اختفاء البط من إفطار أول أيام رمضان في مصر

26 مارس 2023
تضاعفت تكلفة إفطار رمضان في مصر (الأناضول)
+ الخط -

تحت وطأة الأزمة المعيشية التي تعاني منها غالبية الأسر، تخلى كثير من المصريين عن عادات كادت تصل إلى حد التقديس الموسمي، لكن الغالبية لم تتمكن من التخلي عن السخرية. كان مرور أول إفطار في رمضان من دون طبق البط على الموائد، التي لم تعد عامرة، مصدراً لسخرية المصريين من مأساتهم كما جرت العادة التاريخية، حسب وصف المفكر الراحل جمال حمدان في كتابه الشهير "شخصية مصر"، ثم تصاعدت السخرية لتتناول الوضع العام في البلاد الذي يتدهور بشكل متواصل.
تداول مغردون منشورات تسخر من غلاء أسعار البط، وأكد بعضهم أن سعر البطة الواحدة بلغ نحو ستمائة جنيه (عشرين دولاراً)، ما يجعل شراءها عبئاً ثقيلاً على الغالبية العظمى من المصريين، وتحدثت منشورات ساخرة عن وجود عروض لتقسيط بيع البطة، والتي ستصل إلى المشتري بعد أن يدفع القسط الأول، فيما تداول آخرون منشوراً منسوباً لإحدى الشركات التي قررت أن تقيم مسابقة، وأن تكون جائزتها بطة.
بعيداً من مواقع التواصل، تقول الحاجة سعادة إنها هذا العام لم تجهز بطة لعائلتها في إفطار أول يوم من رمضان، وإن ذلك يحدث لأول مرة منذ تزوجت قبل سنوات طويلة، مضيفة: "تزوجت، وأنجبت، ثم صرت جدة، وكنت طوال تلك السنوات أدعو الأبناء، ثم الأحفاد معهم، إلى مائدة عامرة تتوسطها بطتان. تضاعف أسعار كل شيء، وباتت تكلفة تلك المائدة الرمضانية العائلية تتجاوز 2000 جنيه (نحو 75 دولاراً)، فقررت التوقف عن هذا الطقس الرمضاني السنوي الذي ورثته عن والدتي، التي ورثته بدورها عن جدتي، وضمت مائدتنا هذه السنة مأكولات مختلفة، من بينها الملوخية والبامية وثلاث دجاجات. التكلفة أصبحت النصف تقريباً بعد أن استبدلت البطتين بالدجاجات".
وحسب مغردين ساخرين، يحتاج من يرغب في شراء بطة لتجهيزها في إفطار رمضان هذا العام إلى قرض وضامن. تتفق مع هذه السخرية الموظفة المتقاعدة سمية، قائلة إنها اعترتها حالة من الأسى عندما فشلت في توفير المال اللازم لشراء بطة لمائدة أسرتها هذا العام، معتبرة ذلك "كسر للعادة المتوارثة". 


تشرح سمية لـ"العربي الجديد" أن "الحرص على وجود بطة على المائدة في أول أيام رمضان متوارث عن الأجداد، فعندما كنت صغيرة، كانت جدتي لأبي تحرص على ذلك في إفطار اليوم الأول سنوياً، لأن البطة موفرة خلال العزومات الكبيرة. حينها كان سعرها يقترب من سعر الدجاجة، مع اختلاف أن حجمهما أكبر". 
وطيلة عقود، كان "المحشي"، وهو ملفوف الكرنب وورق العنب المحشوان بالأرز، يؤدي دور صديق البطة على المائدة الرمضانية، لكنه صار اليوم وحيداً على المائدة، وإلى جواره بعض قطع من الدجاج كنوع من البروتين. 
في الريف، يبدو الأمر مختلفاً، إذ تعتمد معلمة الابتدائية فاطمة على عدد من الطيور التي تربيها أعلى سطح منزلها في محافظة أسيوط (جنوب)، وقد استعدت لأول أيام رمضان بتسمين بطة كانت تربيها منذ شهور، مؤكدة أنها أنقذتها من ارتفاع الأسعار الذي قد يحرمها من الطقس العائلي المتوارث. غير أن الطيور المنزلية تكون مفيدة فقط في هذا النوع من المواسم، وليس طوال العام، إذ لا يكفي ما لديها من طيور منزلية للاستهلاك الأسبوعي لأسرتها الصغيرة. تقول فاطمة لـ"العربي الجديد: "إنها عادة أرجو من االله أن لا تنقطع".

أما نادية، عاملة النظافة بإحدى المدارس، فلم تمارس الطقس الموسمي هذا العام، رغم أنها تربي البط والأوز في بناية تقيم فيها بأحد المساكن الشعبية. تقول نادية لـ"العربي الجديد": "أربي الطيور لأغراض تجارية، إذ أبيع الدجاج وإنتاجه من البيض، ولدي بعض البط، لكنني رأيت هذا العام أنه من الأجدى بيعه، وشراء دجاجات برازيلية مجمدة، فسعرها أقل كثيراً، ويكفي أسرتي لبقية الشهر. في البداية، حاولت أن أقنع زوجي بذبح بطة لإسعاد الأطفال، لكنه عارض بشدة، وقد كان محقاً، لكنني كنت أود أن يقرر هو حتى لا أشعر بالذنب لأني حرمتهم من عادة محببة".
وحسب عاملين في مجال تربية وبيع الطيور، تزن البطة الكبيرة بعد التسمين نحو خمسة كيلوغرامات من اللحم، ويختلف سعر الكيلوغرام الواحد حسب النوع، وقد ارتفع سعر كيلو البط البلدي إلى 133 جنيهاً، ومثله سعر كيلو البط البرازيلي، أما سعر كيلو "البط المولار" فبلغ  نحو 102 جنيه، فيما بلغ سعر البط السوداني 170 جنيها للكيلو، أما أرخص سعر فكان من نصيب البط الفرنساوي، الذي سجل سعره 81 جنيهاً للكيلو (الدولار يساوي نحو 31 جنيهاً).

المساهمون