بدد ارتفاع الأسعار في سورية حلم الشباب بالزواج وتأسيس أسر، بعد تجاوز التكاليف 20 مليون ليرة سورية (1500 دولار) بالحدّ الأدنى، في حين لا يزيد الدخل الشهري في المتوسط عن 150 ألف ليرة سورية (11 دولاراً)، ما يهدد بنية وتركيبة المجتمع، كما يقول الخبير الاقتصادي محمود حسين لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن "نسبة العنوسة في سورية تقترب من 70 في المائة، بحسب بيانات وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة النظام".
يقول الخبير الاقتصادي: "لا يقل متوسط إيجار منزل بسيط ومتواضع عن 150 ألف ليرة، لكن المشكلة تتمثل في ارتفاع أسعار الذهب، بعدما تجاوز سعر الغرام عيار 21 قيراطاً 733000 ليرة". (الدولار يساوي 13250 ليرة سورية).
ويصف حسين أسعار التجهيزات المنزلية الكهربائية ولوازم المطبخ بأنها "مرتفعة جداً، فأقل سعر لغرفة نوم عرسان يبلغ 7 ملايين ليرة، ما يشكل دخل مواطن لنحو عامين، كما أن سعر طقم فناجين القهوة يزيد عن راتب الموظف، فأي زواج يمكن أن يفكر فيه السوريون في ظل انشغالهم بلقمة العيش، بعدما زادت تكاليف المعيشة عن 6.5 ملايين ليرة شهرياً".
ويلفت إلى أن "تأخر أو إلغاء زواج الشباب قد يصبح مشكلة مؤجلة أو أمراً ثانوياً في نظر البعض، لكنه مؤشر خطر يدفع الشباب نحو تفشي الرذيلة، بينما يبعد الزواج المجتمع عن الفساد والتفكير المستمر بالهجرة والهروب من الواقع والأفق المسدود".
وحول منح المصارف قروضاً للزواج، يسخر حسين من تقديم مصرف التسليف الشعبي مبلغ 300 ألف ليرة. ويشير إلى أن "بعض المصارف تقدم قروضاً شخصية للزواج قيمتها 3 ملايين ليرة، لكنها تطلب ضمانات شخصية، بينها كفيلان، وأخرى عقارية بنسبة 200 في المائة من حجم القرض".
وقد ارتفعت أسعار الأثاث المنزلي هذا العام أكثر من 40 في المائة، بحسب رضوان قويدر، وهو صاحب ورشة موبيليا في منطقة زملكا بريف دمشق، ما رفع سعر غرفة النوم التجارية، وليست المصنوعة من الخشب، عن 8 ملايين ليرة، في حين يصل سعر غرفة النوم من خشب الزان إلى نحو 100 مليون ليرة.
وحول ارتفاع أسعار الأثاث المنزلي، قال قويدر لـ"العربي الجديد": "ارتفعت أسعار المواد الأولية عشرات الأضعاف بعد تراجع استيراد الخشب من روسيا ورومانيا ومستلزمات من الصين، علماً أن سعر متر الخشب لم يزد قبل الثورة عن 30 ألف ليرة، في حين يتجاوز اليوم 10 ملايين ليرة".
وأشار إلى "انتشار تدوير الأثاث القديم، وتحوّل معظم عمل الورش من الصناعة إلى الإصلاح والتجديد والطلاء. وقد تراجع العمل عموماً بعد عزوف الشباب عن الزواج وتراجع استيراد الأخشاب ومستلزمات الأثاث المنزلي، وبالتالي تصدير سورية الأثاث المنزلي إلى دول الجوار. وهكذا يمكن القول إن هذه الصناعة ماتت، وهجر أربابها إلى دول الجوار خاصة إلى تركيا التي استقطبت كبار ممارسي هذه الصناعة، وباتت شركات سورية كبرى تصدر باسم صنع في تركيا، مثل شركة السقباتي التي تصدّر اليوم إلى أوروبا، وتنافس شركات تركية".
ويقول عمران شباط (34 عاماً)، الذي يسكن في حي دمر بدمشق، لـ"العربي الجديد": "ما يشغل الشباب اليوم هو الهجرة وليس الزواج، إذ باتت تكاليف الزواج توازي تكاليف الهجرة، ويسعى الجميع إلى الهرب من سورية".
ويضيف شباط: "تفوق أسعار المستلزمات المنزلية قدرة الشباب، حتى تلك المستعملة، فسعر الثلاجة لإحدى العلامات الأقل سعراً لا يقل عن مليون ومائة ألف ليرة، أما الماركات الشهيرة فسعرها مضاعف، فالغسالة الآلية سعرها مليونان وسبعمائة ألف ليرة، وتلك نصف الآلية سبعمائة ألف ليرة، ومكنسة الكهرباء ثلاثمائة وعشرة آلاف ليرة، والمدفأة مئتان وسبعون ألف ليرة".
وينهي شباط حديثه بتعليق ساخر: "عموماً معظم هذه الأدوات فائضة عن الحاجة بسبب عدم توفر الكهرباء".
ولا تخرج أسعار الألبسة المرتفعة عن حسابات الشباب السوري، إذ لا يقل سعر ثوب زفاف العروس من النوع الرديء عن 500 ألف ليرة، في حين يزيد سعر النوعية الجيدة عن مليون ونصف مليون ليرة.
وقد زادت أسعار الألبسة العام الجاري نحو 200 في المائة عن العام الماضي، ما دفع معظم السوريين إلى التوجه نحو الألبسة المستعملة "بالة"، أو البسطات على الأرصفة، لشراء ما يناسب مداخيلهم. ومتوسط سعر بنطلون جينز نسائي هو 85 ألف ليرة، وكنزة نسائية 70 ألف ليرة، وقميص 65 ألف ليرة، في حين أن ألبسة الأطفال هي الأعلى سعراً، إذ لا تقل كلفة كسوة بنطلون وقميص وحذاء عن 200 ألف ليرة.