اشتعال حروب عائلات الجريمة المنظمة في إسرائيل

17 أكتوبر 2022
عصابات الإجرام مصدر تهديد أمني لسلطات الاحتلال (ألكس روزنفيلد/Getty)
+ الخط -

سلطت حادثة تصفية بني شلومو، زعيم إحدى أكبر عصابات الجريمة المنظمة في إسرائيل، في مدينة "حولون"، الأضواء على الحرب المستعرة داخل العالم السفلي في الكيان بين العصابات الكبرى التي تتصارع على بسط النفوذ.
وقعت حادثة تصفية بني شلومو في وضح النهار، ووثقتها كاميرات المراقبة، وعرضتها قنوات التلفزة الإسرائيلية باعتبارها تمثل ذروة حرب التصفية الجسدية بين العصابة التي كان يقودها وعصابة منافسة يقودها عدوه اللدود شلومو دمراني.
وتفجرت تلك الحرب خلال العام الماضي، عندما أقدمت عصابة شلومو على محاولة تصفية دمراني، ثم تصفية أحد أعضاء عصابته في مستوطنة "أشكلون" جنوبي إسرائيل. وبعد واقعة التصفية، اعتقلت الشرطة كلا من شلومو ودمراني كإجراء احترازي، وقبل مضي شهر على إطلاق سراحهما، حاولت عصابة دمراني اغتيال نجل شلومو، ما أدى إلى إصابته بجراح خطيرة، وبعد ذلك اغتالت حارسه.
وحسب صحيفة "معاريف"، فإن قيادة الشرطة الإسرائيلية أدركت أن التصفية الأخيرة ستطلق حرب اغتيالات كبرى بين العصابتين اللتين تتنافسان على احتكار النشاط الإجرامي. 
وسلط مقتل بني شلومو الأضواء على النظام الهيكلي للعصابات، ومجالات الأنشطة التي تتنافس فيها، ونطاقات عملها الجغرافية، والانتماءات الإثنية لقادتها وعناصرها، إذ يتسم النظام الهيكلي لعصابات الجريمة المنظمة في إسرائيل بالبنية العائلية، وتحتكر عائلات بعينها قيادة هذه العصابات، مما يجعل شرطة الاحتلال تستعيض عن مصطلح "عصابات الإجرام" بمصطلح "عائلات الإجرام المنظم".
وتتنافس تلك العائلات في عدة أنشطة، من بينها فرض الإتاوات على رجال الأعمال والتجار، والسيطرة على صالات القمار، وتبييض الأموال، والابتزاز؛ وعادة ما تندلع الصراعات بين العائلات التي تنشط في النطاق الجغرافي نفسه، مثل عائلتي شلومو ودمران، واللتين تعملان في المنطقة الممتدة بين حولون وبئر السبع.
وعرض تحقيق نشره موقع القناة "12" مؤخراً، قائمة باثنتي عشرة من "عائلات" الإجرام المنظم الكبيرة في إسرائيل؛ مع إظهار مجالات نشاطها، ونطاقها الجغرافي، وحسب التحقيق، تنشط العصابة التي يسيطر عليها الأخوان إيال موشي وبن موشي، اللذان ينتميان إلى التيار الديني الحريدي، في فرض الإتاوات على التجار، والقمار، وتبييض الأموال؛ وتعمل العصابة في منطقة المركز التي تضم تل أبيب، ويافا، وبيتح تكفا، وبات يام، وحولون.
وتنشط عصابة عائلية يقودها شموئيل هاروش في منطقة الشمال، وتعمل في مجال الاتجار بالأسلحة، بالإضافة إلى فرض الإتاوات، والقمار، أما عصابة الإجرام الأبرز في إسرائيل، والتي تطلق عليها وسائل الإعلام اسم "المافيا الروسية"، فتنشط في مدينة "أشدود"، وترجح شرطة الاحتلال أن زعيمها هو ميخال تنسكي.
وحسب التحقيق، فإن بعض "عائلات الإجرام" تجمع بين أنشطة في الداخل والخارج، ومنها العصابة التي يقودها عيران حيا ووالده إيتان حيا، والتي تنشط في فرض الإتاوات، والقمار، وتبييض الأموال، والعصابة التي يقودها الأخوان يوسي وشاي موسلي، ولها فرع في إمارة دبي، وفرع في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى أنشطتها في منطقة تل أبيب.
ويكشف التحقيق الإعلامي أن الغالبية الساحقة من قادة وأعضاء عصابات الإجرام المنظم في إسرائيل ينحدرون من أصول شرقية أو روسية، وبالتالي فلم يكن مستهجناً أن تكون مستوطنات جنوب إسرائيل التي ينتمي المستوطنون اليهود فيها إلى أصول شرقية، ساحة كبرى للجريمة المنظمة، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى الضائقة الاقتصادية التي تعيشها تلك المناطق، والتمييز المؤسسي الذي تعاني منه.

الصورة
غالبية أفراد العصابات خدموا في جيش الاحتلال (اياكوفوس هاتزافورو/فرانس برس)
غالبية أفراد العصابات خدموا في جيش الاحتلال (اياكوفوس هاتزافورو/فرانس برس)

وفي الحرب الدائرة بينها، لا تعترف عائلات الإجرام المنظم في إسرائيل بالخطوط الحمراء، وتتبع أسلوبين رئيسين في تنفيذ عمليات التصفية، وهما إطلاق النار من مسافة قريبة، أو تفخيخ السيارات وتفجيرها، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مقتل وإصابة أشخاص لا صلة لهم بالعصابات.
في يناير/كانون الثاني الماضي، حاولت إحدى العصابات تصفية عاموس ليفيا، وهو أحد زعماء منظمات الإجرام في مدينة "أشدود"، وذلك بينما كان يحتفل بعقد قرانه، بواسطة تفجير سيارة مفخخة بالقرب من الصالة التي كان يقام فيها الحفل، ما أدى إلى إصابة عروسه، وسيدة وطفلين كانوا داخل سيارة تمر بالمكان.
وتمتلك عصابات الإجرام المنظم قدرات تسليح عسكرية كبيرة، مما يفاقم مخاطر الحروب بينها، وحسب تحقيق أعده الصحافي موشي أفريغان، لموقع "القناة 12"، فإن كل عصابة تحوز على أسلحة قتالية تكفي كتيبة في سلاح المشاة التابع لجيش الاحتلال، ونظراً لأن أغلبية ساحقة من قادة وعناصر العصابات أدوا الخدمة العسكرية الإجبارية، فإن هذا يمنحهم الخبرة اللازمة لاستخدام السلاح، وتجهيز المتفجرات.

وترى سلطات الاحتلال في تركيز كثير من عصابات الإجرام على تجارة السلاح مخاطر جمة، على اعتبار أن هناك إمكانية لوصول هذا السلاح إلى من تعتبرهم "أعداء إسرائيل"، مما حول هذه العصابات إلى مصدر تهديد أمني دائم.
ويوفر تورط النخبة السياسية الحاكمة في قضايا فساد خطيرة بيئة تسمح بتعاظم مستويات الجريمة المنظمة، فعلى الرغم من كون زعيم المعارضة الحالي، بنيامين نتنياهو، والذي تولى رئاسة الوزارة لأطول فترة في تاريخ إسرائيل، يحاكم في ثلاث قضايا فساد خطرة، هي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، فإن ذلك لم يمنع تصدر حزب الليكود الذي يقوده عدد المقاعد في الكنيست، فضلا عن أن أغلبية الإسرائيليين ترى في نتنياهو تحديداً الشخص الأنسب لتولي رئاسة الحكومة، كما تظهر استطلاعات الرأي. 
في الوقت ذاته، فإن عدداً من نواب حزب الليكود، وبينهم وزراء سابقون، يحاكمون في قضايا فساد، أو وجهت لهم تهم بالفساد، كما أن إدانة الحاخام أريي درعي بقضايا فساد خطرة، منها الاختلاس، وقضاؤه 4 سنوات في السجن، لم تحل دون اختياره مجدداً لتولي منصب وزير الداخلية؛ والأمر نفسه ينطبق على حزب "يسرائيل بيتينو"، الذي يقوده وزير المالية أفيغدور ليبرمان، والذي أدين عدد من وزرائه ونوابه بقضايا فساد خطرة، كما أن وسائل الإعلام تزخر بالتقارير التي تربط بين ليبرمان وكثير من قضايا الفساد.

المساهمون