احتجاجات العريش... سكان حي الميناء يواجهون قرار الإزالة

21 يونيو 2023
تم تقدير المساكن والأرض بسعر بخس (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

يتكرر حديث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن إجلاء المواطنين من المنطقة المحيطة بميناء العريش في محافظة شمال سيناء، للمرة الثالثة في غضون أشهر قليلة، على غير عادته في التعليق على إخلاء المناطق السكنية، والذي جرى في عدد من المحافظات خلال العقد الأخير بهدف إنشاء مشاريع استثمارية واقتصادية.
يعود سر اهتمام السيسي إلى الاحتجاجات المتنامية من قبل أهالي "حي الميناء"، رفضاً لقرار الإزالة في ظل وجود بديل لإقامة المشاريع على شواطئ المحافظة مترامية الأطراف، بينما تصر الحكومة على تنفيذ مشروع في مكان الكتلة السكانية الوحيدة على الشاطئ.
ووجه السيسي رسالة إلى أهالي مدينة العريش المهجرين على خلفية أعمال الإزالة الجارية لمساكنهم بدعوى توسعة ميناء الصيد القديم، قائلاً: "سنعوض الناس في العريش، وأقول لهم: نحن لا نعمل ضدكم، ولكن لأجل بلدنا ولأجلكم. ولتجدوا عملاً لكم ولأولادكم، ولمستقبل يليق بمدينة العريش، وكل سيناء". وأضاف خلال افتتاح محطة "تحيا مصر" متعددة الأغراض بميناء الإسكندرية، الخميس الماضي: "نحن نقسو على أنفسنا قليلاً، وأرجو من الضيوف (الأجانب) ألا يغضبوا من كلامي (...) لأننا نمثل جنوب المتوسط بتحدياته ومشاكله. في بلادكم خلصتوا الكلام ده من زمان، وبقى عندكم شبكة سكة حديد وطرق تربط القارة الأوروبية بالكامل، فضلاً عن المصانع".
وتابع: "الدولة أعادت ضبط الأوضاع في ميناء الإسكندرية بشكل جيد، وفي ميناء دمياط أيضاً في ظل قضايا التحكيم التي دخلنا فيها نتيجة أحداث (ثورة) 2011. وأقول للمستثمرين ضعوا أياديكم في أيدي دولة مثل مصر تكافح حتى تضع نفسها على خريطة الدنيا، لأن أصعب شيء هو تطوير مكان حصل فيه تشويه كبير، وبه أفراد أنت مضطر تمشيهم (تهجرهم) من مكانهم".

تواصل آليات الهدم المدعومة بقوات أمنية إزالة منازل حي ميناء العريش

يذكر أن الاهتمام الرسمي بميناء العريش بدأ بتحويله إلى جزء من ممتلكات المنفعة العامة، ونزع الملكية الخاصة للعقارات الواقعة في نطاق حدوده، ثم أصدر السيسي قراراً رئاسياً بنقل تبعية الميناء إلى الجيش، وتخصيص الأراضي المحيطة به لصالح وزارة الدفاع بإجمالي مساحة 541 فداناً، مع إبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه أو إدارته ليصبح منطقة عسكرية.
وخلف مشروع توسعة ميناء العريش هدم 1108 منشآت سكنية، و32 مبنى تجارياً، و23 منشأة حكومية، ومناطق ترفيهية وشاليهات، بينما صرفت تعويضات مالية "هزيلة" لعدد من العائلات التي قبلت بالتعويض لإخلاء منازلها.
ويقول أحد المتحدثين باسم أهالي حي الميناء: "كلام الرئيس السيسي أوضح لنا أسباب مشكلة حي الميناء، وأكد أن سبب المشكلة هو العرض الخطأ، فالرئيس قال بشكل عفوي إنه خلال مشكلة مشابهة في دمياط، كلف الفريق كامل الوزير (وزير النقل) بدراسة إمكانية ضم 100 فدان لتوسعات ميناء دمياط، فالتقى الوزير بالأهالي وتفاوض معهم بشكل مباشر، وطلب الأهالي 5 ملايين جنيه للفدان، ثم ارتفع السعر إلى 15 مليونا، ونقل الوزير الصورة للرئيس الذي اكتشف ارتفاع التكلفة، فقرر ترك الأرض لأصحابها، والبحث عن بديل، وتم اقتراح ردم البحر بتكلفة أقل، وظلت الناس في أرضها من دون مشاكل". ويضيف: "ما تم يؤكد أن الصورة عندما وصلت بوضوح إلى الرئيس تم اتخاذ القرار الصحيح، وعندما تم إبلاغه بالخطأ أن الناس في العريش موافقة، وأن الموجود عشوائيات وعشش تم اعتماد قرار ضم الكتلة السكانية ليتفاجأ بعدها الرئيس بأن الوضع مختلف، ونقع جميعا في المشكلة الحالية".
وطرح المتحدث باسم أهالي حي الميناء جملة من الأسئلة المهمة، من بينها: من الذي قام بحصر الأرض المقترح ضمها لميناء العريش البحري قبل صدور القرار الجمهوري؟ ومن الذي قدر قيمة 543 فدانا (2.3 مليون متر مربع) تطل على البحر بأرقى مكان سياحي على شاطئ النخيل في شمال سيناء بهذا الثمن البخس؟ ومن الذي قدر قيمة 1200 عمارة وشاليه وفيلا على البحر على اعتبار أنها (شوية عشش وعشوائيات)؟ وكيف تم تقدير سعر متر المباني؟ من الذي أرسل تقريراً للرئاسة يؤكد أن إجمالي قيمة التعويضات المطلوبة لضم الأرض يبلغ 750 مليون جنيه فقط؟
وتابع: "وزير النقل قدر قبل سنوات قيمة 100 فدان أرض زراعية بحوالي 1.5 مليار جنيه، بينما في شمال سيناء يتم تقدير قيمة أكثر من 500 فدان أرض سياحية تطل على البحر بما عليها من عمارات وفيلات وشاليهات بـ750 مليون جنيه. ينبغي معرفة من الذي أخفى المقترحات التي تقدم بها الأهالي كحل مناسب للمشكلة عن الرئيس في بداية الأزمة لتظل الصورة غير واضحة. ومن الذي شوه صورة الأهالي واتهمهم بأنهم ضد التنمية، هذه الاستفسارات لو عرفنا إجابتها سنعلم من الذي تسبب بالمشكلة الحالية، وكلام الرئيس يؤكد أن سبب المشكلة الرئيسي هو العرض الخطأ للموضوع".

الصورة
يعيش سكان العريش أزمات عدة منذ عشر سنوات (خالد دسوقي/فرانس برس)
يعيش سكان العريش أزمات عدة منذ عشر سنوات (خالد دسوقي/فرانس برس)

بدوره، كتب الأستاذ في جامعة العريش وأحد سكان حي الميناء، صلاح صقر، عبر موقع "فيسبوك": "يشرفني أن أكون مستشاراً للمساهمة في حل موضوع حي الميناء، وكل ما أطلبه هو ترك الأهالي في بيوتهم، ووقف الإزالات فوراً حتى نصل إلى حل من بين المقترحات القابلة للتطبيق باستثناء خروج الكتلة السكنية من المخطط العام للميناء، لأنهم في منطقة لا تؤثر على عمل الميناء فنيا، ويمكن الرجوع في ذلك للمختصين، أو وقف الإزالات إلى حين إنشاء حي سكنى بمكان بديل بموقع متميز مكتمل المرافق والخدمات، ويحصل فيه كل متضرر على وحدة سكنية تشبه بيته، وبنفس المساحة، وبنفس التشطيب". وأضاف صقر: "من بين المقترحات أيضاً وقف الإزالات إلى حين عمل مشروع تطوير عقاري بالموقع الحالي، ويتم دمج الأهالي المتضررين في المكان، واعتباره ظهير سكنى للميناء، على أن تستفيد الدولة من بيع باقي الوحدات لصالحها على غرار ما تم في مثلث ماسبيرو بالقاهرة، أو تعويض من يرغب من الأهالي مالياً بشكل عادل ومناسب لأسعار السوق الحالية. لا صعوبة في تنفيذ أي من هذه المقترحات، ولا مشكلة في طرح الحلول على الأهالي للحوار، ولا أعرف لماذا الإصرار على عدم إجراء حوار حقيقي مع المتضررين لاحتواء الوضع، كما لا أعرف سبباً مقنعاً للصدام مع الأهالي، وهدم منازلهم وأملاكهم عنوة، ورميهم في الشارع ثم تعويضهم بما لا يتعدى 20 في المائة من قيمة الأرض والمنازل".
وبعد حديث السيسي، واصلت آليات الهدم المدعومة بقوات أمنية كبيرة، عمليات إزالة المنازل في حي الميناء، وسط رفض أهالي المنطقة الذين يخرجون بشكل جماعي لمواجهة عمليات الهدم في كافة مناطق الحي، وسط هتافات تطالب السيسي بالتدخل، ووقف الكارثة الإنسانية، وكذلك الهتاف ضد شخصيات حكومية محلية من بينها محافظ شمال سيناء، ورئيس مجلس مدينة العريش، وهم المكلفون بصرف التعويضات، والتي جرت زيادتها أكثر من مرة إلا أنها لم تصل إلى الحد الأدنى الذي يطلبه سكان المنطقة ليتمكنوا من بناء منازل تشبه منازلهم.

يقول يحيى عبد القادر، أحد سكان الحي، لـ"العربي الجديد"، إن "القوة الأمنية تزداد بطشاً يوماً بعد يوم خلال مرافقتها الآليات، وهناك رغبة واضحة في تسريع الهدم لإنهاء احتجاجات الأهالي. آليات الهدم لم تحترم حرمة الأشهر الفضيلة، ولم تراع وضع الطلاب المتقدمين لامتحان الثانوية العامة من سكان حي الميناء، والذين تؤثر حركة الآليات بشكل كبير على مستوى تحصيلهم، وإمكانية استعدادهم للاختبارات، كما يخلف التهجير آثاراً نفسية سيئة على الجميع". ويوضح عبد القادر أن سيدة من سكان الحي، هي الحاجة عواطف خليل الشريف، كانت تشارك يومياً في الاحتجاجات، وتوفيت بسكتة دماغية أصابتها، لتضاف إلى سلسلة من المواطنين كبار السن الذين توفوا نتيجة تعرضهم للقهر بسبب رؤية منازلهم تهدم أمام أعينهم، ومواجهتهم بالقوة الأمنية من دون أي حرمة للسن، مشيراً إلى أن "الأهالي يحاولون حالياً البحث عن طرق للتواصل مع الرئيس السيسي، لتوجيه رسالة بضرورة عقد لقاء مباشر، على الأقل مع وزير النقل كامل الوزير، وهو المسؤول الأول عن مشروع الميناء، وهو على تواصل مباشر مع الرئيس".

المساهمون