لليوم الثالث على التوالي، تسعى الأسر العراقية في العاصمة العراقية بغداد إلى تخزين قناني غاز الطبخ ووقود السيارات في منازلها، وهما أولى السلع التي ستختفي من السوق بحال اضطرت السلطات إلى إعلان حظر التجول أو قطع الطرق، تماشياً مع الأزمة السياسية المتفاقمة بالبلاد، والتظاهرات المتصاعدة بعد اقتحام المنطقة الخضراء، السبت الماضي، من قبل أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
ورغم أن غالبية الأحداث تقع في وسط العاصمة حيث أحياء الصالحية والكرادة والجادرية وصولاً إلى ساحة التحرير، إلا أن عدداً كبيراً من طرقات العاصمة أغلق أو تم نشر وحدات من الجيش والشرطة بشكل أعاق حركة المرور، وهو سبب كاف آخر لسكان العاصمة ليقلقوا بشأنه، حيث مشاهد انتشار الجيش بالعادة تسبق تداعيات أمنية سيئة.
ووفقاً لبيان مديرية المرور العامة، صدر الثلاثاء، فإن قطع الطرق شمل تقاطع وزارة الخارجية باتجاه ساحة الخرطوم، مروراً بجسر السنك على نهر دجلة وسط بغداد، باتجاه ساحة الشوّاف ذهاباً وإياباً، بالإضافة إلى قطع طريق أسفل جسر الكندي وكذلك نفق الزيتون، وكلها وسط العاصمة.
العقيد في شرطة العاصمة بغداد، محمد خضير، قال لـ"العربي الجديد"، إن الطرق المؤدية للمنطقة الخضراء بالمجمع مغلقة أو فيها حواجز أمنية وبسبب وجود المنطقة وسط العاصمة فهذا سبب تأثر حركة السير بالكامل مذ أيام بمختلف مناطق بغداد، مضيفاً أن مناطق أخرى تقع فيها بعثات دبلوماسية ومصالح أجنبية أو دوائر حكومية مهمة تم اتخاذ إجراءات أمنية حولها تحسباً لأي طارئ، مرجحاً استمرار أزمة الاختناقات المرورية كونها مرتبطة بالمشهد السياسي الذي تمر به البلاد.
على الجانب الآخر من الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد، بدت العوائل العراقية حريصة على تخزين الاحتياجات الضرورية لها، وأبرزها قناني غاز الطبخ ووقود السيارات (البنزين) إلى جانب الدقيق والرز ومواد غذائية أخرى وأدوية، تخوفاً من حظر التجوال أو تردي الأوضاع الأمنية.
مازن الخالدي 43 عاماً من أهالي بغداد يبرر توجه العراقيين للتسوق وتأمين احتجاجاتهم المنزلية بالقول إن "الناس متخوفة مما يشهده العراق من فوضى ومن تصعيد خطير ينذر بصدام مسلح لا يسلم منه أحد"، مبيناً أن "الناس ينتابهم القلق والخوف وهو ما دفعهم إلى المتاجر لشراء المواد الغذائية القابلة للخزن من أجل خزنها".
وأضاف في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "بعض المنتجات الغذائية الاستهلاكية بدأت تنفد من الأسواق، بسبب الإقبال الكبير عليها من قبل المواطنين خوفاً من أن تُقطع الطرقات ويُقطع الإنترنت والتواصل"، منوهاً إلى إن المواطنين يعيشون حالة من الخوف والتخبط جراء ما يجري في الساحة العراقية من تطورات وفوضى عارمة لا تحمد عقباها".
ويُشار إلى أن الأزمة في العراق اشتعلت شرارتها عقب اقتحام المئات من أنصار زعيم التيار الصدري مبنى البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، معلنين البدء في اعتصام مفتوح داخل البرلمان، قبل أن ترد القوى الحليفة لإيران في تحالف "الإطار التنسيقي"، على الخطوة بالتحشيد لتظاهرات مماثلة دعت إليها أنصارها وغالبيتهم من أفراد المليشيات المسلحة المنضوية ضمن "الحشد الشعبي".
وفي سياق ذلك قال مدير شركة الريان لتجارة المواد الغذائية مرتضى السعدي لـ"العربي الجديد"، إن "الكثير من المتاجر في المناطق القريبة من ساحة الصراع أسدلت ستائرها، كما افرغت معظم مكاتب الصيرفة خزائنها خوفا من حدوث أعمال نهب وسلب من قبل بعض العصابات، مستغلة حالة الفوضى التي يعيشها البلد"، وأضاف أن "الأوضاع في العراق مقلقة وهذا كاف للناس لأخذ احتياطاتهم"، وفقا لقوله.
الناشط المدني محمد المشهداني، قال لـ"العربي الجديد" إنه على الرغم من أن العراقيين "معتادون على ثقافة تخزين المواد الغذائية خلال الأزمات، إلا إن هذه الأزمة تختلف كثيرا عن الأزمات السابقة"، مبيناً أن "الأوضاع الخطرة التي يمر بها العراق اليوم دفعت العراقيين إلى تخزين المؤونة من الغذاء والدواء والوقود وكل ما تحتاجه العائلة باندفاع كبير خوفاً من المجهول".
وأضاف أن "زيادة التشنج وارتفاع وتيرة الاحتجاج قد يدفعان الحكومة إلى فرض حظر شامل للتجوال في العاصمة بغداد وفي مناطق أخرى، الأمر الذي زاد من مخاوف العراقيين"، منوهاً إلى أن "لكل أزمة تبعاتها لكن هذه الأزمة تبعاتها وانعكاساتها على المواطنين ستكون وخيمة".
ويشار إلى أن القوى السياسية فشلت في مساعي تشكيل الحكومة الجديدة في العراق التي تعثرت منذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر الماضي، بعد أن حظي التيار الصدري بالأغلبية، لكن مقتدى الصدر رفض ترؤس الحكومة كما أعلن نوابه في يونيو/حزيران الماضي استقالاتهم من البرلمان، مع إصرار الإطار التنسيقي بزعامة المالكي على تشكيل الحكومة معتبراً أن تحالفه هو الأكبر.