد أنه بات غير قادر على الحركة بأريحية كما في السابق".   
وفي الشهر نفسه وغير بعيد عن المنطقة نفسها، توفي شاب تونسي يبلغ من العمر 31 عاماً، بسبب انفجار لغم أرضي في منطقة جبلية في محافظة القصرين غربي البلاد. لم يكن الشاب يرعى كغيره من الأهالي بل كان يجمع إكليل الجبل الذي اعتاد بيعه للمارة على الطرقات الرئيسية. وقبله، أصيب عسكري في انفجار لغم. وعام 2021، قتل ما لا يقل عن أربعة جنود تونسيين في انفجار لغم تقليدي الصنع في جبل مغيلة بالقصرين خلال عملية تمشيط، وفق الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع محمد زكري.
ويقول راشد (38 عاماً) لـ "العربي الجديد"، الذي تعرّض لانفجار لغم خلال جمعه الحطب في جبل سمامة بمحافظة القصرين، إنه "كان على علم بخطر المكان، ولكن كغيره من سكان المنطقة مضطر لجمع الحطب للتدفئة في فصل الشتاء. وعلى الرغم من الحذر، كان يعتقد أن الطريق آمن، لكنه أصيب". يعاني اليوم من صعوبة في المشي ومشاكل في الرؤية بسبب شظايا الألغام. للأسف، بعض سكان الجهة لقوا حتفهم من جراء تلك الألغام التي لم تُزل على الرغم من انسحاب الجماعات الإرهابية التي كانت محصنة داخل الجبال. 

ما خلفته الجماعات الإرهابية من ألغام في جبال تونس يعيق حرية تنقل الأهالي

وتعد المناطق الجبلية بالنسبة لسكان الأرياف مصدراً جيداً للرزق. يتخذ البعض منها مرعى لأغنامه، فيما يجمع آخرون النباتات الجبلية لبيعها للناس أو لصانعي مواد التجميل أو الزيوت. ويجمع بعض شباب المناطق الريفية خلال فصل الشتاء أنواعاً عدة من الفطر الجبلي الصالح للأكل. كما تعمل النساء على جمع الصنوبر من الجبال وبيعه على الطرقات الرئيسية، أو جمع الحطب للتدفئة في فصل الشتاء واستعمالات أخرى. 
لكن بعد تحصن الجماعات الإرهابية في جبال عدة مثل سمامة ومغيلة والسلوم والشعانبي، وباتت مناطق عسكرية ممنوعة على الأهالي، حرم سكان المناطق الريفية من الرعي أو التجوال لجمع الحطب والأعشاب والنباتات. واحتج الأهالي بداية الأمر، لا سيما وقد تعرض بعض السكان قرب تلك الجبال إلى القتل والذبح على أيدي الجماعات الإرهابية، فيما تعرض عدد من المواطنين والعسكريين إلى إصابات مختلفة من جراء انفجار الألغام. لكن لم يكن هناك من خيارات غير الالتزام بعدم دخول تلك الجبال التي باتت خطراً على حياتهم، وخصوصاً أن المسلحين الموالين لعدة تنظيمات إرهابية زرعوا ألغاماً ومتفجرات في مسارات جبلية عدة، لا سيما  على الحدود مع الجزائر للتصدي لأي تدخل أمني وعسكري.
وتسببت تلك الألغام على مدى السنوات الماضية في إصابة عشرات العسكريين والمواطنين. وعلى الرغم من تراجع العمليات الإرهابية في تونس منذ عام 2020، إلا أن ما خلفته تلك الجماعات في الجبال بقي يعيق حرية تنقل أهالي المناطق الجبلية. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

وسبق أن كشفت وزارة الدفاع التونسية استناداً إلى تقارير أوليّة، أن معظم الألغام التي انفجرت في مناطق جبلية عدة هي "ألغام بدائيّة الصنع وضعت بطريقة احترافيّة من قبل عناصر إرهابيّة". وانفجرت العديد من الألغام خلال نشوب بعض الحرائق في الجبال خلال السنوات الماضية، فيما أصيب بعض حراس الغابات لا سيما وأن تضاريس وطرقات تلك الجبال تتغير بسبب الرياح والأمطار. 
وتظهر بعض الألغام من جراء انجراف التربة فيما تختفي أخرى. كما تسببت في نفوق بعض الدواب في تلك الجهات، لا سيما وأن سكان المناطق الريفية يتنقلون أساساً على ظهور الدواب لصعوبة التنقل في المسالك الوعرة. وكثيراً ما يسمع سكان تلك المناطق دوي انفجار الألغام بسبب تنقل بعض الحيوانات البرية في تلك الجبال. 
ويطالب سكان بعض الجهات الداخلية قرب تلك الجبال بالإضافة إلى منظمات عدة بضرورة تمشيط المناطق هناك، وإزالة ما يمكن إزالته من تلك الألغام التي لا تزال تشكل خطراً على الناس والحيوانات، وتعيق عدّة أنشطة يقوم بها سكان الأرياف.

المساهمون