الأشخاص ذوو الإعاقة... الاحتلال الإسرائيلي يبتر أطراف الغزيين

30 يونيو 2024
العدوان أجبره على تركيب قدم اصطناعية (عبد الرحيم الخطيب/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول أدى إلى إصابة أكثر من 86 ألف شخص في غزة، خلف منهم حوالي 10 آلاف شخص ذوي إعاقة، مع تدمير البنى التحتية ومقرات المنظمات العاملة في مجال التأهيل، مما أثر سلبًا على حركة ووصول هؤلاء الأشخاص للخدمات الضرورية.
- ذوو الإعاقة في غزة يواجهون صعوبات بالغة في الحصول على العلاج المناسب بسبب الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح، النقص الحاد في الكوادر الطبية والمستشفيات، وصعوبات السفر للخارج للعلاج، مما يضعهم في وضعية تتطلب تدخلات عاجلة.
- قصص مثل عبد المنعم سلامة ومحمد نوفل والطفل عمر الزايغ تعكس الواقع المرير لذوي الإعاقة في غزة، الذين يواجهون تحديات يومية في البحث عن العلاج، التعامل مع الإعاقات الجديدة، والعيش في ظروف قاسية، مؤكدة على الحاجة الماسة للدعم الطبي والنفسي والمادي.

يعيش الأشخاص ذوو الإعاقة الذين قدر عددهم بحوالي 10 آلاف جراء العدوان الإسرائيلي الحالي ظروفاً صعبة للغاية في ظل نقص العلاج وعدم القدرة على السفر، والعيش في الخيام.

أعلن قطاع تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة في شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي خلّف نحو 10 آلاف شخص من ذوي الإعاقة في قطاع غزة، من بين أكثر من 86 ألف جريح حتى 29 شهر يونيو/ حزيران الجاري، أي إنّ من أصل كلّ نحو ثمانية جرحى، هناك شخص واحد من ذوي الإعاقة. ووفق بيانات نشرتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، قُتل المئات من ذوي الإعاقة في غزة وأصيب الآلاف، بالإضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من الأشخاص ذوي الإعاقة وتعرضهم لظروف النزوح الصعبة، فضلاً عن الصدمات النفسية الصعبة التي يتعرضون لها.
وأكد قطاع تأهيل ذوي الإعاقة أن "تدمير الجيش الإسرائيلي البنى التحتية والطرق الرئيسية والمواءمات ومقرات المنظمات العاملة في مجال التأهيل، سبّب الحد من قدرة الأشخاص ذوي الإعاقة على الحركة والوصول إلى الخدمات، ومن ثم الحد من فرص التنقل والإخلاء، ما عرض ويعرض حياتهم للخطر الشديد، بالإضافة إلى خسرانهم لأدواتهم المساعدة بسبب اضطرارهم إلى ترك الأدوات المساعدة".
ويواجه ذوو الإعاقة الجدد معاناة كبيرة في الحصول على علاج، وأصبحوا مثل من سبقوهم من الأشخاص ذوي الإعاقة ممن سبّبت الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في السنوات الماضية ومسيرات العودة عام 2018 إعاقاتهم. ويعيش ذوو الإعاقة ظروفاً صعبة بسبب غياب أي مستقبل لعلاجهم. وهؤلاء تحديداً لديهم إعاقات حركية منها بتر في الأطراف. ولا يستطيعون السفر بعد احتلال الجانب الإسرائيلي معبر رفح ومن ثم لا يخضعون لعمليات جراحية، في ظل العدد القليل من العاملين في مستشفيات قطاع غزة.
يعيش عبد المنعم سلامة (42 عاماً) في خيمة في منطقة المواصي غربي مدينة خانيونس، ويحاول إيجاد حل يومي للحرارة الشديدة داخل الخيام، متوجهاً إلى شاطئ البحر. ذلك المكان يساعده على تناسي عدم قدرته على النوم نتيجة بتر قدمه اليمنى بعد إصابته في مدينة خانيونس في يناير/ كانون الثاني الماضي. لا يستطيع أن ينسى ذلك اليوم، حين علقت قدمه اليمنى في سقف المنزل، وقد حاول جهاز الدفاع المدني إخراجه من دون أن يتمكن من فعل شيء لإنقاذ قدمه، فأُخرج لتبقى قدمه تحت الركام. 
لم يتلقَّ سلامة علاجاً مناسباً منذ شهرين، ويعيش على المضادات الحيوية ليحافظ على صحة عظام الساق، ويحتاج إلى طرف صناعي منذ مارس/ آذار الماضي، لكن المراكز المتخصصة في الأطراف الصناعية، ومن بينها مستشفى الشيخ حمد للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة خرجت عن الخدمة بسبب الاستهداف الإسرائيلي المباشر لها. يقول سلامة لـ "العربي الجديد": "أستيقظ لأشعر بالألم. أحاول المشي والاتكاء على شقيقي الأصغر (25 عاماً) لأن ابني الأكبر في السابعة فقط. ندمت على التأخر في الزواج وإنجاب الأطفال. لكن يبقى ابني الكبير سنداً لي، ويمكن أن يكون سنداً لوالدته. أحاول التنقل بين العيادات والخيام التي فيها نقاط طبية يومياً، لأنني أواجه آلاماً شديدة والتهابات في أطراف الجلد في المنطقة المبتورة وأعيش قلقاً دائماً".
يضيف: "عندما أخبروني أنّ إعاقتي دائمة، شعرت بحسرة في قلبي وصرتُ متعاطفاً مع كثيرين، منهم صديقي الذي بترت ساقه أثناء مسيرات العودة عام 2018. في الوقت الحالي، أشاركه الهم نفسه، وأعاني بسبب الضغط النفسي الحاد ونقص الغذاء والفقر الشديد. قبل العدوان الإسرائيلي، كنت أعمل في بقالة في إحدى المدارس في منطقة شمال القطاع، والآن أصبحت من ذوي الإعاقة".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وأصيب محمد نوفل (37 عاماً) بشلل نصفي في أطرافه السفلية هو الذي خرج من تحت الأنقاض وبقي في العناية المركزة لأيام في حالة غيبوبة قبل أن يستيقظ من دون أن يشعر بأطرافه السفلية. يقول: "أصبت بشلل نصفي بعدما أجريت ثلاث عمليات نتيجة قوة الإصابة في الضربة التي دمرت المنزل في مدينة غزة، وأدت إلى استشهاد عدد من أفراد عائلتي". رافقه شقيقه في رحلة العلاج، حتى إنه حصل على كرسي متحرك قديم بعد محاولات عدة ومناشدات مستمرة. يعيش مع زوجته وطفله وشقيقه في خيمة بعدما فقد سبعة من أفراد عائلته.
يقول نوفل لـ "العربي الجديد": "هناك أمل في العلاج، لكن ليس في غزة أو الدول المجاورة. أما السفر فليس بالأمر السهل عدا عن الكلفة المادية. أصبت نهاية العام الماضي وكل محاولاتي بالعلاج فشلت. أعيش على أدوية مضادة للالتهابات وأخرى مقوية تفادياً لحصول إغماء، لكن في الأسابيع الأخيرة، أصبحت الأدوية غير متوفرة، وبدلاً من تناول جرعة يومياً، أصبحت أتناول الدواء كل يومين". 

غزة (فرانس برس)
يواجه ذوو الإعاقة الجدد معاناة كبيرة في الحصول على علاج (فرانس برس)

وللأطفال أيضاً نصيبهم. بترت ساق الطفل عمر الزايغ (9 سنوات) في فبراير/ شباط الماضي. كانت هناك عدة محاولات لإنقاذ ساقه، علماً أنه من المهجرين في المنطقة الشمالية، لكن جميع المحاولات فشلت وتأخر حصوله على موافقة للعلاج في الخارج كما تشير والدته سحر. بترت ساقه اليسرى تفادياً لتفشي الالتهابات في كل أنحاء جسده. الزايغ يعيش مع والدته في إحدى المدارس في مدينة دير البلح. خلال الشهر الأخير، عانى الألم الشديد في ظل نقص العلاج. كان من المفترض أن يحصل على إعادة تأهيل كما تبين والدته، لكن المنطقة التي بترت تشهد التهاباً كبيراً في الأطراف، وتشعر بقلق كبير لأنه في حاجة بسبب حاجته إلى إعادة تأهيل كبير كما أطلعها الأطباء، وهو يحتاج إلى متابعة دائمة. تقول والدته لـ"العربي الجديد": "يشعر ابني بالألم. يقول لي إنه كان لديه أمل، لكننا نعيش معاناة متفاقمة. في الكثير من الأيام، يتناول علاجاً للصداع لكنه يفيده. ينام من شدة التعب والبكاء فقط".
في زمن الحرب، غالباً لا يتمكن القطاع الطبي في غزة من تسجيل حالات الإعاقة والأمراض التي تحتاج إلى علاج دوري طويل المدى ضمن قاعدة البيانات بسبب الانتهاكات المستمرة على المراكز الطبية والمستشفيات والمقرات الحكومية الرسمية. هذا ما يؤثر سلباً على المرضى والجرحى والأشخاص ذوي الإعاقة الجدد، ولا سيما من بُترت أطرافهم حديثاً والذين يقدرهم الأطباء بالآلاف.  

غزة (إياد البابا/ فرانس برس)
حتى الأطفال لم يسلموا (إياد البابا/ فرانس برس)

يعمل الطبيب محمد ديب، اختصاصي العظام، في علاج عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة الجدد الذين بترت أطرافهم. ويوضح أن هناك غياباً لأنواع كثيرة من العلاج، منها المسكنات والمضادات الحيوية وأدوية هشاشة العظام وحتى العناصر الغذائية والفيتامينات. ويقول إن "عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة يقدر بالآلاف نتيجة العدوان الحالي. بعض الجرحى يدخلون المستشفيات والمراكز الصحية لحظة الإصابة ويتلقون علاجأ طارئاً ثم يعودون للعلاج لاحقاً، لكننا نضطر أحياناً إلى البتر. قلة المستشفيات والكوادر الطبية والحالة العشوائية في العمل أدت إلى عدم القدرة على تقديم الرعاية الصحية على أكمل وجه والتشخيص السليم".

ويقول ديب لـ "العربي الجديد": "حالات الإعاقة في قطاع غزة يجب أن يفتح لها ملف لتحديد العلاج ومنحهم تقارير رسمية للانتقال إلى مرحلة العلاج الطبيعي والنفسي مع منظمات ومؤسسات متعاونة وخيرية. لكن حالياً، البروتوكول الطبي مدمر بالكامل الأمر الذي يزيد من المعاناة والمضاعفات، وهو ما قد يرفع عدد الأشخاص ذوي الإعاقة". 
وبحسب شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية استُشهد المئات من الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة المسجلين قبل العدوان الإسرائيلي الأخير وأصيب الآلاف، فضلاً عن تهجير عشرات الآلاف من بينهم وتعرضهم لظروف قاسية، عدا عن الصدمات النفسية الصعبة التي يتعرضون لها، كذلك وجود عدد منهم تحت الركام لغاية اللحظة بسبب عدم قدرة جهاز الدفاع المدني الوصول إليهم.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء قد أفاد بأن عدد الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين قبيل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان 115 ألف شخص، يشكلون ما نسبته 2.1% من السكان. يشار إلى أن الأسباب المرتبطة بالإجراءات الإسرائيلية والحروب كانت السبب في إحداث إعاقة واحدة على الأقل لحوالي 6% من الأفراد بعمر 18 سنة فأكثر في قطاع غزة والضفة الغربية.

المساهمون