اعتكاف أكثر من 370 قاضياً في لبنان

18 اغسطس 2022
لبنانيون يطالبون بإحقاق العدالة (مروان طحطح/ Getty)
+ الخط -

قرّر أكثر من 370 قاضياً في لبنان الاعتكاف الشامل والتوقف النهائي عن العمل بعدما رفعوا الصوت عالياً في مراحل عدة، محذرين من أنّ "ظروف العمل قد لامست خطّ التعذّر من دون أن يلقوا آذاناً صاغية من السلطة التي تعمّدت التجاهل في التعاطي مع مطالبهم المحقة"، وفق بيان صادر عنهم، اليوم الخميس.

وقال مصدر قضائي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حوالي 370 قاضياً من أصل 550 قرروا الاعتكاف، والرقم مرجّح لأن يرتفع. وتواصل العديد من القضاة من خلال مجموعة على تطبيق واتساب، وتناقشوا في الحال التي وصلوا إليها، والظلم الذي يتعرّضون له، وقرروا التوقف عن العمل بعد إجراء تصويت".

وأشار المصدر إلى أنّ قرار الاعتكاف ليس الأول من نوعه، ويرتبط بسببين أساسيين؛ الأول اقتصادي ومعيشي إذ لم يعد القاضي قادراً حتى على الاجتماع مع زملائه في ظل غلاء المحروقات، أو الوصول إلى مكتبه، كما ويواجه صعوبة في تأمين لقمة العيش، أو الفاتورة المدرسية والاستشفائية، في ظل وجود صندوق تعاضد شبه مفلس كحال كل الصناديق الاجتماعية.

أضاف أنّ "السبب الثاني يرتبط بكرامة القاضي التي باتت تُمسّ ليس فقط مادياً بل معنوياً من خلال الحملات المستمرة التي يتعرّض لها، سواء تضليل أو فبركات بطريقة تضرب هيبة القضاء، إذ ليس صحيحاً ما يُحكى عن مبالغ كبيرة يتقاضاها القضاة تصل إلى 50 مليون ليرة (نحو 1560 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء) إذ إنّ راتب القاضي لا يتجاوز الـ 8 ملايين ليرة (250 دولاراً وفق سعر الصرف في السوق السوداء)، وقد خسروا كمعظم اللبنانيين أموالهم وفقدت رواتبهم قيمتها بالعملة الوطنية بينما تراجعت قدرتهم الشرائية في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار والغلاء المعيشي".

وأشار المصدر إلى أنّ "الاعتكاف لا يتعلق فقط بمسألة توقف مصرف لبنان عن تسديد رواتبهم على سعر 8 آلاف ليرة لبنانية بقرار سياسي، علماً أنه حق للقضاة وليس رشوة كما ذكر، ربطاً بالدعاوى المرفوعة ضد حاكم البنك المركزي رياض سلامة، ولا يمسّ أموال المودعين والناس، وهم تمسّكوا به بعدما تثبتوا من أنّ نواباً ووزراء يقبضون رواتبهم على السعر المذكور، ونحن نقارن أنفسنا بالسلطات الدستورية كوننا سلطة دستورية. مع ذلك، فإن هذا ليس مطلبنا بل نريد ما يؤمّن لنا الحد الأدنى من العيش اللائق وبكرامة".

وتوجّه القضاة المعتكفون إلى الشعب اللبناني "المقهور" وفق تعبيرهم، بالقول، في بيانهم: "آن الأوان للوعي والاستفاقة، وحان وقت السعي والمثابرة، ولا بد من قول لا، لا لشريعة الغاب بعد اليوم، لا للتحريض والتقسيم بين أطياف المجتمع، لا للعمل بالسُّخرة لأي كان، لا لإرضائنا بفُتات من هنا أو هناك، وهم بأموالنا يتنعّمون وفي السخاء يسرفون".

أضافوا: "معركتنا ليست معكم، ومعركتكم ليست معنا أيضاً، فإما أن ننهض بالوطن معاً أو نغرق وإيّاه في بحور مظلمة". كما توجّه القضاة إلى "أصحاب القرار" بالقول: "إنها فرصتكم الأخيرة للإصلاح وإنقاذ الوطن من الهلاك، ونحن القضاة لم يعد بمقدورنا الوصول إلى المحاكم المظلمة الموحشة كي نقوم بعملنا، فالحكم بالعدل يتطلب صفاءً ذهنياً ومعنوياً أمعنتم في إفقادنا إياه. تجرّدون القاضي من كل شيء وتطلبون منه كل شيء وتحمّلونه مسؤولية كل شيء، وليس واجبنا أن نرشدكم إلى كيفية إنقاذ السلطة القضائية بل واجبكم أنتم، عسى أن تجدوا السبيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان وإلا فعلى الوطن السلام".

في هذا السياق، يعرب النائب في البرلمان اللبناني جورج عقيص (كتلة الجمهورية القوية برئاسة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع)، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، عن تضامنه "لأقصى الدرجات مع قضاة لبنان الذين يُطلَب منهم تطبيق القانون والعمل على إحقاق الحق وتطبيق العدالة بينما يتعرّضون لأبشع أنواع اللاعدالة واللاحق".

ويلفت عقيص، وهو أيضاً قاض سابق، إلى أنه "من غير المقبول وغير الطبيعي أن يكون راتب القاضي 200 دولار أميركي. هذه وصمة عار على جبين السلطة السياسية كلها تنفيذية كانت أو تشريعية. فالقاضي يمارس رسالة وهو عضو في سلطة دستورية قضائية، ولا يمكن أن نخرج عن هذه القاعدة التي تحترم في كل دول العالم الديمقراطية، بغض النظر عن مطالب جميع موظفي القطاع العام المحقة".

في مقابل التضامن مع قرار الاعتكاف، كان يتمنى عقيص أن يرى ردّة الفعل نفسها عند "احتجاز مراسيم التشكيلات القضائية سواء العامة أو الجزئية، واحتجاز قانون استقلال السلطة القضائية"، على حد قوله، آملاً من القضاة أن يفكروا في مستقبل هذه السلطة ككل وليس في الوضع الراهن رغم صعوبته، وألا يحصروا تحركهم بالحقوق المادية، "إذ إنّ التصدي يجب أن يكون للاعتداءات المادية والمعنوية التي يتعرضون لها"، كما يشير.

ويأمل عقيص عدم عودة القضاة عن قرار الاعتكاف "إلا بعد تحقق الإنصاف المادي والمعنوي معاً، وتحرير الملفات المحتجزة التي تمنحهم الاستقلالية التامة. فعلى الرغم من خطورة التوقف عن العمل سواء على العدالة أو ربطاً بالوضع الأمني في ظل تفشي الجرائم والعنف المنزلي، لم يعد لديهم غير هذه الوسيلة لإيصال صوتهم ودفع السلطة السياسية إلى التحرّك، علّ الاعتكاف يحرّك ضمائر المسؤولين".

ويصوّب على قضاة لبنان بقسم كبير منهم من بوابة انتماءاتهم السياسية الحزبية التي تم تعيينهم على أساسها، ما يجعلهم خاضعين لأوامر السياسيين وقراراتهم، ومكبّلين غير قادرين على إصدار الأحكام بعدالة تامة وحرية. كما يتمرّد المسؤولون السياسيون على الكثير من القرارات القضائية وينأون بأنفسهم عن المحاسبة والمساءلة بذريعة أنها أحكام استنسابية وسياسية، من هنا تخرج دعوات بأهمية إقرار قانون استقلالية القضاء.

المساهمون