بعدما شهد اليمن تساقط أمطار غزيرة أدّت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وخصوصاً بين النازحين، شهدت درجات الحرارة ارتفاعاً ملحوظاً منذ منتصف مايو/ أيار الجاري، الأمر الذي جعل الحياة في المدن الساحلية أشبه بالجحيم، حتّى أنّ الثعابين بدأت تخرج من جحورها، كما ترك الناس مساكنهم متوجهين إلى الفنادق.
وتشهد المناطق الساحليّة والصحراوية ارتفاعاً دائماً وكبيراً في درجات الحرارة التي قد تصل إلى 47 درجة مئوية، وخصوصاً في الفترة الممتدة من مايو/ أيار وحتى سبتمبر/ أيلول من كل عام. أما المناطق الجبلية، فلا تتجاوز درجة الحرارة فيها 37 درجة مئوية، وقد تنخفض إلى 5 درجات تحت الصفر.
وخلال الأيام الماضية، سجّل عدد من المحافظات اليمنية ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة في المناطق الصحراوية والسهول في تهامة وعدن وحضرموت، بحسب مركز الأرصاد الجوية اليمني، ووصلت درجات الحرارة في مدينة سيئون في محافظة حضرموت إلى 42 درجة مئوية، وفي سواحل مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر إلى 41 درجة مئوية.
محافظة مأرب الواقعة شرقي البلاد والتي شهدت موجة أمطار غير مسبوقة خلال الأشهر الماضية سجلت هي الأخرى ارتفاعاً قياسياً في درجة الحرارة التي بلغت 40 درجة مئوية لتتجاوز مدينة عدن الساحلية، والتي وصلت أعلى درجة حرارة فيها إلى 39.
موجة الحرّ هذه التي تضرب عدداً من المناطق اليمنية لم تكن السبب الوحيد الذي أجبر السكان على ترك منازلهم التي تفتقر إلى أدوات التكييف في ظل انقطاع التيار الكهربائي فحسب، إذ شهدت مناطق الساحل الغربي في تهامة ظاهرة نادرة تمثلت في خروج الثعابين من جحورها بأعداد غير مسبوقة. وبدأت الثعابين تغزو المناطق المأهولة بالسكان في سهل تهامة، وخصوصاً تلك الممتدة بين باجل شمالي مدينة الحديدة، وصولاً إلى مدينة عبس التابعة لمحافظة حجة، شمال غربي اليمن.
ويقول الصحافي اليمني بسيم الجناني، لـ"العربي الجديد"، إنّ خروج الثعابين من الجحور جاء بعد وصول درجة الحرارة في مناطق تهامة إلى 42 درجة، وخصوصاً في المناطق النائية حيث تكثر المنازل المصنوعة من القش، ما يسهل على الثعابين الاختباء. يُتابع الجناني الذي يتحدّر من مدينة الحديدة، قوله إنّ أهالي مناطق تهامة في باجل والسخنة لجأوا إلى قتل الثعابين يدوياً بالعصيّ والحجارة حفاظاً على أرواحهم، وخصوصاً الأطفال، من لدغاتها السامة. يشار إلى أنّه في صيف كل عام، تتكرر ظاهرة خروج الثعابين من جحورها في مناطق تهامة بدرجات متفاوتة. ويقول الأهالي إنّ غالبية الأنواع التي تظهر لا يُعرف اسمها العلمي، لكن هناك انتشاراً كبيراً للأفعى "المقرنة" أو ذات القرون، والتي تشتهر بسمّها.
وتسبّبت الثعابين بسقوط ضحايا بين الأطفال في منطقة الخشم التابعة لسهل تهامة، حيث تعيش أنواع سامة من الثعابين، وخصوصاً ما يعرف بـ "الصل الأسود"، التي تملك قدرة على إفراز كميات كبيرة من السم قادرة على قتل الإنسان. ولم تتخذ السلطات المحلية أي إجراء لحماية سكان تهامة من غزو الثعابين حتى الآن. ويقول سكان محليون في مدينة الخوخة لـ "العربي الجديد"، إنّهم لجأوا إلى حماية أنفسهم بالوسائل التقليدية، إذ يقومون بتعبئة عدد من الأواني الفخارية بالمياه ووضعها أمام مساكنهم من كل الاتجاهات، لاعتقادهم أن الثعابين تغزو منازلهم بحثاً عن المياه. وبمجرد أن تحصل عليها، تشرب المياه وتغادر إلى جحورها مرة أخرى، وأحياناً تختبئ في الأحراش.
وباتت الحياة في عدد من المدن الساحلية اليمنية، وخصوصاً عدن، لا تُطاق في ظل الارتفاع القياسي في درجة الحرارة والرطوبة، تزامناً مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة. مشكلة لم تجد السلطات أي حل جذري لها. ومع اقتراب درجات الحرارة من الأربعين درجة مئوية، لم يكن أمام العشرات من السكان، وخصوصاً كبار السن أو المرضى، سوى ترك منازلهم التي لا تحتوي على أجهزة تكييف، والتوجه نحو الفنادق التي تعتمد على المولدات الكهربائية، بحسب سكان وناشطين.
ويشير أحد سكان حي خور مكسر إلى أنّ الفنادق المطلة على البحر تحوّلت إلى ما يشبه الملجأ الذي يضم العشرات من سكان المدينة نفسها، وقد قدم الجميع بحثاً عن نسمة هواء في وقت استسلمت عشرات الأسر الفقيرة لمصيرها في مقاومة درجات الحرارة من داخل منازلها، والتي تفتقر حتى إلى مروحة كهربائية من الحجم الصغير.
يقول الصحافي عبد الرحمن أنيس، وهو من سكان مدينة عدن، لـ "العربي الجديد"، إنّ موجة الحر هذا العام تعدّ الأقوى على الإطلاق، وما زاد الطين بلّة هو الانقطاع الكبير للتيار الكهربائي. ويشير إلى أنّ أزمة كهرباء عدن لا ترتبط بنقص في وقود محطات توليد الكهرباء أو ضرورة وجود محطات توليد جديدة، لافتاً إلى أن هناك محطة جديدة بقدرة 264 ميغاواتاً لكن لا يمكن إدخالها في الخدمة لعدم وجود خطوط لتصريف الطاقة، وخصوصاً أن الخطوط الحالية وكذلك المحولات الكهربائية متهالكة.