في شتاء عام 2021، سرت شائعات عن اتجاه السلطات إلى تقييد أو منع إجراء فحوص غربلة الجنين التي تكشف احتمال وجود مرض أو تشوّه وراثي لديه، ثم تبين مع مرور الوقت أن هذه الشائعات حقيقية، إذ أقرّ البرلمان قانون "تجديد شباب السكان ودعم الأسرة" في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والذي منع القابلة أو الطبيب من طلب إجراء فحوص الغربلة.
وإذ ألغى القانون تغطية شركات التأمين تكاليف فحوص غربلة الجنين، بات الإجراء من مسؤولية الأم التي يجب أن تملك الوعي الكافي بأهميته من أجل تقديم طلب بتنفيذه، وهو يحتاج أيضاً إلى مبلغ مالي كبير. وفي حال لم تعلم الأم شيئاً عن الموضوع تكون الأسرة محظوظة إذا ولد الجنين سليماً، وصاحبة حظ سيئ إذا كان مصاباً بإعاقة ويعاني من تشوّهات وراثية.
وهذه نقطة الخلاف الأساسية بين معارضي القانون ومؤيديه، إذ يقول معارضو إجراء فحوص غربلة الجنين في الشهر الثالث إن الحالات التي تعاني من تشوّهات وراثية ليست كثيرة، ولا تستدعي بالتالي إلزام إجرائها، أما مؤيدوها فيرون أن عدم إجرائها يزيد الإعاقات، ويرفع مخاطر الحمل في المناطق النائية والفقيرة.
ومن بين نقاط الخلاف أيضاً عدم قدرة الأم الحامل على إجهاض جنين يعاني من اضطرابات وراثية إلا بقرار تصدره المحكمة خلال وقت غير قليل، ما يجعل الإجهاض غير ممكن حين يتجاوز الجنين عمراً محدداً.
واللافت أن وزارتي الصحة والرفاه عارضتا في البداية تقييد فحوص غربلة الجنين، ثم منعت وزارة الصحة عام 2022 تقديم الطواقم الطبية مشورة أو توضيحات ومعلومات للنساء تحت سن الـ35 عن المسألة إلا في حضور أحد الوالدين، أو تقديم الطبيب سبباً علمياً مثبتاً.
وتقول الأخصائية في علم الوراثة عابديني لـ"العربي الجديد": "يطبق القانون في وقت لا يمكن استبعاد إصابة جنين بمتلازمة داون مثلاً، ما يمنع الأطباء من تقديم التوضيحات المطلوبة وطرح البدائل مع ذكر الميزات والعيوب. كما أن تعميم وزارة الصحة يمنع إجراء فحص NIPT كأول وسيلة لغربلة الجنين بعد 10 أسابيع من الحمل، علماً أن هذا الفحص يحلل الحمض النووي لتحديد إذا كانت الأم معرّضة لخطر ولادة طفل مصاب باضطرابات وراثية".
وقبل نحو شهر، زادت تصريحات أدلى بها عضو جمعية علم الوراثة الطبية الإيرانية، محمد أمين طبطبائي فر، الجدل في شأن تقييد غربلة الجنين، بعدما أعلن أن وزارة الصحة أوقفت إصدار تراخيص لإنتاج واستيراد معدات فحوص الغربلة الخاصة بالأشهر الثلاثة الأولى للحمل. ووصف هذا القرار بأنه "غير مدروس ويزيد مخاطر ولادة أطفال مصابين بأمراض وراثية، كما يؤدي إلى استيراد هذه المعدات بطرق غير رسمية وبأسعار باهظة، وربما بنوعية رديئة وغير صحية".
ورد المتحدث باسم وزارة الصحة بدرام باك آيين بنفي فرض قيود جديدة على إنتاج وتوزيع معدات غربلة الجنين"، مؤكداً أن "وقف منح التراخيص يهدف إلى ترشيد الإنتاج والاستيراد وتوحيد معاييرهما".
ويدافع الطبيب علي رضا عن تقييد غربلة الجنين في قانون "تجديد شباب السكان ودعم الأسر"، ويقول لـ"العربي الجديد": "يهدف هذا القانون إلى الحدّ من الأعراض السلبية لإجراء فحوص الغربلة في شكل غير صحيح وخارج المعايير المعتمدة"، لكنه حذر من أن "هذا الهدف لن يتحقق في حال عدم صياغة اللوائح التنفيذية بدقة علمية كافية وأخلاقية".
يضيف: "سيفاقم عدم مراعاة الدقة العلمية المشاكل السابقة الموجودة قبل سنّ القانون الجديد، وسيؤدي إلى زيادة مواليد مصابين باضطرابات وراثية، كما سيتسبب في انتشار الإجراءات غير القانونية، وزيادة الضغوط النفسية على الحوامل وتراجع رغبة الزوجات بالحمل خشية ولادة مواليد ذوي إعاقات".
ويتوقع الخبراء زيادة المواليد المصابين بإعاقات نتيجة تقييد إجراء فحوص غربلة الجنين، علماً أن 200 ألف معاق يضافون إلى سكان إيران سنوياً لأسباب مختلفة، منهم نحو 30 ألف مولود معوق، بحسب تقرير نشرته صحيفة "هم ميهن" في 3 أغسطس/ آب الماضي.
وذكرت الصحيفة أن "إيران شهدت حتى عام 1997 ولادة 1500 مريض مصاب بمرض التلاسيميا سنوياً، ثم تراجع هذا الرقم إلى 200 سنوياً بعد تنفيذ برنامج غربلة الجنين لمنع ولادة هذه الحالات. وحالياً ثمّة توقعات بارتفاع عدد المواليد المصابين باضطرابات وراثية، وهو ما حذرت منه أكثر من 50 جمعية علمية طبية في رسالة وجهتها إلى وزير الصحة الإيرانية، بهرام عين اللهي، اعترضت فيها على تقييد إجراء فحوص غربلة الجنين، واعتماد لوائح داخلية خاصة في شأن هذه التحاليل".
وكتبت صحيفة "همدلي" الإصلاحية في 19 يوليو/ تموز الماضي أن "السلطات الصحية باتت تمنع نشر بيانات وأرقام المواليد المعوقين، باعتبارها دليلاً على زيادة ولادة هذه الحالات في البلاد نتيجة إلغاء الإجهاض الطبي وإنهاء إلزامية إجراء فحوص غربلة الجنين".
وتشهد إيران انتشاراً كبيراً للثلاسيميا مقارنة ببلدان أخرى، وتُعرف بأنها إحدى بؤره. وتحصي مصادر وجود 23 ألف مصاب في البلاد يخضعون لعلاجات تشمل حقن وحدات دم طوال الحياة، واستعمال أدوية لإزالة الحديد الذي قد يؤدي تكدسه إلى الإصابة بأمراض ثانوية، مثل السكري والفشل الكلوي وهشاشة العظام وأمراض في القلب والكبد.