الأسرى الكويتيون في العراق

06 ديسمبر 2021
دفن رفات أسرى كويتيين عثر عليهم في العراق (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -

لا يستطيع الكويتي فهد العنزي أن يتوقف عن البكاء خلال رواية قصة عمه نايف العنزي، الذي فُقد في الكويت أثناء الغزو العراقي للبلاد في عام 1990. حينها كان الفتى نايف في طريقه لزيارة بيت أحد أصدقائه، في حين تبين لاحقاً أنّه كان منخرطاً في المقاومة الشعبية الكويتية ضد قوات الجيش العراقي.
يتذكر العنزي العلاقة المتميزة التي جمعت بينه وبين عمه قبل اختفائه، مشيراً إلى أنّه كان يبلغ من العمر 8 سنوات عند الغزو، بينما كان سنّ نايف يناهز السابعة عشرة. 
وكشفت الحكومة الكويتية بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، عن تعرفها على رفات مجموعات من الجثث العائدة إلى الأسرى الكويتيين المفقودين، والذين رفض النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين الاعتراف بوجودهم من الأساس، وكان من بين رفات الجثث المكتشفة، رفات عائدة إلى نايف العنزي، وتسلمت العائلة ما تبقى من الرفات، وقامت بدفنه في الكويت.
ووصلت أعداد الأسرى المفقودين الذين اكتشفت الحكومة الكويتية رفاتهم إلى 293 من أصل 605 مفقودين، ويجري ذلك بالتعاون مع الحكومات العراقية المتعاقبة، والتي تكتشف بشكل دوري مقابر جماعية خلّفها النظام السابق في أنحاء متفرقة من البلاد.

وما زالت قضية الأسرى تلقي بظلالها على المجتمع الكويتي، إذ أطلق العراق في عام 1991، سراح الأسرى الذين وثقهم في سجلات الصليب الأحمر الدولي، لكن بعض من اختطفوا خلال الأيام الأخيرة من الحرب، وغالبيتهم من المراهقين المدنيين، لم يعلن أبداً عن مكان وجودهم، ولم يعترف النظام العراقي السابق بوجودهم، مما جعل قضية الأسرى قضية وطنية تطغى على جزء كبير من النقاشات السياسية والاجتماعية في البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي. 

واكتشف أهالي كثير من الأسرى المفقودين رفاتهم لاحقاً، ومن هؤلاء حسن اليعقوب، وهو ابن عم أسير كويتي مفقود، ويقول إن والد ووالدة ابن عمه الأسير المفقود كانوا يعيشون على أمل أن يعود ابنهم في ظل تكرار شائعات حول اكتشاف وجود أسرى كويتيين أحياء في سجون العراق أثناء الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، وكانت تؤثر فيهم تلك الشائعات بشكل كبير، ويتتبعونها بشكل يومي. 
يضيف اليعقوب: "عندما يكون لديك ابن مفقود خطف من الشارع، ويأتي شخص ليقول إنه شاهده معتقلاً في مكان ما، فإنك سترى في هذا خيط أمل، وستحاول التمسك به، وهذا ما حدث تحديداً في حالة ابن عمي، وفي النهاية، لم تصدق العائلة خبر وفاته إلا بعدما أعلنت الحكومة الكويتية مطابقة الحمض النووي للأسير المفقود مع رفات موجودة في إحدى المقابر الجماعية في العراق". 
ويؤكد فهد العنزي، أنّ ملف الأسرى شهد الكثير من التلاعبات من قبل الصحافة الكويتية، وبعض من أسماهم "الباحثين عن الشهرة" بعد سقوط نظام صدام حسين، إذ كان كثير من الكويتيين يذهب إلى العراق بحجة أنه سيبحث عن الأسرى، ويعود محملاً بالشائعات، وبعضهم كان يطلب مبالغ مالية مقابل الإرشاد عن مكان مزعوم لأسرى.

دفن رفات أسرى كويتيين عثر عليهم في العراق (ياسر الزيات/فرانس برس)
يحاول الذين وجدوا رفات أبنائهم التعرف على ظروف موتهم (ياسر الزيات/ فرانس برس)

وحسب ما يقول العنزي، فإنّ "هناك قناعة لدى جميع الجهات الفاعلة في ملف الأسرى والمفقودين الكويتيين بوفاتهم قتلاً على يد شخصيات وقيادات في النظام العراقي السابق في عام 1991، كنوع من الانتقام بعد دخول قوات التحالف الدولي إلى الكويت، وتحرير البلاد من الغزو العراقي".
وبدأت حكومة الكويت برنامج المطالبة بالأسرى والمفقودين في عام 1992، وأنشأت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين التابعة لوزارة الخارجية، والتي حاولت آنذاك تنظيم عملية البحث، وفتح قنوات اتصال مع النظام العراقي السابق بوساطات عربية ودولية لإيجاد الأسرى، وإعادتهم إلى الكويت، كما أنشأ مجلس الأمة الكويتي آنذاك لجنة برلمانية للبحث عن الأسرى الكويتيين، ونظم أهالي الأسرى والمفقودين أنفسهم في جمعية نفع عام سميت "جمعية البحث عن الأسرى والمفقودين الكويتيين".
لكنّ القرار الأكبر الذي اتخذته الحكومة الكويتية كان تأسيسها فريق البحث عن الأسرى والمفقودين في العراق في عام 2003، والذي خصصت له ميزانية ضخمة، وحدد له هدف واحد هو "إيجاد الأسرى، وإعادتهم إلى البلاد، أو إعادة ما تبقى من رفاتهم". 

وتشرح لجنة شؤون الأسرى والمفقودين في وزارة الخارجية الكويتية في بيان، عملية التعرف على الأسرى والمفقودين الكويتيين في العراق، مؤكدة أنه "يتم جلب مجموعات من الرفات من العراق إلى الكويت، وتقوم الإدارة العامة للأدلة الجنائية التابعة لوزارة الداخلية بعملية التعرف عبر التحليل الجيني للبصمة الوراثية، والتعرف إلى رفات الكويتيين منهم، ثم إعلان أسمائهم" مشددة على أنه "مجهود صعب وضخم في ظل الظروف الفنية الصعبة التي تتعلق بحالة تلك الرفات بعد مرور سنوات طويلة على عمليات الدفن في مقابر جماعية في العراق". 
ورغم مرور 31 عاماً على غزو العراق للكويت، ما زالت قضية الأسرى عالقة في صدور الكويتيين، خصوصاً أهالي المفقودين، إذ يحاول الذين وجدوا رفات أبنائهم التعرف على ظروف موتهم، فيما لا يزال آخرون يريدون معرفة مصير أبنائهم، ويحدو بعضهم الأمل في إمكانية العثور عليهم أحياء، رغم أنّ الحكومة الكويتية قالت للأهالي إنّها متأكدة من مقتل الجميع وفق معلومات استخباراتية.

المساهمون