يمثّل الإيزيديون الذين عدّتهم الحكومة البريطانية ضحايا "ممارسات إبادة جماعية" على يد تنظيم داعش أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركّز في جبل سنجار شمال غربي العراق. وقد نفّذ عناصر تنظيم داعش أعمال عنف مروّعة ضدّ هذه الأقلية، فقتلوا مئات من رجالها وأطفالها، في حين خطفوا نساءها واتّخذوهنّ سبايا واستعبدوهنّ جنسياً.
وفي بيان أصدرته وزارة الخارجية البريطانية، اليوم الثلاثاء، جاء أنّ "المملكة المتحدة أقرّت رسمياً اليوم بأنّ داعش ارتكب ممارسات إبادة جماعية في حقّ الإيزيديين (بالعراق) في عام 2014". وأوضحت وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث أنّ الإعلان يأتي قبل فعاليات تحيي الذكرى التاسعة لـ"الفظائع" التي ارتكبها تنظيم داعش في حقّ الأقلية الإيزيدية الناطقة باللغة الكردية في العراق.
وكانت المملكة المتحدة قد اعترفت حتى الآن بأربع حالات وقعت فيها إبادات جماعية، وهي محرقة اليهود إلى جانب المجازر في رواندا وسريبرينيتسا وكمبوديا.
وقال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط طارق أحمد في بيان إنّ "الإيزيديين عانوا كثيراً على أيدي داعش قبل تسع سنوات، وما زالت الانعكاسات محسوسة حتى اليوم". أضاف أنّ "العدالة والمحاسبة أمران أساسيان بالنسبة إلى الذين دُمّرت حياتهم"، مشيراً إلى أنّ هذا "الاعتراف التاريخي" يقوم بـ"تعزيز" التزام المملكة المتحدة ضمان "حصولهم (الإيزيديين) على التعويض الذي يستحقّونه وإمكان حصولهم على العدالة".
ويذكّر بيان المملكة المتحدة بالموقف البريطاني الذي يعود بموجبه تصنيف الإبادة الجماعية إلى المحاكم المختصة وليس إلى الحكومات أو الهيئات غير القضائية. وقد جاء هذا الاعتراف الرسمي بعد حكم صادر عن محكمة العدل الفدرالية الألمانية، في 17 يناير/ كانون الثاني 2023، يدين مقاتلاً سابقاً في تنظيم داعش بتهم ارتكاب ممارسات تشكّل إبادة جماعية في العراق.
وقد حكم قضاة محكمة فرانكفورت الألمانية على طه الجميلي، المقاتل العراقي السابق في تنظيم داعش، بـ"السجن مدى الحياة بتهم الإبادة و(ارتكاب) جرائم ضدّ الإنسانية أفضت إلى الوفاة وجرائم حرب وتواطؤ في جرائم حرب". وأُدين الجميلي الذي التحق بصفوف تنظيم داعش في عام 2013، بتهمة ترك طفلة إيزيدية في الخامسة من العمر تموت عطشاً في صيف عام 2015 في الفلوجة في العراق، بعدما اشتراها مع والدتها سبية، بحسب ما أفادت جهة الادعاء.
أمّا في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، فكان القضاء الألماني أولى الجهات المعترفة بأنّ الجرائم التي ارتُكبت في حقّ الإيزيديين تمثّل "إبادة جماعية". وقد أشادت منظمات حقوقية بالقرار، حينها، ووصفته بأنّه "تاريخي".
بدوره، أفاد فريق تحقيق تابع للأمم المتحدة، في مايو/ أيار 2021، بأنّه جمع "أدلة واضحة ومقنعة" على ارتكاب تنظيم داعش إبادة جماعية في حقّ الإيزيديين.
وتعليقاً على الموقف البريطاني اليوم، عدَّ المؤسس المشارك لمنظمة "يازدا" مراد إسماعيل اعتراف المملكة المتحدة "خطوة مهمّة"، مشيداً من بغداد بـ"العمل المتواصل لأصدقائنا الإيزيديين في المملكة المتحدة الذين كانوا حريصين على عدم التغاضي عن هذه الإبادة الجماعية أو نسيانها". أضاف لوكالة فرانس برس أنّ "الاعتراف هو جزء جوهري من عملية العدالة والمساعدة في شفاء الضحايا من الجروح العميقة لهذه الإبادة".
يُذكر أنّ "يازدا" منظمة إيزيدية دولية غير ربحية وهي تهدف إلى الدفاع عن حقوق الإنسان والدعوة إلى حمايتها. وهي تأسّست في عام 2014 على خلفية الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش في حقّ الإيزيديين في منطقة سنجار.
وتحظر الإبادة الجماعية في أوقات السلم كما في أزمنة الحرب بموجب "اتفاقية الإبادة الجماعية" التي أُبرمت في عام 1948. وتحدّد الاتفاقية مجموعة من الجرائم تمثّل إبادة جماعية، مشيرة إلى أنّها "مرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية".
وفي أغسطس 2014، اجتاح تنظيم داعش جبل سنجار في شمال العراق حيث تعيش غالبية من الأقلية الإيزيدية التي تعرّضت للقتل والاضطهاد على يد التنظيم في خلال سيطرته على المنطقة ما بين عامَي 2014 و2017. وقد قتل مقاتلو التنظيم آلافاً من أفراد هذه الأقلية وسبوا نساءها وجنّدوا أطفالها. وبعد صعود تنظيم داعش في عام 2014، أعلن العراق في عام 2017 الانتصار عليه، علماً أنّه خسر بعد ذلك معقله الأخير في سورية في عام 2019. وحتى اليوم، تُستخرَج جثث من مقابر جماعية في سنجار، في حين أنّ أكثر من 2700 شخص ما زالوا في عداد المفقودين، وفقاً لبيانات المنظمة الدولية للهجرة.
من هم الإيزيديون؟
نشأت العقيدة الإيزيدية في إيران قبل أكثر من أربعة آلاف عام، وهي تُعَدّ ديناً غير تبشيري ومغلقاً، إذ لا يمكن لأحد من خارجها أن يعتنقها. ويؤمن الإيزيديون بإله واحد يصلّون له، متّخذين الشمس قبلة لهم، بالإضافة إلى إيمانهم بسبعة ملائكة، أوّلهم وأهمّهم الملك طاووس. وتعتمد المجموعة على الزراعة، وتقيم بغالبيتها في سنجار.
ويُعَدّ أقدس الأماكن الدينية للإيزيديين معبد لالش الذي تعلوه قبة مخروطية حجرية إلى جانب مزارات عدّة في وسط منطقة جبلية تضمّ ينابيع طبيعية في شمال غرب العراق، يقصده المؤمنون الزوّار حفاة. ويتبع هؤلاء المجلس الروحاني الأعلى المؤلف من خمسة أعضاء ومقرّه بالقرب من منطقة شيخان، من بينهم "أمير" الإيزيديين في العالم، إلى جانب مرجعهم الديني بابا شيخ.
ويُقسم الإيزيديون إلى ثلاث طبقات؛ الشيوخ والبير (الدعاة) والمريدون، ولا يمكن الزواج بين طبقة وأخرى أو من خارج الطائفة. لذا فإنّ الإيزيدي هو الذي وُلد لأبوَين إيزيديَّين فقط.
ومع مرور الوقت، دمج الإيزيديون في معتقدهم عناصر من ديانات أخرى. على سبيل المثال، يُعمَّد الأطفال في المياه المقدسة للاحتفال بدخولهم إلى العقيدة مثل المسيحيين، كذلك يمكن للرجال اتّخاذ أربع زوجات مثل المسلمين. وتحرّم معتقداتهم وممارساتهم تناول الخسّ وارتداء ملابس باللون الأزرق. ويتّهمهم بعض من المسلمين، خطأ، بعبادة الشيطان.
وقد تعرّضت هذه الأقلية كذلك إلى الاضطهاد في زمن السلطنة العثمانية في أوائل القرن العشرين، وكذلك على يد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي دفع آلاف العائلات الإيزيدية إلى الفرار إلى خارج البلاد.
ومن بين نحو 1.5 مليون إيزيدي في العالم كان 550 ألفاً، أي العدد الأكبر، يعيشون في العراق قبل الهجوم الذي شنّه تنظيم داعش في عام 2014. وبحسب إحصاءات المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان العراق، قُتل نحو 1280 إيزيدياً، ويُتِّم أكثر من 2300 طفل، وتعرّض نحو 70 مزاراً لهم للتدمير، في خلال سيطرة تنظيم داعش على مناطق واسعة من العراق ما بين عامَي 2014 و2017. كذلك خُطف نحو 6400 إيزيدي، أُنقِذ نصفهم تقريباً أو تمكّنوا من الفرار.
وبعد أعمال العنف التي ارتُكبت في حقّهم، هاجر نحو 100 ألف إيزيدي من العراق إلى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وكندا، بحسب بيانات الأمم المتحدة. ومن بين الذين لجأوا إلى ألمانيا، حائزة نوبل للسلام لعام 2018 ناديا مراد التي اعتُقلت وتعرّضت للاغتصاب وأُجبرت على الزواج من جهادي قبل أن تتمكّن من الفرار.
(فرانس برس)