باتت الأعمال التطوعية في المجتمع العراقي واحدة من أبرز الإيجابيات التي شهدتها البلاد خلال السنوات الخمس الأخيرة بمختلف محافظاتها ومدنها، وهي تجاوزت مساعدة الفقراء والمحتاجين إلى ما هو أبعد من ذلك، خاصة في المدن التي تعرّضت لنكبة اجتياح تنظيم "داعش" لها، وما خلّفه ذلك من دمار كبير.
لكن الجديد في ظاهرة الحملات التطوعية أنها لم تعد حكراً على الرجال فقط، بل تعدّت ذلك إلى فرق نسائية كاملة، تهتم بحملات كبيرة ومؤثّرة في المجتمع، ساهمت بتغيير حال الكثير من الأسر والضغط على السلطات في تصحيح وتصويب حالات كثيرة سلبية في المجتمع.
عضو شبكة منظمات المجتمع المدني في العراق (NGO)، محمد الموسوي، قال لـ"العربي الجديد"، إنّ الحملات التطوعية بعموم المدن العراقية، تجاوزت، خلال العام الماضي، عتبة الـ10 آلاف حملة، وأخذت أشكالاً وأحجاماً مختلفة ومتنوعة. بعضها استمر عدّة أسابيع وتجاوز إطار العمل تحت إشراف المنظمات، وبات مسألة إطلاق حملة لا يتطلب سوى التنسيق على موقع "فيسبوك"، أو بين أبناء الحي أو الشارع الواحد.
ويضيف الموسوي أنّ "حملات التطوّع في العراق تعدّت جمع الملابس والأدوية وعلاج العائلات الفقيرة، إلى ما هو أبعد، حيث صرنا نرى حملات ضخمة من شباب بسيط، منها رفع أنقاض أحياء مدمّرة، وتنظيم حملات للكشف عن أماكن وجود الألغام ومخلّفات حربية، وتأهيل مدارس وتوعية وحثّ على التطعيم ضد وباء كورونا، وجمع أموال لبناء بيوت لأرامل ومحتاجين، والتحرّك لمنع حالات زواج قاصرات أو جرائم تعنيف نساء، وأخيراً كانت هناك حملات كبيرة على مستوى مدن مختلفة، تتعدى جانبها المادي، مثل نبذ الطائفية والعنصرية وإشاعة روح المواطنة والتمدّن ورفض ما يعرف بـ"الفصليّة العشائرية" التي تبيح تزويج النساء بالإكراه، وهذه كلها تجعل من الحملات التطوعية عاملا رئيسيا ومهما في استقرار المجتمعات".
وأكّد أنّ "الحملات لم تعد حكراً على الرجال، بل صارت مليئة بالعنصر النسائي الذي أثبت نجاحاً كبيراً، خاصة في مناطق فقيرة ومنكوبة تكون فيها النساء والأطفال هم الحلقة الأضعف والأكثر حاجة للمساعدة".
وفي الثامن من الشهر الماضي، أطلقت الحكومة العراقية منصّة للعمل التطوعي بالتعاون مع منظمة "يونيسف"، بعد اتساع ظاهرة الأعمال التطوعية الخيرية بين الشباب. وتتضمن مبادرة إطلاق المنصة، التي أُطلق عليها اختصاراً اسم (NYVP)، عرض أبرز الأعمال التطوعية وتقديمها للشباب للتسجيل والانخراط بها.
وقالت القائمة بأعمال ممثلة "يونيسف" في العراق، باولا بولانسيا، إنّ "هذه المنصة المبتكرة خطوة حاسمة لضمان الوصول المتكافئ للشباب في عموم العراق إلى فرص التطوع والإسهام في الانخراط والتغيير الاجتماعي، من خلال إشراك الفتيات والفتيان في أنشطة هادفة في مجتمعاتهم، وتوسيع معارفهم لأجل الانتقال صوب العمل".
وتستهدف المنصة بشكل رئيس فتيات وشباب العراق، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، بحسب موقع منظمة يونيسف الراعية للمبادرة (unicef.org)، ويضيف الموقع أنها أول منصة وطنية للعمل التطوعي في العراق.
وتعتبر الناشطة، فاطمة محمد، من مدينة الشعلة ببغداد، أنّ المنصّة روتينية ولا تتناسب مع الوضع في العراق. وتضيف محمد لـ"العربي الجديد"، أنّ "حملاتنا في بغداد عادة ما تكون ارتجالية وغير مخطّط لها والمنصة التي أطلقتها "يونيسف" مهمة جدا، لكن لا تتناسب مع كثير من الحالات الاجتماعية العراقية وتكاد تكون روتينية ولا تتناسب مع الوضع في العراق".
وتتابع: "قبل أيام وجدنا سيدة مع ستة أطفال بلا معيل، تسكن في منزل مهجور وثلاثة من أطفالها مرضى وهي تعاني من مرض شديد. والسيدة ملّت من مراجعة وزارة العمل دون جدوى، فأطلقنا مبادرة على فيسبوك وجمعنا لها أكثر من 4 آلاف دولار في غضون يوم واحد، ونقلناها إلى غرفة نظيفة ودافئة ودفعنا ثمن إيجارها لعام كامل، ووفّرنا العلاج لها ولأطفالها، ونحن بصدد إطلاق حملة أخرى لتمكين أطفالها من العودة إلى المدارس". وتعتبر أنّ مثل هذه الحالات وغيرها، "لا تحتمل التأخير".
الناشط المدني، عمر العبيدي، من بغداد، يقول إنّ الحملات التطوعية لم تعد بحاجة إلى منظمة تحتضنها كما في السابق، بل يكفي التنسيق بين الشبان وقوات الأمن للقيام بالحملات داخل المجتمع.
ويضيف العبيدي لـ"العربي الجديد"، أنّ "فئات الأيتام والأرامل وذوي المختطفين والمغيّبين والنازحين والمدمّرة منازلهم، هي الأكثر حاجة للمساعدة بالوقت الحالي مع تراجع الدعم الحكومي لها. يُضاف لذلك الحملات الاجتماعية ذات البعد الجمعي والتشاركي مثل حملات التنظيف والتوعية وتأهيل مراكز صحية ومدارس وغيرها، وهي مهمة للغاية".
ويتابع: "تمكنا في إحدى الحملات من جمع 50 ألف لتر من مادة النفط الأبيض المخصّص للتدفئة، ونقلناها للمخيمات وجمعنا ما لا يقل عن 30 ألف قطعة ملابس شتوية، كما وفّرنا أدوية وعلاجات لأصحاب الأمراض المزمنة، وهذا كله مهم، لكن الأهم أنّ الحملات التطوعية يغلب عليها الطابع الإنساني. إذ يتبرّع الجميع لأشخاص لا يعرفونهم، وهذا ما يؤكّد ويدلّل على أصالة المجتمع العراقي وطيبته في جميع مدن ومحافظات البلاد".